حين يرى "حزبُ الله" أخطاءَه مؤامرةً من الآخرين: أحداث برج أبي حيدر نموذجا
فادي شامية
في تفكير "حزب الله" ثمة ما يدعو للقلق!. النظرة للذات مقابل النظرة للآخر تبدو مرعبة، فالتنزيه الذي يقترب من العصمة صفة تلازم الحزب دائماً، والشك الذي يقترب من الشيطنة صفة تلازم الآخر دوماً، والأمر لا يقتصر على العلن، بل يبدو أنه قد تسلل إلى الجلسات الداخلية، التي يـُفترض أن تُراجع فيها الأمور بموضوعية.
لم يقتنع "حزب الله" بعد، أن أحداً لم يفرح بما جرى في برج أبي حيدر، وأن ثمة فارقاً بين الانطلاق من هذه الواقعة المؤسفة للحؤول دون تكرارها، وبين استغلال ما جرى ضد "المقاومة"، وفق ما اعتبر الحزب لاحقاً. لم يتأكد الحزب بعد أن انتشار السلاح وحمايته تحت عنوان "المقاومة" يسبب تلقائياً اشتباكاتٍ، كمثل التي جرت في برج أبي حيدر، حتى مع حليف (الاشتباكات التي وقعت بين الحلفاء خلال الحرب الأهلية اللبنانية كانت أكثر من الاشتباكات التي وقعت بين الخصوم). لم يوقن الحزب بعد أن المبالغة في "تقديس" جمهوره وتعبئته يؤدي إلى خروجه أحياناً على القانون، وإلى انفلاته، حتى عندما يقرر الحزب ضبطه!.
قد يكون مفهوماً في معرض دفاع "حزب الله" عن نفسه اعتباره ما جرى في برج أبي حيدر مؤامرة، وفخاً، ومكيدة، وما إلى ذلك من نعوت، لكن أن يكون هذا الأمر قناعة داخلية فهذه مصيبة!. ما نقلته صحيفة "الأخبار" عن لسان السيد حسن نصر الله خلال لقاءٍ داخلي "أمام كوادر ذوي مسؤولية رفيعة، عُقد قبل 20 يوماً وطبعه الكتمان" يؤكد ذلك.
نصر الله رأى أن اشتباكات برج أبي حيدر "كانت فخاً نُصب للحزب بهدف حرف وجهة المنحى الذي يقوده في ملفي شهود الزور والقرار الظني، وبغية إلهائه بمشكلة داخلية أخرى تؤدي إلى توريطه في نزاع داخلي وفي الشارع، وتحديداً في أحياء بيروت، اعتقاداً من الفريق الآخر أن ذلك يؤجج الفتنة المذهبية، ويُغرق حزب الله في متاهات الصراع الداخلي". رغم ذلك، أضاف نصر الله: "تجاوز حزب الله، في تفكيره، الخوف من الفتنة"!.
خطورة هذا الكلام –الذي لم ينفه "حزب الله"-أنه قيل في تقييم داخلي –على ذمة الأخبار القريبة من الحزب المذكور-، إذ لم يعترف "حزب الله" بالخطأ –حتى بينه وبين نفسه-، بل أشاد بنفسه لتجازوه الفخ الذي نصبه له الفريق الآخر!. (لاحظ خطورة تلك التعبئة ضد الشريك في الوطن)، كما أشاد بجمعية "المشاريع" (الأحباش) ومسارعتها إلى تطويق ما جرى.
ويتساوق هذا الكلام مع ما كانت نشرته وسائل الإعلام القريبة من الحزب عن طرف ثالث أوقع الوقيعة بينه وبين "الأحباش"، وهو أمر لا دليل عليه، ما جعله يؤخذ -في حينه- على أنه محاولة لتخفيف المسؤولية عن "حزب الله" أمام الرأي العام، لكن المفاجأة أن نظرية المؤامرة هذه، كانت هي الرسالة التي أبلغها أمين عام "حزب الله" لكوادره الفاعلين!.
هل توصيف "حزب الله" لما جرى في برج أبي حيدر يطابق الواقع؟!
1- يمكن لـ "حزب الله" أن يتكلم عن الأفخاخ والمكائد التي تعرّض لها كيفما يريد، ويمكنه أيضاً أن يتحدث عن استدراج تعرض له مسؤوله في بيروت محمد فواز كما يحلو له، لكن لا يمكنه تحميل ذلك لخصومه السياسيين، ببساطة لأن ما جرى لم يكن بلا مقدمات، إذ تؤكد المعلومات من برج أبي حيدر أن الاحتقان بين الأحباش، لا سيما الأكراد منهم، سبق الاشتباكات بنحو شهرين، تخللها استنفارات واحتكاكات، كانت تلفلف قبل أن تصل إلى الإعلام، وأن ذلك كان يجري على خلفية تعليق صور أحياناً، وعلى خلفية حدود النفوذ أحياناً أخرى، دون أن تغيب الخلفيات الفكرية – وليس بالضرورة المذهبية- لدى أيٍ من الفريقين.
2- أظهر الحادث أن الأمور لا تسير دائماً –كما تبدو في المواقف السياسية- إذ تبيَّن قبل الاشتباكات وبعدها أن كلا الفريقين "يجامل" الآخر، لاعتبارات سياسية، وأن جمهور كلا الفريقين غير متفاهم ولا متجانس، وهذا ما يفسر حجم الفلتان الناري الذي وقع، والذي وصل على حد إحراق أو محاولة مساجد!، فكيف لحليفين أن يفعلا ذلك، حتى ولو وقع إشكال بينهما في لحظة ضبابية!.
3- يمكن لـ "حزب الله" اتهام خصومه السياسيين أو - حتى مخابرات دولة عربية، كما كتبت صحف قريبة من الحزب بُعيد وقوع الاشتباكات- ووفق ما يرى مصلحة له ولجمهوره، لكن كيف يفسر انفلات-ليس جمهوره وحسب- بل محازبيه أيضاً أثناء الاشتباكات؟! كيف يفسر ذلك وهو الحزب الحديدي في الانضباطية كما يقول، ألا يؤكد ذلك وجود تعبئة ضد "الأحباش" وغير "الأحباش"، بما يتجاوز قدرة السيطرة على المحازبين عندما يشتعل النزاع؟! (علل الحزب ذلك –إعلامياً- بمقتل من يفترض به ضبط الشارع أول الاشتباك).
4- اتفق الطرفان بعد الاشتباكات على تولي الجيش اللبناني التحقيق في الحادث، وقد أنهت، قبل أيام، الشرطة العسكرية تحقيقاتها (مستعينة بتقارير مخابرات الجيش التي اطلعت على صور كاميرات المراقبة، بما فيها تلك الموجودة على مدخل مسجد برج أبي حيدر)، وسلمت تقريرها إلى القضاء -الذي ادعى على 82 شخصاً- غير أنه لم يظهر بنتيجة التحقيقات، وجود أصابع لـ "الفريق الآخر" – وفق تسمية السيد نصر الله-!.
5- أخيراً، إذا كان ما حصل جاء نتيجة طرف ثالث دخل على الخط بين حليفين، وأن "حزب الله و"المشاريع" تجاوزا الفخ –كما أبلغ نصر الله كوادره- فكيف يفسر "حزب الله" حالة التوتر الموجودة راهناً في المنطقة بينه وبين الأحباش؟! وكيف يفسر الاتهامات المتبادلة والاستنفارات –بسلاح غير ظاهر-؟ ثم كيف يفسر كما كتبته صحيفة الثبات القريبة منه، وبمقال وقعه قريب أحد الشخصيات الدينية المحسوبة عليه، تحت عنوان: "مشاريع تجرف المشاريع"، والذي يتهم فيه الأحباش بالتآمر على "حزب الله"؟!
هل يـُقنع ما سبق جمهور "حزب الله" وكوادره البعيدين عما جرى؟ الأرجح لا، على افتراض قراءته أصلاً... لكن الحقائق تبقى حقائق!.