كيف أوقع بعبد الرحمن عوض؟ وماذا يعني مقتله؟
فادي شامية- الثلاثاء,17 آب 2010 الموافق 7 رمضان 1431 هـ
لم يكن خافياً على الأجهزة الأمنية اللبنانية وجود عبد الرحمن عوض في مخيم عين الحلوة. ثمة أكثر من جهاز أمني لبناني كان يراقب تحركاته، فضلاً عن أن جهة أمنية فلسطينية مؤثرة في المخيم، كانت تتعاون بشكل كبير مع مخابرات الجيش اللبناني، عبر تزويدها بتحركات عوض وجماعته. (في 14 تموز الماضي وصلت معلومات إلى اللواء تؤكد وجود عبد الرحمن عوض في مخيم عين الحلوة، وأنه يتحرك متخذاً أقصى درجات الحيطة والحذر، وأنه يبحث في إمكانية مغادرته المخيم...، ولم تنشر اللواء هذه المعلومات في حينها، تقديراً منها للمصلحة).
كيف أوقع بعوض؟
منذ مدة ليست طويلة علمت مديرة المخابرات في الجيش اللبناني بأن عبد الرحمن عوض يخطط لمغادرة مخيم عين الحلوة. متابعة الرجل داخل المخيم أكدت بما لا يترك مجالاً للشك نيته المغادرة، وهو أصلاً نجح في هذه العملية عام 2003، حيث غادر عين الحلوة حليقاً إلى الحدود اللبنانية السورية، ومنها إلى العراق، حيث قابل يومها أبو مصعب الزرقاوي.
لم يكن عوض بحاجة إلى مساعدة في عملية تخطيه إجراءات الجيش اللبناني حول المخيم، فقد كان واثقاً من قدرته على اختراقها، تحت جنح الظلام، ومن دون المرور على الحواجز المثبتة على المداخل والمخارج المعروفة للمخيم. كان همه فقط تأمين العبور إلى سوريا ومنها إلى العراق، لذا فقد تواصل عوض مع أحد الأشخاص مفترضاً الثقة به، طالباً منه تأمين عبوره الحدود، على أن يدّبر عوض أمره، من عين الحلوة إلى شتورة، وقد قضت الخطة بأن ينتظره المهرّب المفترض في ساحة شتورة، قرب مبنى الجمارك، واضعاً بتصرفه سيارة؛ حدد له مواصفاتها.
السيارة التي كان من المفترض أن تقل عوض من شتورة إلى الحدود، لم تكن إلا سيارة، تحمل لوحتها الرقم 117264 ز، مرسيدس طراز 230 خضراء اللون. وما لم يكن يعرفه عوض أن رجال المخابرات كانوا ينتظرونه في محيط بقعة المكمن بلباس مدني، وما إن تأكدوا من وصوله ومرافقه، حتى تقدموا منه بغرض توقيفه، لكنه سرعان ما أدرك وقوعه في مكمن، فبادر بإطلاق النار –وكذلك فعل مرافقه- الأمر الذي أجبر الوحدة الموكلة بتنفيذ المهمة على لإطلاق النار على الرجُلين، وقد أدى ذلك إلى مقتلهما. وعلى رغم أن مخابرات الجيش كانت تعلم أنها تنتظر المطلوب رقم واحد، -منذ أن آل إليه أمر تنظيم "فتح-الإسلام"-، إلا أنها كانت بحاجة للتأكد من هويته وممن معه، عبر فحص الحمض النووي، والتعرف عليه من أحد أقاربه، وهو ما حصل بالفعل.
وكان تردد عقب الاشتباك الذي جرى في شتورة، وجود شخص ثالث تمكن من الفرار، لكن هذه المعلومة لم تتأكد، ولم يأت بيان مديرية التوجيه في الجيش على ذكرها، فيما أفادت مصادر من داخل مخيم عين الحلوة أن الشخص الثالث الذي تردد أنه محمد الدوخي (خردق) شوهد في مخيم عين الحلوة.
ما أهمية عوض؟ وكيف أصبح أميراً لـ "فتح- الإسلام"؟
عندما تمكّن شاكر العبسي من مغادرة مخيم نهر البارد عشية سقوطه في العام 2007، استقر لمدة في مخيم البداوي، ومن هناك كان يتواصل مع عوض، الذي جند بدوره عبد الغني جوهر (أصبح المطلوب رقم واحد الآن)، والأخير كان عازماً على استهداف الجيش انتقاماً –وقد فعل ذلك في ثلاث عمليات متتابعة في التل والبحصاص والعبدة- (كما كان عازماً بالقدر نفسه على اغتيال مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي).
وبعد فترة من المكوث في البداوي قرر العبسي الانتقال إلى سوريا، تاركاً الإمارة لتؤول إلى عبد الرحمن عوض، وذلك وفق إفادة الموقوفين: خالد الجبر، ومحمد خضر، وخالد سيف، ونادر العلي، وعلي الأحمد، وعبد الحميد ومحمد ومحمود سيف، (قدموا مأوى وطعام لعناصر من "فتح- الإسلام")، وقد تم ذلك بالفعل عبر شخص اسمه مصطفى دندل، قام بتهريبه مع عناصره إلى سوريا لقاء 500 دولار عن كل شخص.
عوض ومن خلال تعاونه الوثيق مع عبد الغني جوهر، يعتبر مسؤولاً عن ثلاث عمليات تفجير إجرامية طالت الجيش اللبناني؛ تفجير العبدة بتاريخ 31/5/2008، وتفجير شارع المصارف في طرابلس بتاريخ 13/8/2008، وتفجير البحصاص بتاريخ 29/9/2008. كما أنه مسؤول عن استهداف اليونيفيل. كما تردد اسمه في عدد من عمليات الاغتيال التي جرت في لبنان، من خلال إفادات أحد الموقوفين (السمكو)، لكن الأمر لم يتأكد (ذكر أحد الموقوفين في السابق أن عبد الغني جوهر وعبد الرحمن عوض مسؤولان عن اغتيال الوزير بيار الجميل، لكن الفحوص المخبرية التي أجريت في الخارج على المضبوطات –البندقية ومرآة السيارة التي اصطدمت بها سيارة منفذي الهجوم، لم تؤكد ذلك).
ماذا يعني مقتل عوض؟
لم يكن عوض حملاً خفيفاً على مخيم عين الحلوة، ولم تكن العمليات التي ارتبط اسمه بها شيئاً بسيطاً يمكن لأي جهاز أمني لبناني أن يؤجل "تصفية الحساب" المتعلق بها إلى وقت آخر، بل إن القوى الإسلامية نفسها لم تكن قادرة على تحمل وجود عوض في عين الحلوة؛ ففضلاً عن ارتباطه بأكثر من عملية هزت الأمن الوطني... والدولي (اليونيفيل)، فإن عوض لم يتردد في محاولة جره مخيم عين الحلوة إلى مصير يشبه مخيم نهر البارد، عندما قرر إبان المعارك في نهر البارد فتح جبهة جديدة، تشتت جهد الجيش اللبناني، لولا الحكمة والتعقل الذي تميز به الجيش والفعاليات اللبنانية والفلسطينية في صيدا ومخيم عين الحلوة وقتها... لأجل ذلك كله فقد ترك التخلص من العبء الذي يمثله عوض ارتياحاً عاماً في المخيم وخارجه.
ما يلفت أكثر أن مقتل عوض لم يسبب أي توتر أمني، لا داخل المخيم ولا على نقاط التفتيش التابعة للجيش على مداخله، وهذا يؤكد أمرين:
1- أن الرضا عن التخلص من عبء عوض يشمل القوى الإسلامية وعمودها الفقري "عصبة الأنصار"، التي رفعت الغطاء عن الرجل وجماعته منذ مدة غير قصيرة.
2- وهو يؤكد من جهة أخرى أن التنظيم الذي كان يرأسه عوض لم يعد قادراً على أي تحرك "مشهود"، أو توتير مقصود، وأنه يعاني من صعوبة تقبّل في البيئة التي يتحرك فيها، ومن عجز واضح في القدرة على الإخلال بالأمن.
لكن ذلك، لا يعني أن لا إمكانية نهائياً لقيام من تبقى من "فتح-الإسلام" بعملية ما، ولو أن هذا الأمر -إن حصل-سيكون مؤشر يأس لا دليل استمرار.
بدورها، تقلل مصادر أمنية متابعة من أهمية الكلام الذي تردد مؤخراً عن تنصيب أسامة الشهابي أميراً جديداً للتنظيم، وتسأل: "كم بقي أصلاً من هذا التنظيم ليكون لهم أمير وقيادة؟!". وتضيف هذه المصادر: "لقد كان متوقعاً صعوبة توقيف هذا الرجل حياً، لذا فقد كان من الأفضل فعلاً أن تكون مخابرات الجيش –لا غيرها من الأجهزة الأمنية- هي من يقوم بهذه العملية، حسماً لأي تأويلات مشابهة لما حدث عقب تصفيه شهاب قدور (أبو هريرة) إبان معارك نهر البارد".
لقد طويت صفحة عوض، كما طويت على ما يبدو صفحة "فتح-الإسلام" نهائياً، أما إمكانية تعرض لبنان للإرهاب مجدداً، فأمر يبقى وارداً، خصوصاً إذا ما اختل توازن البلد على نحو ما يتوعد بعض اللبنانيين بعضهم الآخر!.