زادت من التساؤلات حول جرائم الاغتيال و"المنار" تؤازر بـ "شاهد زور"!:
معطيات نصر الله الاتهامية والملاحظات حولها!
فادي شامية
في التاسع من آب الماضي تسمّر أكثر اللبنانيين على الشاشات ليسمعوا كلام السيد حسن نصر الله في إطلالته الرابعة المتعلقة بالمحكمة الدولية.
إطلالة نصر الله الرابعة
مؤيدو "السيد" انتظروه –كالعادة-، وغير مؤيديه أيضاً. كان الجميع في لبنان – كما كثيرون خارج لبنان- يريدون أن يسمعوا ما لدى أمين عام "حزب الله"، من "قرائن وأدلة"، تتهم "إسرائيل" (عدو لبنان) باغتيال الحريري (شهيد لبنان).
وما زاد من التشويق؛ ذلك التمهيد الكبير، في الإعلام المؤيد لـ "حزب الله"، لدرجة أن الزميلة السفير ذكرت أن مطلعين على مؤتمر نصر الله أكدوا أنه "سيردّ على كل الأسئلة التي يثيرها خصومه"، أما الزميلة الأخبار -وبعد أيام من التمهيد ونشر الملفات المصاحبة لـ"الحدث الكبير"-فكتبت في صفحتها الأولى، أنه في "الثامنة والنصف مساء اليوم، يعقد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مؤتمراً صحافياً، وصف بأنه الأهم في تاريخ إطلالات نصر الله الإعلامية. وهو سيتناول مواد ومعلومات ومؤشرات تبرّر إعلان نصر الله قبل أيام اتهامه إسرائيل بالوقوف خلف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري".
أما زوار نصر الله قبل المؤتمر، فأكّد كل منهم على طريقته، أن نصر الله سيقدّم ما من شأنه قلب الأمور في لبنان، وإحدى الصحف ذكرت أن الرئيس بري اطلع على هذه الأدلة بصفته محامياً وأبدى إعجابه بها، كما أن الشيخ نعيم قاسم أدخل عنصراً تشويقياً آخر عندما قال إن "بعض جماعة 14 آذار بدؤوا بنقاش مضمون المؤتمر الصحافي ومحاولة تفنيد الآراء والوصول إلى استنتاجات وهو لم يتكلم بعد، ما يبيِن كم أن هؤلاء خائفون من مضمون المؤتمر الصحافي"! (غير مفهوم مبرر الخوف هنا، ذلك أن ثبوت الجريمة على "إسرائيل"، يريح الجميع لأنها عدو، اللهم إلا من باب تخوين الشيخ قاسم المبطن لـ "بعض جماعة 14 آذار").
"محظوظ" السيد نصر الله، كم هو مخدوم إعلامياً، ذلك أن عملية "رفع مستوى" معطياته استمر، لما بعد مؤتمره الصحفي، -الذي بدا غير متناسب مع "الشغل" الإعلامي الكبير الذي سبقه- حتى أن رئيس دولة كبرى؛ هي إيران، وصف ما أدلى به نصر الله بـ"الوثائق الدامغة جداً"، مع أن نصر الله نفسه لم يقل ذلك!.
على كل حال، فقد حجز السيد نصر الله لنفسه حيزاً واسعاً لدى الإعلام المحلي والعربي، وعلى مدى أكثر من ساعتين عرض الرجل ما لديه. المؤيدون صار بحوزتهم مادة جديدة لدعم موقفهم (وهم أصلاً لم يكونوا بحاجة إلى دليل على ما يدلي به نصر الله)، أما الآخرون –وهم الهدف الأساس من المؤتمر الصحفي- فقد ازداد شكهم بوجود أدلة صلبة لاتهام "إسرائيل"، ليس لأن أحداً منهم يريد أو يرغب بتبرئتها من صفة الإجرام اللصيقة بها، وإنما لأن وجود كيان معادٍ ومجرم إلى جانب لبنان، لا يعني بالضرورة أنه هو الفاعل الأوحد في مجال الإجرام... وإلا فما الحاجة للتحقيق، والدليل، والاتهام، في أي جريمة تقع في لبنان إذاً؟!
التدقيق بالمعطيات
بالانتقال إلى التدقيق بالمعطيات التي قدّمها نصر الله كـ "قرائن" على تورّط "إسرائيل" باغتيال الحريري وباقي الشهداء (على اعتبار أن بيانات لجان التحقيق الدولي كلها أثبتت ترابطاً بين الجريمة وعدد كبير من جرائم الاغتيال السياسي التي تلتها)، فإن النتيجة لا تبدو لصالح نصر الله، فالملاحظات الجدية التي أثيرت حول هذه المعطيات كبيرة ولافتة، ولو أن ذلك لا يعني إهمال معطياته، بل وجوب التدقيق بها من قبل فريق القاضي دانيال بلمار، وهو ما فعله الأخير بالضبط، بناءً على اتفاق قيام المحكمة، ونظامها، ومذكرة التفاهم المتعلقة بها.
ولننتقل الآن إلى سرد أبرز الملاحظات على معطيات نصر الله (بعض هذه الملاحظات أدلى بها سياسيون وإعلاميون):
الفرضية الإسرائيلية:
غير خافٍ أن أحد أركان اتهام المحكمة بالتسييس (أي الانحياز عن إحقاق الحق) يقوم على غياب فرضية أن "إسرائيل" هي من اغتال الرئيس رفيق الحريري، ذلك أن المنطق يقول إن كل من يملك المصلحة والقدرة يمكن أن يكون متهماً مفترضاً لدى المحققين، و"إسرائيل" لديها مصلحة بإزاحة الحريري ولها القدرة على ذلك (وهذا ينطبق على جهات أخرى أيضاً)، وبما أن لجان التحقيق أهملت "الفرضية الإسرائيلية" فهذا يعني سقوط التحقيق.
والحق، أن لا غضاضة في هذا المنطق، شرط أن يثبت بالدليل أن لجان التحقيق أسقطت فعلاً "الفرضية الإسرائيلية"، فكيف والحال أن المحقق الأول –وهو بالمناسبة أكثر من تعرض للتشكيك- كان قد كشف أنه حقق في هذه الفرضية، بل طلب من الوزيرة السورية بثينة شعبان أن تودعه ما لدى سوريا من معطيات عن تورط "إسرائيل" بالجريمة. يقول ديتليف ميليس في 5/7/2009 إن لجنة التحقيق التي كان يرأسها "استهدفت كل المسارات" وأنه حين كان في بيروت، قرأ مقابلة في إحدى الصحف للوزيرة السورية بثينة شعبان تشير فيها إلى أنها تملك معلومات عن إقدام "إسرائيل" على اغتيال الحريري، فسارع إلى "توجيه طلب معونة قضائية من السلطات السورية تقضي بالسماح للجنة التحقيق بالاستماع إلى إفادة شعبان لإيداع اللجنة المعلومات التي تملكها عن ضلوع إسرائيل بالجريمة، حتى يجري التحقيق فيها، إلا أن السلطات السورية لم تقدّم له جواباً عن الطلب الذي وجهه إليها".
هذا عن ميليس، فماذا عن خلفه براميرتس؟ (الذي أطرى السوريون على موضوعيته وحرفيته في أكثر من تصريح- وزير الإعلام محسن بلال وسفير سوريا لدى الأمم المتحدة فيصل المقداد... على سبيل المثال لا الحصر). يقول براميرتس في تقريره الرابع، الصادر في كانون أول 2006، "إنّ اللجنة تواصل عملها على سيناريوهات عدّة، في فحصها لدوافع اغتيال الحريري"، وفي إشارة إلى ما كان قد "اكتشفه" الرئيس السابق إميل لحود، من أن الحُفر التي سببتها الصواريخ الإسرائيلية في حرب تموز تشبه حفرة مكان اغتيال الحريري، فقد ذكر براميرتس أن لجنته حققت في احتمال أن يكون الاغتيال قد تم من الجو بواسطة صاروخ.
وماذا عن المحقق الثالث دانيال بلمار؟ لعل أهم مؤشر على اهتمام الأخير بكل الفرضيات (رغم ترجيح أن يكون الرجل قد انتهى بنسبة تزيد عن 90% من التحقيقات) هو طلبه من المدعي العام التمييزي في لبنان إيداعه المعطيات التي أدلى بها نصر الله للتدقيق بها. فضلاً عن أن صحيفة اللواء كانت قد علمت قبل المؤتمر الصحفي للسيد نصر الله الأخير، أن "ثلاثة خبراء في الاتصالات منتدبين من مكتب بلمار، توجهوا إلى بيروت للاطلاع على آخر المستجدات المتعلقة بالعملاء الموقوفين ممن يعمل في قطاع الاتصالات بشقيه الثابت والخلوي، وللتثبت مما تردد عن إمكان تلاعب هؤلاء، أو أحدهم، بالمعلومات والاتصالات الهاتفية المرتبطة بالتحقيق في ملف اغتيال الحريري (علماً أنه لو كان بالإمكان التلاعب بـ"الداتا" على نحو ما أثير، لكان الأولى بهؤلاء التلاعب بها لصالح حماية أنفسهم من الاكتشاف، باعتبار أن توقيفهم استند إلى "داتا" الاتصالات نفسها).
وما هو أهم الآن من "إبراز" عمل لجان التحقيق المختلفة على مسارات متعددة، هو التوقف أمام موقف "حزب الله" من تسليم المعطيات التي عرضها - والتي قال إنه يحتفظ بها- إلى القضاء اللبناني ومنه إلى بلمار، لأن عدم القيام بذلك يعني أن إثارة موضوع "الفرضية الإسرائيلية" غير جدي، وهدفه التشكيك بالمحكمة ليس إلا!.
معطيات نصر الله
عملاء "إسرائيل" كـ"قرينة"
من القرائن التي استند إليها السيد حسن نصر الله لاتهامه "إسرائيل" باغتيال الحريري اكتشاف عدد كبير من عملائها في لبنان، وأن أحد هؤلاء عمل على توتير العلاقة بين "حزب الله" والرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأن عميلاً آخر تواجد في محيط مكان الجريمة عشية تنفيذها (لم يقدم نصر الله دليله على هذه النقطة الأخيرة).
وإذا كان من الأكيد أن لـ "إسرائيل" مصلحة كبرى في توتير علاقة الحريري الأب –كما علاقة الرئيس سعد الحريري- بـ "حزب الله"، إلا أن القرائن التي اعتمد عليها نصر الله فيما يتعلق بالعملاء غير كافية، بل تصلح دليلاً عكسياً، ذلك أن اكتشاف نحو 150 عميلاً لـ "إسرائيل" في العامين الأخيرين (وهو إنجاز كبير جداً وغير مسبوق للأجهزة الأمنية اللبنانية) وهم من كافة "الرتب"، و"الاختصاصات"، لم يشر إلى تورط أحدهم، أو معرفته، أو إسهامه بأي عمل استطلاعي أو تنفيذي يتعلق بجريمة اغتيال الحريري أو الجرائم التالية!. هل يعقل أن "إسرائيل" نفذت جرائم اغتيال الحريري وشخصيات 14 آذار كلها، دون استعانة بأي من هؤلاء العملاء، ودون معرفة أي منهم أي شيء؟
"اعترافات" أحمد نصر الله
فيما يتعلق بأحمد نصر الله (لا يمت بصلة قرابة إلى السيد حسن نصر الله كما ذكر الأخير في مؤتمره الصحفي) فإن إفادته التي عُرضت خلال المؤتمر الصحفي تثير تساؤلات أكثر من كونها تجيب عن تساؤلات... فأحمد نصر الله قال في إفادته إنه "أعطى لفريق الحريري معلومات وهمية بأن حزب الله سيضع له متفجرة". ويعقّب السيد نصر الله بالقول: "سلمت الشريط إلى (اللواء غازي) كنعان... وقد سجن (أحمد نصر الله) ثم أخرج بعد فترة لأسباب لا أعرفها وغادر إلى إسرائيل وما زال هناك".
اللافت أن أحمد نصر الله قُدّم على أنه عميل إسرائيلي، وهذا الأمر لم يثبت، وما ثبت فقط أنه محتال ابتز الرئيس الحريري وأخذ منه آلاف الدولارات جراء معلومات كاذبة، وهذا ما كشفته تحقيقات "حزب الله" (من أوقف نصر الله هو "حزب الله" نفسه، وهو من حقق معه وسلم شريط التحقيق إلى المخابرات السورية!)، وعندما تسلّمت المخابرات السورية -لا الأجهزة الأمنية اللبنانية!- أحمد نصر الله، حققت معه هذه الأخيرة أيضاً سبعة أشهر، فلم يتبين أنه عميل إسرائيلي، وبعد ذلك سلّمته إلى القضاء العسكري اللبناني فحاكمه الأخير بتهمة الاحتيال، وبرأه من تهمة العمالة "لعدم كفاية الدليل"، ثم خرج الرجل وغادر لبنان، ويرجح وجوده اليوم في كندا.
هذه هي قصة المحتال أحمد نصر الله، التي لم يطلعنا عليها كاملة السيد نصر الله (ربما لأن فيها عناصر محرجة لجهة تغييب دور الأجهزة الأمنية اللبنانية عن التحقيق والتوقيف والمتابعة، إضافة إلى تفاصيل أخرى أكثر إحراجاً تتعلق بمحاولة تفخيخ سيارة...). كما أنه ليس ثمة إشارة إيجابية في قول السيد نصر الله: "أُُخرج بعد فترة لأسباب لا أعرفها وغادر إلى إسرائيل وما زال هناك"، حتى أن السامع ليظن أن خصوم نصر الله السياسيين أخرجوه، علماً أن الاحتيال والتوقيف، ثم إطلاق السراح، جرى في العامين 1993-1994، أي قبل أن تولد حركة 14 آذار بأكثر من عشر سنوات!، فضلاً عن أن سبب الإفراج معروف لدى السيد نصر الله وهو: "عدم كفاية الدليل"!.
ثمة ملاحظة أخرى جديرة بالاهتمام، فقد قال أحمد نصر الله في إفادته المصورة إنه لا يوجد شخص في "حزب الله" اسمه محمد عفيف، وإن هذا الاسم اخترعه هو للتضليل، في حين إنه يمكن الرجوع أرشيف الصحف كلها، بتاريخ 27/8/2004، وقراءة الخبر الآتي: "قرر حزب الله تعيين الحاج محمد عفيف مسؤولاً لوحدة العلاقات الإعلامية، خلفاً للشيخ حسن عز الدين، الذي عُيّن مسؤولاً سياسياً لمنطقة الجنوب"!.
فرار العميل غسان الجد
غسان الجد ضابط كبير في الجيش اللبناني (هذه المعلومة لم يوردها نصر الله في مؤتمره الصحفي وتركها للتسريبات الإعلامية اللاحقة). يقول السيد نصر الله: "القرينة الأخيرة أن عميلاً إسرائيلياً يدعى غسان الجد، وهو عميل تنفيذي، كان موجوداً في منطقة العملية في السان جورج في 13 شباط 2005، وهذا العميل فر من لبنان قبل أن تقوم الأجهزة اللبنانية باعتقاله".
التسريبات اللاحقة أفادت بأن "حزب الله" سلّم ملفاً عنه إلى "شعبة" المعلومات في العام 2006 وأن الأخيرة "لم تجد ما يثير الريبة"، وأن مخابرات الجيش حاولت توقيفه، لكنه سبقها بالفرار. إلى هنا نحن نتحدث عن حالة عميل مفترض (بغض النظر عن التفاصيل)، فأين الرابط الذي يربطه بجريمة اغتيال الحريري؟ الجواب أنه كان موجوداً ليلة الاغتيال في مسرح الجريمة، الأمر الذي يدعو إلى الاهتمام فعلاً بهذا المعطى. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يمتنع السيد نصر الله عن تقديم دليله على ذلك –أي على تواجد الجد في السان جورج ليلة الاغتيال-؟ مع أن نصر الله قدّم معلومات أكثر حساسية، عندما كشف سر عملية أنصارية ضد العدو الإسرائيلي، ليستعملها مدخلاً للاعتماد على قرينة "الصور الجوية".
ومع أن التواجد بحد ذاته ليس دليلاً (أحد الضباط الأربعة كان هناك ليلة الاغتيال ولم يُعتبر الأمر دليلاً ضده)، ولكنه قرينة مهمة، فكيف لـ "حزب الله" أن يترك هذه القرينة بحوزته إلى الآن؟ ألم يكن من الأفضل تقديمها مسبقاً، -بما أن نصر الله يقول إنها صحيحة-؟ والسؤال المبني على السؤال السابق: هل سيقدّم نصر الله ملف الجد إلى بلمار عبر القضاء اللبناني أم سيكتفي بما أورده في المؤتمر الصحفي؟! (إذ لا قيمة ثبوتية لما أورده نصر الله دون تقديم الدليل القاطع على تواجد غسان الجد في مكان الانفجار)، وتالياً هل يصح أمام جريمة معينة، -قانوناً وشرعاً إسلامياً- الإمساك عن تقديم دليل موجود –وفق قول من كشف عنه- وبما يخدم العدالة؟ الأمر ليس تقديرياً بل هو واجب، أقله وفق القانون!.
الصور الجوية
خلال مؤتمره الصحفي عرض نصر الله لمجموعة من الصور الجوية التي صورتها طائرات التجسس الإسرائيلية، والتي نجح "حزب الله" بالتقاطها، وبما أن الكم الكبير من الصور الموجود لدى "حزب الله"-وفق ما ذكر السيد نصر الله- تضمن تصويراً لطرقات كان يسلكها الرئيس الحريري، فقد اعتبر نصر الله أن هذه الصور تشكل قرينة على استطلاع إسرائيلي سابق لعملية اغتيال الحريري (كما حدث قبل عملية انصارية الفاشلة).
وإذا كان هذا المعطى لا ينهض لوحده لأجل أن يكون دليلاً، إلا أنه لا ينبغي الاستهانة به أيضاً، ولو أن ثمة ملاحظات بالغة الأهمية تضعفه:
1- ظهرت الصور التي يقول "حزب الله" إنه اعترضها من "الإسرائيليين" بلا تاريخ، وهذه الملاحظة هامة جداً في مجال التحقيق، خصوصاً أن التدقيق في الصور يشير إلى أن معظمها يسبق بسنوات عملية الاغتيال؛ فصور منطقة السان جورج مأخوذة من العام 1997 أو 1998، وكذلك الصور المأخوذة لطريق منطقة فقرا... فيما بدا بشكل قاطع أن الصور من صيدا مأخوذة قبل العام 2000 بدليل وجود "الدوارات" بدلاً من إشارات المرور....فهل يرصد عاقل مكاناً قبل أعوام على تنفيذه الجريمة، خصوصاً أن معالم المكان وطرقاته تغيّرت؟
2- لم تتضمن الصور أي مشهد لـ"الهدف" من العملية؛ أي موكب الرئيس الحريري، لا في السان جورج ولا في أي منطقة أخرى!.
3- لم تتضمن الصور منزل الحريري في فقرا، بل أوردت مشهداً عاماً للجبل المغطى ببياض الثلج!.
4- لم تتضمن الصور أي مشهد لمكان وقوع الجريمة بعد وقوعها، علماً أن التشفير التام للصور -كما أوردت صحيفة السفير نقلاً عن يديعوت أحرونوت- بدأ في العام 2006، أي أن إمكانية حصول "حزب الله" على الصور الجوية استمر عاماً -على الأقل- بعد حصول جريمة اغتيال الحريري.
5- أكثر من ذلك، ففي إحدى الصور الجوية يظهر دولاب طائرة، فيما كاميرات طائرات التجسس الإسرائيلية كلها، وعلى الأخص الإسرائيلية، موجودة أمام عجلتها بحيث يستحيل ظهور الدولاب. ويجزم الزميل محمد سلام –وهو مراسل حربي سابق- في مقال له في موقع NOWLEBANON قبل أيام، بأن بحثه "في موسوعة غينز الدفاعية المتخصصة، عن النماذج الثلاث لطائرات التجسس الإسرائيلية من دون طيار؛ هيرون، شوفال، وإيتان، يبين... أن العجلة لا تظهر في أي مشهد، كما أن عجلاتها لا تشبه العجلة التي ظهرت"!.
أما ما أورده السيد نصر الله من أن طيراناً حربياً معادياً رُصد فوق لبنان يوم تنفيذ الجريمة، فأمر لا يمكن نفيه، لكنه بات –للأسف الشديد- أمراً اعتيادياً، حتى أن البيانات الرسمية اللبنانية تشير إلى آلاف الخروقات الجوية المعادية، وبشكل شبه يومي.
الشهود الزور
لم ينس السيد نصر الله في مؤتمره الصحفي الأخير الإضاءة مجدداً على ما يسميه "شهود الزور"، ومطالبته بالتحقيق معهم، كشرط لأي تعاون مع المحكمة الدولية. ومع أنه لا وجود بالمعنى القانوني لـ "شهود الزور" ما لم يصدر القرار الاتهامي، أي قبل أن تتضح الحقيقة، ليُعرف بعدها الشاهد الصادق من الشاهد الكاذب والمزور والمضلل، ويُعرف على أيٍ من هؤلاء بنت المحكمة حكمها (إضافة إلى الأدلة المادية الأخرى)، فإن أكثر ما لفت في هذا المجال اعتماد قناة المنار التابعة لـ "حزب الله" على "شاهد زور" لتدعيم كلام السيد نصر الله، ما شكّل مفاجأة (غلطة) تنسف كل الدعاية السياسية المرتكزة على هذا الموضوع.
ففي مساء يوم الجمعة الماضي (13/8/2010) أطل هسام هسام على المنار (وهو شاهد في جريمة اغتيال الحريري، انتقل من لبنان إلى سوريا بعد إدلائه بشهادته، ثم ظهر على التلفزيون الرسمي السوري ليعترف على نفسه بأنه أدلى بشهادة غير صحيحة).
قال هسام إن معطيات السيد نصر الله صحيحة، وإن "إسرائيل" اغتالت الحريري، وإنه –أي هسام- رأى العميل غسان الجد في موقع يبعد 400 متراً من مكان الانفجار وقت حصوله!، وإنه سيكشف في اليومين المقبلين، وفي مؤتمر صحفي!، أموراً أخرى تتعلق بالمحكمة وبالتحقيق الدولي"!... يا لهول المفاجأة، نصر الله يطالب بتوقيف "شهود الزور" فيما قناة المنار تستضيف أحدهم ليعلن من على شاشتها، بأنه طليق في سوريا، وبأنه سيقيم مؤتمراً صحفياً!.
ولأن كلام هسام فضيحة تنسف "دعاية شهود الزور" من أساسها، فقد صرّح محاميه عمران الزعبي لصحيفة الشرق الأوسط في اليوم التالي (التصريح منشور يوم الأحد بتاريخ 15/8/2010) بأن موكله "قام بمداخلة على قناة المنار بمبادرة شخصية منه" وأنه "لم يتقرر عقد مؤتمر صحافي"!.
ماذا يعني ما سبق كله؟! هل يعني إهمال كلام السيد نصر الله؟ طبعاً لا، فإن كل ملاحظة –بغض النظر عن المعطى التشكيكي بالمحكمة من قِبَل مطلقها- ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار حتى يكون التحقيق الدولي، وتالياً المحكمة الدولية، وفق أرقى درجات المهنية والعدالة... لكن ألم يكن الأجدى إعفاء اللبنانيين من "وجعة الرأس" هذه، فيعلن نصر الله قبوله بالقرار الاتهامي، أياً كان، شريطة أن يكون مبنياً على أدلة متينة لا يرقى إليها الشك... وعند ذلك إما ينجح بلمار -وأمام الدليل القاطع لا مجال لا أهمية للدعاية السياسية- وإما يفشل، فيقول له اللبنانيون جميعاً: شكراً اتهامك مرفوض... وعند ذلك نحفظ وحدتنا الآن وفي المستقبل... ودائماً!.