بين معادلة سليمان ومعادلة نصر الله: أيهما أفضل للبنان؟!
فادي شامية- الجمعة6 آب 2010 الموافق 25 شعبان 1431 هـ
ما زال اللبنانيون منقسمون على "الإستراتيجية الدفاعية"، لكنهم بالوقت عينه مدركون "جميعاً" أن لا سبيل إلى بت هذا الموضوع إلا بالحوار، ولو طال زمانه... وما زال فريق من اللبنانيين غير موافقين على ثالوث: "الجيش، والشعب، والمقاومة" أو على الأقل على الفهم الذي يتبناه البعض، بعيداً عن القيد الموجود في النص نفسه؛ "في كنف الدولة"... لكن "الجميع" مدرك لحجم الأخطار التي يمر بها الوطن، وللواقع الذي يجعل من "المقاومة" كياناً قائماً، ومؤيَّداً بلا تحفظ، من شطر واسع من اللبنانيين.
منذ ما بعد انتهاء حرب تموز 2006، بدأ السيد حسن نصر الله في إطلاق معادلات "ردعية" في مواجهة العدو الإسرائيلي؛ معادلة: (إذا حرّكتم فِرقـَكم لاحتلال لبنان) "سنُدمّر فرقكم ودولتكم الغاصبة"، ومعادلة: "إذا قصفتم بيروت أو الضاحية، سنقصف تل أبيب"، ومعادلة: "سنضرب مطار بن غوريون إذا قصفتم مطار الحريري"، ومعادلة: "إذا ضربتم موانئنا سنضرب موانئكم"، ومعادلة: "إذا ضربتم مصافي النفط عندنا سنقصف مصافي النفط عندكم"... وصولاً إلى المعادلة التي أطلقها نصر الله في خطابه الأخير: "اليد الإسرائيلية التي ستمتد إلى الجيش ستقطعها المقاومة".
والواقع أن المعادلة الأخيرة ذات الصلة بالجيش تحتاج إلى نقاش، لأسباب ثلاثة:
أولاً: لأنها -في الشكل- جعلت الجيش في حماية "المقاومة"، أي أنها جعلت المؤسسة الجامعة والدائمة، في حمى مؤسسة مؤقتة ومختلف عليها أو على أمور جوهرية تتعلق بها.
ثانياً: لأن هذه النظرية تحمل -في المضمون- مخاطر كبيرة على لبنان؛ الدولة والشعب والجيش.
ثالثاً: لأنها تتعارض مع معادلة سبق أن أطلقها رئيس الجمهورية، في الثامن من آذار الماضي، عندما قال: "المقاومة تبدأ عندما يعجز الجيش".
أي المعادلتين أفضل؟!
لنبدأ في المقارنة من معادلة رئيس الجمهورية. يقول الرئيس ميشال سليمان لصحيفة عكاظ السعودية، في معرض شرحه الأرضية التي اتفق عليها المتحاورون في طاولات الحوار السابقة: "الخلاصة المبدئية التي بلغناها، هي أن المقاومة يبدأ تفاعلها:
1- بعد وقوع الاحتلال.
2- أو عند عجز القوى العسكرية الشرعية في القيام بواجبها.
3- أو عند طلب المؤازرة من قبل القوى العسكرية".
وفق هذه المعادلة تكون "المقاومة" في تصرّف الجيش، أي أن "المقاومة" لا تتحرك إلا إذا طلبت السلطة السياسية منها ذلك، لأن الجيش يتبع في نهاية الأمر إلى السلطة السياسية في البلد، وعليه، فإن تقدير الواقع، من قبل فخامة رئيس البلاد ومجلس الوزراء، هو الذي يوجّه الأمور، بما في ذلك طلب دعم "المقاومة"، في حالة ما إذا عجز الجيش أو كان ثمة ضرورات عسكرية توجب المؤازرة. أما في حالة وقوع الاحتلال، أي بعد العجز الكامل للجيش عن الدفاع الأرض، فإن المقاومة تصبح حقاً مشروعاً لكل مواطن، بغض النظر عن قرار السلطة السياسية.
هذه هي المعادلة التي أعلنها رئيس الجمهورية، واصفاً إياها بأنها "الخلاصة المبدئية" لما اتـُفق عليه. وهي المعادلة الفعلية التي تدعم الجيش، وتجعل جميع الداعمين له في تصرفه حقيقةً، كما أنها المعادلة التي تحفظ للسلطة السياسية حقها في القرار وفي إدارة المعركة، وفق ما تقتضيه مصلحة البلاد.
في المعادلة التي أطلقها السيد نصر الله مؤخراً؛ ثمة "احتماء" بمظلة الدفاع عن الجيش، لانتزاع حق التحرك بشكل مستقل، ووفق التقدير التي يراه "حزب الله". يقول السيد نصر الله: "في أي مكان سيُعتدى فيه – أي من الآن وصاعداً- على الجيش، من قبل العدو الصهيوني، ويكون فيه تواجد للمقاومة، أو يد المقاومة تصل إليه، فإن المقاومة لن تقف ساكتة ولا صامتة ولا منضبطة. اليد الإسرائيلية التي ستمتد إلى الجيش اللبناني ستقطعها المقاومة".
ولإدراك نصر الله المسبق، أن المعادلة الجديدة التي يطرحها، سوف تثير تساؤلات حول حدود دور "المقاومة"، قال: "لا أحد يخرج غداً ليقول: السيد يتفرّد أو أن حزب الله يتفرّد بقرار الحرب والسلم، هذا ليس قرار الحرب والسلم". إذاً، نصر الله يعتبر أن الاعتداء على الجيش، يعطيه الحق باتخاذ القرار بالرد، وإذا كان "هناك شباب استطاعوا أن يقفوا ويتفرجوا ويلتزموا بالقرار"، فهذا لن يتكرر، لأن ما جرى –أي عدم تدخّل المقاومة- جعل قيادة المقاومة أمام "علامة استفهام (ووجود) شيء خارج السياق العام لدينا"، كما قال نصر الله.
وعليه، يبدو الفارق واضحاً بين ما طرحه رئيس البلاد كـ "خلاصة إجماعية"، وبين ما طرحه السيد نصر الله كـ"رؤية حزبية"، لأن معادلة نصر الله لا تجعل من "حزب الله" في تصرف الجيش بالمعنى الدقيق لمفهوم التصرف، والأخطر أنها تنزع عن السلطة السياسية حقها في إدارة المعركة، بما أن الاعتداء على الجيش يعني "تلقائياً" امتلاك المقاومة حق التدخّل والرد، وتالياً خوض مواجهة قد تنتهي بحرب، وفق تقدير "المقاومة"، لا الجيش، ولا السلطة التنفيذية.
إذاً، يبدو الفارق، بعد هذا التوضيح، كبيراً. فأي من هاتين المعادلتين أفضل للبنان؟! أن تكون المواجهة مع العدو بين مؤسسة دستورية، مُجمع على شرعيتها وطنياً، ومعترف بها دولياً، أم مع مقاومة يؤيدها كثير من اللبنانيين لا جميعهم، ولا يعترف بوجودها المجتمع الدولي، والأكثرية الساحقة من دول العالم؟!. وإذا كانت هذه المؤسسة غير قادرة على صد عدوان كبير -كما هو واقع الحال اليوم- فأيهما أنجح في إدارة الصراع مع العدو؛ أن يخوض "حزب الله" الحرب، بعد أن يعجز الجيش، أو بعد أن يطلب منه ذلك، بناءً على المعطيات المتوفرة للمواجهة، أم يدخل المواجهة بشكل تلقائي؟!... غير أن الصورة لا تكتمل إلا بعد توضيح المخاطر التي تتضمنها معادلة نصر الله الأخيرة في المضمون.
مخاطر معادلة نصر الله "حماية الجيش"
في الواقع فإن معادلة السيد نصر الله -وإن كانت تنطلق من ضرورة حماية لبنان ومؤسساته وعلى رأسها الجيش- إلا أنها وفق الصيغة التي أعلنها السيد نصر الله تحمل المخاطر الآتية:
1- تنطلق معادلة نصر الله الجديدة من صيغة: "الجيش، والشعب، والمقاومة" للدفاع عن لبنان، لكنها تقدّم الفهم الأكثر تشويهاً لهذه الصيغة- حتى لو اعتبرنا أن كل اللبنانيين موافقون عليها-. للتوضيح سنفترض أن الجيش السوري الشقيق تعرّض لعدوان إسرائيلي –وهذا ما حصل فعلاً قبل مدة عبر غارات معادية استهدفته- فهل تقبل السلطة السياسية في سوريا –أو أية دولة في العالم- بتذرّع مواطنين لديها بالاعتداء على الجيش، للرد عسكرياً على "إسرائيل"؟! وإذا كان الجواب أن سوريا –أو أية دولة في العالم- لا تعترف بمعادلة: "الجيش، والشعب، والمقاومة"، فهل تقبل الدولة في لبنان- وهي التي تعترف بهذه المعادلة- بقيام جماعات لبنانية بالرد على "إسرائيل"، من تلقاء نفسها، جراء اعتداء هذه الأخيرة على الجيش؟! وإذا كان الجواب كلا- وهو ما يجب أن يكون- فلماذا نعطي الشرعية لفريق كي "ينتقم" للجيش، ونعتبر أي فريق آخر إرهابياً إذا قام بفعل المقاومة نفسه؟!. بطبيعة الحال فإن هذه التفرقة لن تكون موجودة فيما لو طلب الجيش نفسه من جهة محددة أن تؤازره، وهذه نقطة جوهرية لحظتها معادلة الرئيس سليمان.
2- إن إعطاء "حزب الله" لنفسه حق التدخل الفوري في حال اعتُدي على الجيش، من شأنه إرباك الجيش نفسه، لا الدفاع عنه، ذلك أن لكل معركة حساباتها وحدودها وخططها، ودخول طرف آخر على خط المواجهة يؤدي إلى الإرباك، وهذا أمر معلوم في الحروب، لدرجة أن "حزب الله" نفسه، ما كان ليرضى أن يدخل أي حزب يرغب بمساندته في حرب تموز بلا تنسيق معه (وهذا ما حصل فعلاً)، فكيف والجيش قوة مكشوفة، أي متواجدة فوق الأرض، ويسهل استهدافها في حال توسعت المواجهة؟! ثم من قال أصلاً إن توسيع المواجهة وإثخان العدو مفيد في كل زمان ومكان؟!.
3- على عكس ما قال السيد نصر الله، فإن تدخّل "حزب الله" التلقائي في حال الاعتداء على الجيش، هو بالضبط التفرّد بقرار السلم والحرب، ولا ينفع هنا الاحتماء بالإجماع على الجيش ووطنيته ودوره، لأن قرار السلم والحرب ليس إلا احتكار الدولة -أي السلطة السياسية- تقدير الموقف، وكيفية إدارة الصراع معه العدو، وتالياً تقدير ما إذا المصلحة الوطنية تقتضي الرد أو الاحتفاظ بحق الرد، وما إذا كانت الحسابات السياسية تقتضي التوسع في المواجهة أم حصرها.. إيقاف النار أو الاستمرار...، وهذا كله وفق مصالح الدولة العليا.
4- أخيراً، من البديهي أن لأي حرب تبعاتها التي يتحملها الجميع، لا الجهة التي قاتلت، سواء كان جيشاً أو مقاومة، ومن الطبيعي أن تكون الدولة هي المسؤولة عن تحمّل تبعات الحرب باسم؛ شعبها، وجيشها، ومؤسساتها، وأحزابها... والمنطقي -والحال هذه- أن تتبع الجيوش للسلطة السياسية –كما هو الحال في كل دول العالم- ومن باب أولى أن يسري ذلك على "المقاومة"، وإذا كان هذا الأمر لم يحسم بالنسبة لـ"حزب الله" بعد، لأكثر من سبب، فإن من حق الدولة على الأقل – وهي التي يشارك فيها الحزب المذكور بقوة- أن تكون في صورة أي توسع للمواجهة باتجاه حرب مدمرة، طالما أنها هي المسؤولة لاحقاً عن الإعمار وبلسمة الجراح والتعويض... فمن ذا الذي يضمن لهذه الدولة المسكينة ألا يستفيق رئيس الجمهورية فيها، أو رئيس الحكومة، وكل الشعب، على خبر اعتداء غادر من العدو الإسرائيلي على الجيش، يرد عليه مقاتلو "حزب الله" – دون إذن الحكومة أو موافقتها- وتندلع مواجهة بلا إعداد أو تقدير؟! وبـ "حسبة" يقدرها فريق، ويتداخل فيها الوطني، بالإقليمي، بالحزبي... ألا يمكن أن يقع هكذا سيناريو مستقبلاً، خصوصاً إذا شعرت "إسرائيل" أنها باتت جاهزة للعدوان؟!
في معادلة نصر الله الجديدة: "الجيش يحمي المقاومة، والمقاومة تحمي الجيش، والشعب يحمي المقاومة والجيش معاً"، وما نسي نصر الله أن يذكره أن الدولة تحمي الجميع، لأنها تظلل الجميع، وتعبّر عن الجميع... وهنا بيت القصيد.