نقض معطيات نصر الله باعتماده "اعترافات" مجموعة "الـ13":
جميل السيد يفضح حلفاءه!
فادي شامية
في الوقت الذي تتكثف فيه الاتصالات الإقليمية والمحلية لتبريد الأجواء السياسية في البلاد، أطل اللواء جميل السيد، من على شاشة "الجديد"، ليوتر الأجواء من جديد!. السيد هذه المرة بدا مرتبكاً ومنفعلاً، منذ البداية، لأن مقدم البرنامج جورج صليبي "تجرّأ" على محاولة لعب دور المحاور الجدي.
ذم السيد بعبارة "كذّاب"؛ نائباً وقاضياً وإعلامية، في ثلاثة مواضع مختلفة من الحلقة: قال "كذاب عقاب صقر"، و"سعيد ميرزا كذّاب"، و"مي شدياق كذابة" (تعاطف مع الأخيرة بالقول: "أتفهم غضبها وحقدها"!).
تواضع السيد أبى عليه أن يقبل الاستماع – عبر مقدّم البرنامج- لرأي آخر، من النائب عقاب صقر، أو الدكتور سمير جعجع، أو غيرهم فهؤلاء: "شو خصن؛ خلّين يكلفوا وزير العدل، أو قاضٍ، أو اللواء ريفي، أو سعد الحريري (ليتكلم معي). ما يكلفوا بوق يفز من تلفزيون لتلفزيون، -حتى لا أقول قبوط-" (قاصداً النائب عقاب صقر). ولما راجعه صليبي في اختيار عباراته، قال السيد: "قبوط مش مسبّة ومَنّا شتيمة"!. وبالتواضع نفسه، اعترف السيد أنه يتلقى أموالاً، "من ناس مؤمنين به"، ليواصل حملته في شقيها القضائي والإعلامي، علماً أنو "أنا بكش ناس من مكتبي" قال السيد!.
تناقضات كبيرة
لجهة المضمون؛ فقد حفل كلام السيد خلال المقابلة (التي ندم عليها تلفزيون الجديد في بيان له أمس) الجديد، بتناقضات كثيرة، أبرزها أربعة:
التناقض الأول: إشادته بعدالة المحكمة الدولية، وبحكم القاضي فرانسين (الذي "أعطاني حقي")، ودعوته القاضي سعيد ميرزا للتمثّل بالقاضي كاسيزي، الذي قرر طوعاً التنحي عن النظر في طلبات جميل السيد، حتى لا يكون خصماً وحكماً في آن معاً.
وقد علل السيد هذه "العدالة"، بأن أي قرار يصدر عن المحكمة، مهما كان صغيراً أو كبيراً، فإنه موضع متابعة العالم، والمؤسسات الدولية، والجامعات الأكاديمية، وأنه على هذا الأساس، ومن خلال فريق محاميه، يتقدم بالدعاوى أمام المحكمة، وصولاً إلى قوله إنه يفكر بالتوجه إلى المحكمة لطلب تنحي القاضي رالف رياشي أيضاً (وفي موضع آخر قال إنه يفكر بطلب سحب عضوية كل القضاة اللبنانيين، ما أثار دهشة مقدّم البرنامج الذي قال: وكأنك أنت من يسيّر المحكمة!)... وبعد هذه المؤشرات كلها، التي ذكرها جميل السيد نفسه، عن شفافية المحكمة وعدالتها، عاد السيد لاتهام المحكمة بأنها مسيسة وغير عادلة!.
التناقض الثاني: ادعاؤه أن القضاء اللبناني قادر على وضع يده على ملف "شهود الزور"، وأنه لجأ إلى القضاء السوري بعدما رفض القضاء اللبناني قبول دعواه، ثم قوله – في المقابلة نفسها- إنه لجأ إلى المحكمة الدولية للحصول منها على مستندات تسمح له بالادعاء أمام القضاء اللبناني!. مع العلم أن السيد قدّم "اجتهاداً" قانونياً جديداً للخروج من مأزقه؛ كونه لم يدعِ أساساً، على أي شخص معلوم، أمام القضاء اللبناني، بالقول: "ما أسجله لدى التحقيق معي هو دعوى قانونية"!.
التناقض الثالث: أنه لدى سؤاله عن مدلول عبارة "سآخذ حقي بيدي"، (وهي العبارة التي طلب القضاء اللبناني منه توضيحها في المذكرة التي أصدرها) قال: "إذا كان لديك سيارة مسروقة، وموضوعة تحت بيت (القاضي) سعيد ميرزا، وراجعت مرة ومرتين وثلاث، ولم يُعد لك أحد السيارة، عندها تقرر كسر زجاج السيارة وأخذها بالقوة". معتبراً أنه تحت القانون وليس فوقه!.
التناقض الرابع (وهو الأهم): أنه في الوقت الذي يجهد فيه "حزب الله" لتوجيه مسار التحقيق باتجاه "إسرائيل"، ويقدم قرائن من أجل ذلك، ويكشف أسراراً لـ "المقاومة" في سبيل ذلك، وفي الوقت الذي يقول فيه نائب أمين عام الحزب (26/9/2010): "نطلب أمرين: الأول كشف شهود الزور ومفبركيهم، والأمر الثاني اتهام إسرائيل من خلال القرائن"... أي أنه في الوقت الذي يعتبر فيه "حزب الله" أن القرار الاتهامي المرتقب مرفوض إن لم يتهم "إسرائيل"، فإذا بجميل السيد يأخذنا مجدداً نحو اتهام "القاعدة" (مجموعة 13 التي اعترفت باغتيال الحريري قبل أن يقنعها المقدم سمير شحادة بتغيير إفاداتها)!. ما يعني لزاماً – إن صح كلام جميل السيد- أن ما قدمه أمين عام "حزب الله" من معطيات ليست صحيحة، لأن الجهة التي قامت بالاغتيالات هي "القاعدة" وليس "إسرائيل"!.
حقائق مشوهة!
خلال المقابلة مع الإعلامي جورج صليبي، أورد السيد معلومات اعتبرها حقائق غير قابلة للنقاش (حتى من محاوره)، مع أن ما أورده السيد بشأنها غير مطابق للواقع.
أولاً: زعم السيد أن المحكمة الدولية أصدرت حكماً نهائياً بتبرئته، متجاهلاً أحدث ما صدر عن المحكمة بشأنه (16/9/2010)، ففي معرض إجابته على طلب السيد تسلم المستندات التي تمكنه من رفع دعاوى في لبنان، اعتبر القاضي فرانسين (الذي أشاد السيد نفسه بعدالته) أن الضباط الأربعة نالوا "إخلاء سبيل": la mise en liberté، "إذ لم يعتبر المدعي العام (في حينه- 29/4/2009) أن مصداقية المعلومات التي كانت في حوزته كافية لتبرير إصدار قرار اتهام في حقّه"، وبناءً عليه، فإنه "يجوز للمستدعي توجيه طلبه إلى المحكمة، بما أنه تم إخلاء سبيله من قبلها".
ثاني هذه الحقائق التي شوهها جميل السيد؛ زعمه أن القاضي سعيد ميرزا لا يمكنه إصدار مذكرة توقيف أو استماع بحقه، كونه طرف في النزاع، مغيباً حقيقة يفترض أن يخبره بها فريق محاميه، وهي أن وزير العدل هو رأس النيابات العامة، وله حق الطلب من النائب العام التمييزي أن يحرك دعوى الحق العام، وفق المادة 14 من قانون أصول المحاكمات، وأن الإحالة من قبل وزير العدل تكون موجهة إلى مرجع قضائي، لا إلى أشخاص يتولون هذا المنصب، لأن القول بعكس ذلك من شأنه تعطيل العدالة، إذ بمقدور أيٍ كان أن يدعي على مدعي عام التمييز، وبالتالي يصبح خارج الملاحقة القانونية، بدعوى وجود نزاع بينه وبين القاضي (خلافاً للحالة فيما لو رفع القاضي سعيد ميرزا دعوى باسمه الشخصي بناءً على التهجمات التي يشنها السيد عليه).
أما ثالث الحقائق التي شوّهها السيد –وأهمها-: فهي تعليله لجوءه إلى القضاء السوري، بأن القضاء اللبناني رد دعواه، فيما الحقيقة أن جميل السيد لم يتقدم بأي دعوى، بحق أي شاهد زور أمام القضاء اللبناني – وهو ما أثبته النائب بطرس حرب أيضاً بمطالعة قانونية قدّمها إلى مجلس الوزراء مؤخراً- قال فيها: إنه بعد البحث والتدقيق تبين أن جميل السيد قدّم شكويين واحدة ضد مجهول، بجرم تزوير واستعمال مزور، والأخرى بجرم تزوير واستعمال مزور وانتحال صفة... و"إنني أبرز لائحة بالدعاوى التي تقدّم بها جميل السيد، والتي تثبت أن السيد لم يراجع القضاء اللبناني في جرم شهود الزور مطلقاً، وأن الكلام الذي أدلى به أمام المحكمة الخاصة، والذي تداولته وسائل الإعلام غير صحيح".
المضحك في ذلك أنه لدى ادعاء السيد أمام القضاء السوري، أدخل أسماء القضاة: سعيد ميرزا، وصقر صقر، والياس عيد، وأن القضاء السوري استجاب لطلبه بناءً على توصيف جرمي هو: "حجز الحرية الشخصي والإخلال بموجبات الوظيفة"، وكأن الاتفاقية القضائية بين لبنان وسوريا تجعل من القضاء السوري وصياً على القضاء اللبناني، بحيث يصبح مرجعاً لمحاكمة القاضي اللبناني، في حال "إخلاله بموجباته الوظيفية"!.
خبريات جديدة ومبادرة!
في معرض دفاعه عن نفسه في موضوع أحمد أبو عدس، أدخل جميل السيد اسم الصحافي إبراهيم الأمين في هذا الموضوع، للمرة الأولى، بزعم أنه لم يكن يعلم شيئاً عن شريط أبو عدس وأن إبراهيم الأمين (كان في صحيفة السفير يومها)، هو الذي أخبره عن وجود الشريط، ما دفع السيد إلى الاتصال بالإعلامي غسان بن جدو لطلب إحضاره.
كما أورد "خبرية" جديدة عن المدعو كامل أحمد ضامن، الذي "ضحك عليه" تيار "المستقبل"، ورفع دعوى باسمه على جميل السيد بعد أن نقده مبلغ خمسين ألف دولار، خلافاً لإرادته. (من جملة خبرياته أنه زعم أن الرئيس الراحل الياس الهرواي قال إن "راس مال سمير جعجع سيارة مفخخة"!. كما تحويله مصادر مجهولة نقلت عنها جريدة "الأخبار" إلى مصادر معلومة –على حسابه- مسمياً اللواء أشرف ريفي"!).
لكن السيد، وحتى "يسهّل" الحل، قدّم "مبادرة" مفادها أنه "قد يفكر" بـ "نقل الدعوى"، التي رفعها أمام القضاء السوري إلى لبنان، إذا قام مجلس الوزراء بالشروط الآتية:
1- أحال ملف "شهود الزور" على المجلس العدلي.
2- نحّى القاضي سعيد ميرزا، واللواء أشرف ريفي، والعقيد وسام الحسن... عن مهماهم لحين البت بالقضية.
3- طلب من المحكمة الدولية استئخار قرارها الاتهامي لحين البت بقضية "شهود الزور".
بطبيعة الحال، لا أهمية – عقلاً أو قانوناً- لما أسماه جميل السيد "مبادرة" إلا في كونه يفضح السبب الكامن وراء إصرار فريقه السياسي على إحالة ملف ما يسمى شهود الزور على المجلس العدلي... و"سذاجة" من يبسّط الأمر باعتباره نقاشاً فيما هو الأَولى قانوناً!.
عموماً، لقد بدا السيد في المقابلة إياها أقرب إلى حقيقته، منه إلى دور المظلوم، الذي حاول تقمصه في المرات السابقة، نتيجة التوتر والعنجهية، وهذا بحد ذاته جيد، لأن بعض الناس ربما تكون قد خُدعت سابقاً.