سعد يتوعد: "إذا وقعت الواقعة" قيادة سياسية جديدة للمدينة وحظر نشاط الخصوم
صيدا بين مسارَي التحييد والتهديد
فادي شامية
ليس سراً أن رئيس "التنظيم الشعبي الناصري" أسامة سعد يحضر نفسه منذ مدة لاستحقاقين يراهما قادمين؛ فتنة داخلية، وعدوان إسرائيلي. زوار سعد ينقلون عنه أنه لا يرى فارقاً بين خصومه في الداخل وبين أعداء الوطن في الخارج، وفي الحد الأدنى – من وجهة نظره- فإن مصالحهما متقاطعة.
بناءً على هذه الرؤية، جهّز أسامة سعد نفسه مبكراً؛ أعاد النظر في بنية تنظيمه العسكرية تحت عنوان "المقاومة"، ونشّط من فاعلية الشباب في "التنظيم"، وفعّل من حركته السياسية، سواء على مستوى "اللقاء الوطني الديمقراطي"، أو لقاء الأحزاب، أو "التنظيم الناصري" نفسه. ولأن المرحلة تتطلب تصعيداً سياسياً، فقد أطلق سعد مواقف حادة، سبق في توقيتها حلفاءه.
قال سعد في لقاءٍ مغلق جمعه وكوادر "ناصرية" في بيروت، في22 تموز الماضي: "إذا أرادوا الفتنة، فسننقلها إلى طرابلس وصيدا وبيروت والبقاع لإسقاطها هناك"، وباليوم نفسه قال لقناة الجديد: "إن في صيدا عملاء يخضعون لغطاء سياسي، من قبل جهات سياسية!" أضاف: "بهية الحريري مشغولة بإقامة الحفلات، وفؤاد السنيورة مشغول بالمضاربات العقارية، وصيدا متروكة"!.
مشروع "التحييد" تحت سيف التهديد
في 6 آب الماضي زار سعد السيد حسن نصر الله وفهم منه أن الحزب لن يقبل بالمحكمة مهما كلّف الثمن. عاد سعد إلى صيدا وكثّف استعداداته، وفي لقاء جمعه وعدد من مسؤولي قطاع الطلاب في "التنظيم" قال: "عليكم أن تكونوا مستعدين جيداً، لأن تطورات ستحصل، ويجب أن نكون جاهزين، لمواجهة ثنائي الفتنة؛ فؤاد السنيورة وبهية الحريري!". أتبع ذلك عدة مواقف تحذر من المحكمة الدولية ومن "شهود الزور"، صدرت عن لسانه، أو من خلال بيانات "اللقاء الوطني"، أو لقاء الأحزاب. ثم أجرى سعد سلسلة لقاءات -تبلغ ذروتها هذه الأيام-مع عدد من المرجعيات والجماعات الدينية والسياسية في صيدا –بعضها جرى بعيداً من الأضواء- بهدف وضعها في صورة رؤيته لمستقبل المدينة، إذا ما وقعت "الفتنة".
وفق هذه الرؤية التي أبلغها سعد لمن التقى بهم، فإن المطلوب "تحييد" صيدا. وتحييد صيدا في مفهوم سعد يعني –باختصار- تسليم قيادة المدينة له ولحلفائه. وبهذا المعنى فإن ما يطلبه سعد هو الحصول على نتيجة الانقلاب قبل أن يحدث، تحت طائلة تنفيذ التهديدات التي يطلقها في العلن، ويوضحها أكثر في اللقاءات السياسية التي يُجريها.
في هذا الإطار طرَح سعد "تشكيل قيادة سياسية جديدة للمدينة من القوى المقاومة"، بمعزل عن نتائج الانتخابات النيابية والبلدية، على أن يتولى هذا الإطار السياسي "حماية المدينة من الفتنة". ووفق رؤية سعد أيضاً، فإن حماية صيدا تكون بامتناع النائبين الحريري والسنيورة عن الإدلاء بأي تصريح سياسي، أو قيامهما، أو قيام "تيار المستقبل"، بأي تحرك شعبي أو سياسي، لا استنكاراً لما قد يحصل في مناطق أخرى، ولا تأييداً للمحكمة وقرارها الاتهامي المرتقب، وفي هذه الحال فإن سعد سيوفر الحماية للمدينة، "تماماً كما حمى صيدا في 9 أيار، دون أن يقدّر الطرف الآخر جميله هذا"- والكلام دائماً لسعد وفق ما أبلغ من التقى بهم-.
بناءً عليه، فقد كثـّف سعد من لقاءاته مع القوى الفلسطينية في مخيم عين الحلوة؛ لا سيما مع الطرفين البارزين عسكرياً؛ "حركة فتح" ("تتهمها" أوساط سعد بالعلاقة مع الحريري) و"عصبة الأنصار"، (سبق أن هددت بالتدخل عسكرياً في 9 أيار 2008 على خلفية مذهبية كما هو معلوم)، وذلك تحت عنوان تحييد السلاح الفلسطيني عن الصراعات اللبنانية، لأن "السلاح الفلسطيني وجهته فلسطين، وهو منحاز إلى المقاومة لا إلى المشروع الأميركي وأدواته في المنطقة"، كما نُقل عن لسان سعد.
وحتى يكون مشروع "التحييد" ممكناً، فقد أرفقه سعد بما أمكن من تهديد، دون أن يستبعد اللجوء إلى استخدام السلاح، الذي يُرجح أن يكون تنظيمه واجهةً له –وربما قوى أخرى من المدينة- وبالتأكيد سيكون مدعوماً من "حزب الله"، ما يؤدي إلى فرض أمر واقع على المدينة، يسيطر بموجبه على مؤسسات الخصوم بالقوة المسلحة، - تماماً كما حصل في 9 أيار2008، وذهب ضحيته أشخاص أبرياء- وصولاً إلى تقييد نشاط نائبي المدينة في صيدا، ما يعني شلّ قدرة الخصم السياسي -بالقوة المسلحة- على التحرك. ويردد بعض المحيطين بسعد –بزهو!-أنه قد يجري "تأديب" الخصوم، ومن يتناولون سعد أو يهاجمون "حزب الله"، بـ "الطرق المناسبة" أيضاً!.
مواقف القوى السياسية
إزاء هذه الأجواء الخطيرة، ثمة من يتحرك في صيدا على قاعدة تجنيب المدينة أي استعمال للسلاح، بمعزل عن موقف الأطراف السياسية من الأزمة الراهنة، لكن هذا الأمر لا يقبل به سعد، وفق ما أبلغه مَن التقاهم، لأن "تجنيب صيدا الفتنة -من وجهة نظره- تقوم أولاً وآخراً، على أساس صمت الطرف الآخر في التصريح -بما يعتبره هو؛ أي سعد- كلامَ فتنة"!.
النائب بهية الحريري طرحت -من جهتها- خلال اللقاء التشاوري، فكرة عقد لقاء جامع في صيدا، على قاعدة أن الجميع في النهاية أبناء مدينة واحدة (وهو ما كانت أعلنته ليلة إعلان نتائج الانتخابات البلدية، وقوبل بالاستهزاء في حينه)، وقد رفض سعد هذا الطرح رفضاً مطلقاً، خصوصاً إذا ما شارك فيه الرئيس السنيورة، على اعتبار أن سعد "ليس في وارد منح الشرعية لمن يعادي المقاومة"، وفق ما نـُقل عنه.
بدورها التقت "الجماعة الإسلامية" أسامة سعد مؤخراً، بعد قطيعة طويلة. مصادر "الجماعة" وضعت اللقاء في إطار قرار مركزي يقضي بالتواصل مع الجميع، لـ "حماية البلد من الفتنة"، لكن المعلومات التي رشحت من اللقاء لا تشير إلى أن النتائج كانت مريحة، فقد أعاد سعد مواقفه المعروفة، معتبراً أن الرئيس السنيورة "جاء ليخرب صيدا"، وهو "يؤجج الفتنة"، مستدلاً بتصريح له دافع فيه عن المحكمة بالقول: "إن المحكمة لا تتجنى على بريء". وخلال اللقاء أبلغت "الجماعة" سعد "رفضها استباحة المدينة مجدداً"، وموقفها الرافض "لاستخدام السلاح في بين اللبنانيين"، وبأنها "لا تحمل رسائل من تيار المستقبل"، وتمنّعها بالمقابل عن نقل رسائل من سعد إلى أي طرف، وبأن "المحكمة أقرت أساساً في المؤسسات الدستورية، وعلى طاولة الحوار، وأي قرار بشأنها يُتخذ في الأطر نفسها وليس في الشارع".
وتحت عنوان التهدئة أيضاً، قام وفد من حركة "أمل" بجولة على الفعاليات الصيداوية. الوفد لم يخف الخلاف السياسي مع "المستقبل" -انطلاقاً من كون حركة "أمل" جزءاً من فريق الثامن من آذار-، لكنه بالوقت نفسه شدد على أن "صيدا والجنوب سيكونان صفاً واحداً في مواجهة محاولات بذر الفتنة الطائفية والمذهبية"!. (وقع إشكال حارة صيدا قُبيل الموعد المقرر لزيارة وفد الحركة إلى مجدليون، ما يطرح علامات استفهام حول المتضررين من التهدئة).
دار الفتوى في صيدا كانت حاضرة أيضاً في الحركة السياسية الناشطة في المدينة، وهي استقبلت وفد "التنظيم الناصري" برئاسة أسامة سعد، يوم الخميس الماضي. الأجواء لم تكن مريحة، وفق المعلومات التي رشحت عن الاجتماع، إذ كرر سعد معزوفته مقرونةً بتهديدات أكثر وضوحاً، "على أمل أن تصل الرسالة إلى من يعنيه الأمر". وغداة خروجه من الاجتماع، أجاب سعد عن سؤال وجه إليه حول استخدام السلاح، قائلاً بعبارات لا تخلو من تهديد: "المقاومة في حالة دفاع عن النفس. ونحن في أيار 2008 أخذنا موقفاً حمى المدينة، وسنستمر في الدفاع عن خياراتنا الوطنية، ولن نسكت عن استهداف هذه الخيارات وعلى رأسها المقاومة"!.
الصيداوي الأصيل لا يهدد أبناء مدينته
لسان حال أسامة سعد، ومن لف لفه، يقول: إن التحضيرات باتت جاهزة للانتقال إلى المرحلة الثانية من مراحل الخطة الموضوعة من قبل "حزب الله"، لإسقاط المحكمة الدولية؛ فإما الخضوع والتحييد، وإما تنفيذ التهديد.
سعد سبق أن توجّه –مؤخراً- إلى الصيداويين بالقول: "لا تقبلوا التضليل من أحد، فعندما تقع الواقعة يهربون ويتحصنون بقصورهم". كما أصدر بياناً باسم طلاب "الناصري" تحدث فيه عن "التصدي لاستباحة حرمات المدارس"، بزعم تعليق صور فيها للحريري!. أتبع ذلك تسريبات إعلامية عن رد قاسٍ على الخصوم!.
واضح إذاً، أن ثمة من يريد الضغط في صيدا –مدينة الرئيس الحريري- في إطار المقايضة بين العدالة والاستقرار، وواضح أيضاً من الحركة السياسية لهيئاتها المنتخبة، الإصرار على رفض الانجرار إلى أي إشكال... والصمود.
ليس ثمة شك -في هذا المجال- بصلابة الرئيس فؤاد السنيورة، وقدرته المذهلة على الصمود، قياساً بما مر به (سبق للرئيس سعد الحريري أن وصفه خلال إفطار رمضاني بأنه أشرف الناس وأصدق الناس). وليس ثمة شك في مدى تمسك النائب الحريري بالحقيقة والعدالة، والحرص الكبير على الاستقرار. (ردت على التهديدات خلال عرس جماعي قبل أيام بالقول: "نعاهد الشّهداء أنّنا لن نيأس، ولن نهون، ولن نخاف، وستبقى أفراحنا في وجه أحزاننا، وستبقى إرادتنا تقاوم يأسنا، وسيبقى إيماننا بحقّنا وحقوقنا راسخاً فينا").
وإلى جانب نائبي صيدا، وقوى المقاومة الحقيقة في المدينة، سيبقى الناس صامدين، كلٌ على طريقته، ووفق قدرته، ففي صيدا ما يكفي من الشجاعة والشجعان لتقول: "لا للفتنة تحت عنوان مواجهة الفتنة"، وفي كل الأحوال فإن هذه الحالة التي يريد سعد فرضها على المدينة لن تدوم -وقد عاشت المدينة حالاتٍ مشابهة من قبل، انتهت بكارثة على من قام بها-، لكن السؤال الذي يطرح نفسه-بغض النظر إن حصل ما يخطط له سعد أم لا-: ترى هل يمكن لصيداوي أصيل أن يهدد أبناء مدينته؟ وهل يمكن أن ينفذ هذه التهديدات ويبقى صيداوياً؟!. ترى كيف سينظر الصيداويون إلى أسامة سعد ومن لف لفه في حال تنفيذهم تهديداتهم؟!