هكذا فضح جميل السيد نفسه!
فادي شامية الخميس,16 أيلول 2010 الموافق 7 شوال 1431 هـ
حتى إشعار آخر، فلا سلطة قضائية -على ما يبدو- في هذا البلد تحاسب السياسيين، لا سيما المحميون منهم، على افتراءاتهم أو تهديداتهم التي يعاقب عليها القانون، ومع ذلك فلن يشغل أحد نفسه في التدقيق في الأهمية الذاتية للتهديدات التي أطلقها اللواء جميل السيد، غير أن التحليل سينصب حول دلالات كلام الرجل، لجهة موقف القيادة السورية منه (مؤتمره الصحفي أعقب استقبال الرئيس بشار الأسد له لمدة ساعتين)، وموقف "حزب الله" (نُقل كلام السيد مباشرة على قناة المنار)، وتالياً مصير التهدئة التي أرستها قمة بعبدا الأخيرة.
غير بعيد عن هذه التهديدات؛ شكّلت "الخبريات" الكثيرة التي رواها السيد في مؤتمره الصحفي مادة دسمة للتحليل، ليس في مصداقيتها –باعتبار أن أكثرها عصي على التصديق-، وإنما في توضيحها لمسائل لم تكن واضحة من قبل؛ حتى إنه ليصح القول إن جميل السيد-ونتيجة لغروره وللحالة النفسية التي يعيشها- قد فضح نفسه في الوقائع التي أوردها!.
علاقة السيد بروايات اتهام "حزب الله"
قال جميل السيد في مؤتمره الصحفي: "في 10 أيار 2009 دعاني السيد نصر الله (لزيارته)، وقال (نصر الله) كنا على تواصل مع الحريري، وكان يقول في البداية إن عناصر من القاعدة مخترقة من المخابرات السورية قتلت له والده... وفي اللقاء الأخير اختلى (الحريري) بالسيد نصر الله وقال يمكن أن يكون هناك عناصر غير منضبطة في حزب الله (وراء الجريمة)..." يتابع جميل السيد: "قلت (للسيد نصر الله) مرّروها بالإعلام (رواية أن عناصر غير منضبطة في "حزب الله" تقف وراء الجريمة)، اسبقوهم فيها، سرّبوها لأنها خطرة، فقال (السيد نصر الله) علينا أن ندرسها...وفي اليوم التالي قلت (في نفسي) السيد نصر الله لن يفعلها؛ سرّبها أنت يا جميل السيد، فكلّفت محاميي في باريس أنطوان قرقماز، ليقول لبلمار إن هناك محاولة في لبنان مماثلة لفترة ميليس. ولليوم السيد حسن (نصر الله) لا يعرف أنني كلفت محاميي (بذلك)، فأخبّر كوتييه، مساعد بلمار قبل دير شبيغل بجمعتين (أسبوعين)". أضاف السيد أن كاتب رواية دير شبيغل أريك فولاث طلب لاحقاً مقابلته، فاستقبله السيد، وفي اللقاء أخبره فولاث بأنه أخذ معلوماته "من امرأة في المحكمة ليست قاضية ولا محققة".
ويستنتج من هذه الرواية الآتي:
1- أن الحديث عن توجه القرار الاتهامي لاتهام أفراد من "حزب الله" بالجريمة –بغض النظر عن صحة ذلك- ليس جديداً على "حزب الله"، ولم يكن وليد لقاء السيد نصر الله بالرئيس الحريري في نيسان الماضي، وإنما سبق ذلك بأكثر من عام، بل سبق ما نشرته مجلة دير شبيغل نفسها!.
2- لم يقر جميل السيد بأنه هو أو فريقه السياسي من سرّب المعلومات إلى دير شبيغل، لكنه قال بأنه نصح السيد نصر الله بتسريب هذه المعلومات إلى الإعلام، معتبراً أنها خطيرة وأن تسريبها إلى الإعلام مفيد، مقراً فقط بأنه أرسلها إلى بلمار!. وبما أن السيد رجل أمن، ومتخصص في التعامل مع الإعلام أيضاً، وبما أنه يعتبر أن نشر هذه الرواية مفيد للفريق المتهم، فهذا كله يعطي إشارة عن الجهة التي سربت هذه الرواية، خصوصاً أن السيد نفسه علّق عقب نشر رواية دير شبيغل في 27-5-2009 بالقول: "إن مجرد نشر الرواية في دير شبيغل أسقط الرواية لأن النشر يعتبر خرقاً لكل الاعتبارات، ولجزء من التحقيق، لقد سقطت الفرضية التي كتبت في الجريدة بغض النظر عن صحتها". إشارة إلى أن معلومات صحفية نقلاً عن تقارير مخابراتية كانت قد رجحت الشهر الماضي أن يكون مصدر معلومات دير شبيغل غير بعيد عن فريق الثامن من آذار، سيما أن كاتب المقال أريك فولاث قريب من سوريا وإيران. (كان لافتاً أن يختار فولاث جميل السيد تحديداً ليجتمع به، وليخبره عن مصدر معلوماته- على ذمة جميل السيد طبعاً-)!.
3- أكدت هذه الرواية حجم الجهد المبذول من فريق جميل السيد لاختراق المحكمة الدولية، واستقصاء المعلومات المتعلقة بالتحقيقات، واللافت أن عدداً ممن ذكر جميل السيد اسمهم سبق أن استقالوا من المحكمة، ما يفسر ربما أسباب استقالتهم أو إجبارهم على الاستقالة.
تزوير بالوقائع
إلى جانب هذه الرواية الملتبسة والفاضحة، فقد زوّر السيد جملة من الوقائع؛ يمكن كشف مجموعة منها بسهولة، اعتماداً على ما هو منشور ومعلوم، فيما يمكن للجهات الرسمية التي تملك معطيات حول مجموعة من الموضوعات الأخرى التي أثارها السيد أن تفند صحة كلامه. ومن الوقائع التي أوردها السيد بشكل غير صحيح ما يأتي:
1- يقول جميل السيد: "عبارة شهود الزور وردت مرات عديدة في تقريري ميليس الأوّل والثاني (لم ترد عبارة "شهود الزور" وإنما "شهود" والفرق بينهما كبير)، ثمّ وردت في تقرير برامرتس التقييمي في 8 كانون الأول 2006، والذي سلّمه للقضاء اللبناني ممثّلاً بسعيد ميرزا، الذي قال (لبراميرتس): إنّ الاعتبارات السياسية للدولة اللبنانية تمنع الإفراج عن الضبّاط الأربعة، فأجابه برامرتس: نحن في اللجنة ليست لنا مثل هذه الاعتبارات"-انتهى كلامه-. هذه الواقعة المكرورة (رفض ميرزا الإفراج عن السيد نتيجة المعطيات السياسية رغم طلب براميرتس منه ذلك)، كان قد رد عليها وزير العدل السابق شارل رزق لصحيفة النهار بتاريخ 12-3-2010 بالقول: "لقد أوصى المحقق الدولي ديتليف ميليس بتوقيفهم... ميليس ذهب وعُيّن مكانه براميرتس، فسأله وزير العدل اللبناني (أي رزق نفسه) تكراراً عما إذا كان لا يزال متمسكاً بتوصية توقيف الضباط الأربعة، فأجاب المحقق الدولي أمام القضاة اللبنانيين بأنه يتمسك بتوصية سلفه". ويؤكد رزق أنه كان يعيد طرح السؤال على برامرتس كل شهرين وكان يحصل على الجواب نفسه باستمرار التوقيف... ثم ذهب برامرتس وعين مكانه بلمار، فأعاد الوزير رزق طرح السؤال عليه عما إذا كان لا يزال متمسكاً بتوصية توقيف الضباط الأربعة، فكان جوابه نعم! (أكد على هذه الوقائع باتصال "اللواء" به أمس).
2- يزعم جميل السيد أن "براميرتس أبدى رغبته في عدم البقاء في رئاسة لجنة التحقيق في نهاية العام 2007، وعندما وصل سلفه بلمار ليستلم مكانه... اتصل برامرتس بالمحامي أكرم عازوري (محامي جميل السيد) وجمعه بالقاضي بلمار، وقال: له أريد أن أبرئ ذمّتي ففي رأسي عبء توقيف جميل السيّد وقرّرت أن أجمعك ببلمار، فأخبر عازوري بلمار بتفاصيل القضية كلّها منذ محاولة ميليس توريط السيد إلى قول ميرزا بيدعسني سعد الحريري (يعني إذا أطلق سراحه)، وعندما انتهى اللقاء، قال براميرتس للمحامي عازوري إن بلمار تأثر. سلّملي على الجنرال، وقل له إن مهمتي ليست إصلاح القضاء عندكم، ولم تكن لديّ الشجاعة الكافية لأن أفعل له أكثر من ذلك وربما تكون لدى بلمار شجاعة أكثر مني"-انتهى كلامه-. والسؤال –بغض النظر عن الغرابة الظاهرة لهذه الرواية التي تشبه حكايات ألف ليلة وليلة- لماذا لم يطلق بلمار الضباط الأربعة فوراً طالما أنه "تأثر"؟، لماذا انتظر قيام المحكمة التي ألزمته بمدة توقيف محددة؟، وكيف تستقيم هذه الرواية مع نفي بلمار الواضح مؤخراً وجود شهود زور، أو أنه سبق له أن استخدم هذا التعبير، بل نفيه صفة الشاهد أو المتهم عن زهير الصديق وهسام هسام؟!.
3- في إطار تشكيكه بـ "شعبة المعلومات" زعم السيد أن العميد وسام الحسن "أحضر شاهد زور" هو أحمد مرعي ولقّنه ما يقول، وأن السيد طلب من لجنة التحقيق الدولية إخضاع مرعي لآلة كشف الكذب فرسب، "ثمّ جاءني الردّ من لجنة التحقيق بأنّه لا داعي لرؤية الشاهد مرعي"-انتهى كلامه-. والصحيح في هذا الموضوع –كما هو معلوم للجميع- أن السيد رفض مرات عدة (خمس أو ست مرات) مقابلة أحمد مرعي، حيث كان في كل مرة يتذرع بأمر ما؛ فمرات كان يتذرع بأنه يرفض اقتياده مكبّل اليدين -كما ينص القانون- إلى قلم التحقيق، مهدداً بإيذاء نفسه، وفي مرات أخرى كان يتذرع بظروف صحية (إسهال معوي)، ومرات بغياب وكيله المحامي عازوري. وهذه وقائع منشورة في الصحف في حينه.
4- قال جميل السيد أيضاً: إن "شعبة" المعلومات "لم تلق القبض على أية شبكة تجسّس إسرائيلية، بل حصل ذلك بعد الإفراج عن الضباط الأربعة فأين كانوا قبل ذلك؟... لقد صاروا بحاجة إلى براءة ذمة فتمّ توقيف شبكات التجسس للقول إنهم يقاومون إسرائيل من خلال توقيف شبكاتها" -انتهى كلامه-. والمعلوم أن الإفراج عن الضباط الأربعة جرى في 29-4-2009، وأنه في 11-4-2009 أوقف أديب العلم وزوجته، بعد رصد طويل، أي قبل الإفراج عن السيد (والعلَم هو الصيد الأهم في مجال التجسس، باعتبار أن توقيفه أدى على توقيف عملاء آخرين استناداً إلى أرقام خطوط الهواتف التي أعطاها هذا العميل لمشغليه الإسرائيليين). كما أن الفضيحة التي أغفلها جميل السيد في هذا المجال؛ هي أن أديب العلم كان ضابطاً بإمرته، وأن معظم العملاء الذين أوقفوا مؤخراً، بدؤوا عمالتهم في الزمن الذي كان يمسك فيه جميل السيد بأمن البلاد، دون أن يوقَف أحدٌ منهم!.
هذه بعضٌ من الوقائع التي رواها السيد خلافاً للحقيقة، أما فيما يتعلق بمجموعة من الوقائع الأخرى، التي ادعى السيد صحتها، فليس ثمة في سيرة جميل السيد ما يدعو لتصديقها، خصوصاً أن لا دليل عليها.