على ضوء القرار الاتهامي الأخير لمتفجرة البحصاص: (1/3)
مؤشرات إضافية على الاستغلال المخابراتي للتطرف الإسلامي
فادي شامية
قبل أيام (07/7/2010) صدر القرار الاتهامي بمتفجرة البحصاص، طالباً الإعدام لـ21 شخصاً (موقوفاً أو فاراً)، من المتورطين في هذه الجريمة، التي استهدفت الجيش اللبناني في طرابلس، وأدت إلى استشهاد أربعة عسكريين، في 29/9/2008، بعد نحو 45 يوماً من جريمة أخرى في منطقة التل؛ استهدفت حافلة للجيش أيضاً.
في قراره الاتهامي، أشار المحقق العدلي القاضي نبيل صاري، إلى وجود ثلاث شبكات إرهابية، "متداخلة ومترابطة مع بعضها البعض، وتنتمي إلى فتح -الإسلام، ولها علاقة بالقاعدة"، وأنها نفذت عدة جرائم كبرى في لبنان، وليس فقط جرائم استهداف الجيش اللبناني.
ويكشف القرار الاتهامي أيضاً عن مسؤولية عبد الغني جوهر عن تفجير عبوة في مركز مخابرات الجيش في العبدة، ودس عبوة على طريق مطار القليعات، لاستهداف العماد جان قهوجي، والتخطيط لاستهداف مراكز أخرى للجيش في طرابلس، ومراقبة مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، بهدف اغتياله.
وللتذكير، فإن جريمتي التل والبحصاص جاءتا على خلفية الانتقام من الجيش اللبناني الذي "قهر فتح- الإسلام في أحداث نهر البارد" (وفق القرار الاتهامي)، حيث نُفذت الجريمتان، بقيادة عبد الغني جوهر، وبطلب من عبد الرحمن عوض (الخليفة المفترض لشاكر العبسي، مؤسس التنظيم).
وللتذكير أيضاً، فإنه ونتيجة "الكيدية السياسية"، فقد امتنع وزير الاتصالات حينها جبران باسيل، تحت ذرائع قانونية، عن تسليم "داتا" الاتصالات إلى "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي، (وهو الجهاز الأمني الذي أوقف لاحقاً جزءاً كبيراً من المجموعة) عن الفترة التي وقعت خلالها جريمة التل، ما سهّل وقوع جريمة البحصاص (رفع أهالي الضحايا دعوى قضائية على هذه الخلفية في وقت لاحق).
الاستغلال المخابراتي لـ "فتح-الإسلام"
من المعلوم أن الأجهزة المخابراتية المختلفة اخترقت – وما تزال- عدة جماعات "جهادية"، ووظفت عملها لخدمة أهدافها. بطبيعة الحال فإن هذا الاختراق لا يعني أن المجموعات المخترقة لن تضم متشددين لا صلة لهم بأي نظام مخابراتي، بل على العكس، فإن الأكثرية الساحقة لهذه المجموعات تتكون من متشددين يعتقدون أنهم يجاهدون في سبيل الله!.
ولا يخرج تنظيم "فتح- الإسلام"، الملتبس النشأة، عن هذا الاستغلال المخابراتي، ابتداءً من خروج شاكر العبسي ومجموعة من المتشددين معه من سجنهم في سوريا، بعفو رئاسي، عام 2005، وانتقاله تالياً إلى مواقع تابعة لـ"الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة" و"فتح ـ الانتفاضة" في قوسايا وحلوة، على الحدود اللبنانية ـ السورية، ثم انتقاله إلى مخيم برج البراجنة، ومنها إلى البداوي، فنهر البارد، وتالياً سيطرته على مراكز "فتح ـ الانتفاضة" في مخيم نهر البارد، وإقصائه التنظيم الأخير بشكل مريب، ثم النمو السريع لعدد المقاتلين، وتسهيل حركتهم باتجاه المخيم المذكور، تحت عنوان التدرب ثم الانتقال للجهاد في العراق (بتاريخ 1/2/2007 أوقف سعوديان في المطار أثناء مغادرتهما لبنان نحو بلدهما، وفي التحقيق معهما أكدا أنهما تركا التنظيم لشعورهما بأنهما خُدعا بعدما مُنعا من السفر إلى العراق في حين أنهما وصلا أصلاً إلى لبنان كمحطة للتوجه بعدها لمقاتلة الجيش الأميركي)، وبعد ذلك التمدد في الشمال، وتنفيذ جرائم إرهابية تخدم أهدافاً سياسية (جريمة عين علق على سبيل المثال، وقد ورد في اعترافات أحد واضعي العبوتين في عين علق، السوري مصطفى سيّو، أمام المجلس العدلي، في 22/5/2009، قوله: إن "فتح ـ الإسلام" غرّروا به، كما غرروا بكثيرين، وإن قيادة التنظيم كانت تعِد الراغبين بالجهاد بـ"الانتقال إلى بلد آخر")، وصولاً إلى المواجهة الكبرى مع قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني.
مؤشرات قديمة
من المؤشرات الكثيرة على الاختراق والاستغلال المخابراتي لـ "فتح-الإسلام"، والتي باتت اليوم أوضح، مع توالي الاعترافات والمعلومات، منذ اندحار التنظيم المذكور:
1- الطريقة المعقدة التي عمل بها التنظيم، والتي سمحت بتعدد القيادات، وتسلم النشاط خارج المخيم من قبل أشخاص "مشبوهين" مخابراتياً، من أبرزهم؛ السوري من أصل فلسطيني "أبو مدين"، نائب شاكر العبسي، وهو الشخص الذي حذر منه أمير "دولة العراق الإسلامية" أبو أيوب المصري، باعتباره "رجل أبو خالد العملة في لبنان"، وذلك في رسالة وجهها إلى فهد المغامس (أبو جعفر الطيار)، وقد عُثر عليها أثناء توقيف الأخير ضمن خلية بر الياس، في العام 2007. إضافة إلى اللبناني صدام الحاج، الذي كان محكوماً بالإعدام في سوريا، فأُطلق سراحه ليلتحق بالعبسي!. وكذلك الفلسطيني مجد الدين عبود الملقب بـ"أبو يزن" الذي ارتبط اسمه بتفجير عين علق.
2- القناعة التي خرج بها أكثر من قيادي في "القاعدة"، كانوا قد زاروا لبنان لدراسة حالة "فتح- الإسلام" عن قرب، وقد عُرف منهم (لاحقاً وبنتيجة التوقيفات) السعودي عبد الرحمن اليحيى (طلحة)، وقيادي آخر اسمه الحركي أبو عبد الرحمن الأفغاني، والسعودي عبد الله البيشي، وقد خرج الجميع بانطباع سلبي، والأخير، كان من "سوء حظه" أنه أوقف -وشخص آخر- على الجانب اللبناني من الحدود مع سوريا.
3- اعترافات أحمد مرعي، الذي لعب دوراً كبيراً في استئجار شقق وإيواء عناصر المجموعات الإرهابية التي التحقت بـ "فتح- الإسلام"، بطلب مخابراتي سوري (أوقف بتاريخ 29/5/2007 في محلة الأشرفية)، وهو الشخص نفسه الذي اتصل باللواء أشرف ريفي للتهويل عليه، بغية فك الطوق عن "فتح ـ الإسلام"، في أثناء المواجهة مع التنظيم المذكور في 20/5/2007، وقد تبين أن جهة مخابراتية كانت تسجل المكالمات، حيث عُرضت مكالمتان منها بشكل انتقائي ومجتزأ على إحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية لاحقاً. مرعي أدلى باعترافات محددة وبالأسماء حول العلاقة التي ربطت "فتح ـ الإسلام" بالمخابرات السورية، وتحديداً بـ"أبي مدين" الذي وصف الضابط المشغل لمرعي بأنه "ضابط مخابرات لدينا" (قتل في أول أيام المواجهة في نهر البارد، وقد كان يخطط لاغتيال البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، وزعيم الأغلبية النيابية سعد الحريري).
... ومؤشرات وجرائم جديدة!
في آخر ظهور إعلامي لـ "نجوم" الجرائم التي ارتكبها تنظيم "فتح-الإسلام"، خلال محاكمة الموقوفين بجريمة البحصاص (جرت المحاكمة في السابع من الجاري)، أفاد الفلسطيني فادي إبراهيم (ملقب بالسمكو، وكانت مخابرات الجيش قد أوقفته على مدخل مخيم عين الحلوة في عملية أمنية، العام الماضي، وأحيل على القضاء بجرائم إرهابية كثيرة، وقد استمعت إليه المحكمة، كشاهد في جريمة البحصاص) –أفاد- بأنه سمع عبد الرحمن عوض يقول إن جماعته هي المسؤولة عن اغتيال النائب وليد عيدو واللواء فرنسوا الحاج (وهو أمر قد يكون صحيحاً لكنه يحتاج إلى تدقيق)، مضيفاً أمام القاضي عبارة هامة هي: "إن عبد الرحمن عوض وشاكر العبسي هما صناعة مخابراتية عربية".
أما أيمن الهنداوي، الموقوف في الجريمة المذكورة، فأفاد بأن عبد الغني جوهر قد درّبه مع آخرين على استعمال السلاح موكلاً إليه مهمة "إدخال المجاهدين إلى لبنان عبر الحدود الشمالية". وقد "تبين من سجلات الهاتف أن المدعى عليه الشيخ طارق مرعي كان على اتصال هاتفي متواصل سواء بالهاتف الثابت أو الهاتف المحمول مع عبد الغني جوهر، ومع هواتف مع عناصر مطلوبة متواجدة في سوريا". فيما أفاد حسين دندل، الموقوف أيضاً في الجريمة نفسها، بأنه قام بإدخال شخصين من سوريا إلى لبنان، "بالتعاون مع السوري عدنان، المجهول باقي الهوية، بناء على طلب عبد الغني جوهر، كما قام بتهريب هذا الأخير مع شخص آخر هو عبيد القفيل إلى سوريا عبر الحدود الشمالية" (يرجح أن جوهر عاد بعد ذلك من سوريا وفق إفادة أخرى أدلى بها السمكو).
غداً: المسار الذي سلكه شاكر العبسي بعد فراره من نهر البارد
على ضوء القرار الاتهامي الأخير لمتفجرة البحصاص: (2/3)
المسار الذي سلكه شاكر العبسي بعد فراره من نهر البارد
فادي شامية
في 20 أيار 2007 اندلع القتال بين الجيش اللبناني وتنظيم "فتح-الإسلام". استمرت المعارك الشرسة نحو مئة يوم، إلى أن سقط المخيم بعد عملية فرار جماعية لمن تبقى من مقاتلي "فتح- الإسلام" في 2 أيلول 2007. أعداد كبيرة من قتلى "فتح- الإسلام" وجدت في أرض المعركة. ثمة جثة اشتبه المحققون في كونها جثة قائد التنظيم شاكر العبسي، فعرضوها على زوجة وابنة العبسي، وعلى عدد ممن قابلوه، فأكدوا أن الجثة تعود إليه، لكن تحليل الحمض النووي أظهر في 10 أيلول 2007 بأن الجثة ليست له، ما يعني أن الرجل تمكّن من الفرار.
المحطة الأولى في البداوي
بناءً على قطعية نتائج فحص الحمض النووي، فقد اعتُبرت الإفادات حول وفاة العبسي كاذبة وأن هدفها تسهيل فراره، وأن الرجل متوارٍ في مكان ما. وبنتيجة تكثيف التحقيقات اعترف أحد موقوفي "فتح –الإسلام" لدى السلطات اللبنانية (يمني الجنسية) بأنّه تمكّن مع العبسي وثلاثة آخرين من الخروج من مخيم نهر البارد قبل يوم واحد من سقوطه بيد الجيش اللبناني.
في إفادة الموقوف خالد الجبر أثناء محاكمته في جريمة البحصاص قبل أيام (في 7/7/2010) قال الجبر إنه قام بإيواء شابين من "فتح –الإسلام" تمكنا من الفرار من داخل مخيم نهر البارد، وإنه علم من الموقوفين محمد خضر وعبيد القفيل أن شاكر العبسي انتقل إلى مخيم البداوي بعد فراره من نهر البارد، وإنه أقام في منزل يملكه حمزة قاسم في المخيم المذكور.
كما أفاد الجبر بأن "العبسي كان يتواصل، بواسطة هاتف خليوي، مع عبد الرحمن عوض، الموجود في مخيم عين الحلوة، وقد أبلغه هذا الأخير أن عناصره قاموا بتنفيذ عملية تفجير ضد قوات اليونيفيل، ونجحوا باستهداف العميد فرنسوا الحاج والنقيب وسام عيد". (اللافت أن العبسي ظهر لاحقاً بشريط صوتي وتوعّد الجيش، لكنه لم يتبنَ اغتيال فرنسوا الحاج، ولا أتى على ذكر الموضوع!).
الانتقال إلى سوريا
في البداوي كان العبسي يتواصل مع عبد الرحمن عوض ومع عبد الغني جوهر، والأخير كان عازماً على استهداف الجيش –وقد فعل ذلك في التل والبحصاص والعبدة- كما كان عازماً بالقدر نفسه على اغتيال مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي.
وبعد فترة من المكوث في البداوي قرر العبسي الانتقال إلى سوريا، ووفق إفادة الموقوفين: خالد الجبر، ومحمد خضر، وخالد سيف، ونادر العلي، وعلي الأحمد، وعبد الحميد ومحمد ومحمود سيف، (قدموا مأوى وطعام لعناصر من "فتح- الاسلام")، فإن "العبسي قد طلب تأمين خروجه إلى سوريا، فاتصل خالد الجبر بمصطفى دندل، الذي قام بتهريبه مع عناصره إلى سوريا لقاء 500 دولار عن كل شخص".
في 7 كانون الثاني من العام 2008، ظهر شاكر العبسي في شريط صوتي بثه أحد مواقع "القاعدة"، لمدة 57 دقيقة، تحت عنوان "نذير ونفير". في هذا الشريط أشاد العبسي كثيراً بـ "شيخ المجاهدين أسامة بن لادن"، واصفاً المعركة التي وقعت في نهر البارد بأنها كانت معركة بين "فئة ترفع راية الرحمن وفئة ترفع راية ميشال سليمان"، مكفّراً "كل من يقاتل تحت راية ميشال سليمان وقيادته"! (كان ميشال سليمان حينها قائداً للجيش).
ومن غير المعروف بعد، ما إذا كان قد جرى تسجيل هذا الشريط في البداوي أو بعد الانتقال إلى سوريا، لكن ما هو معروف أن العبسي انتقل إلى سوريا، وأن المخابرات السورية أوقفته قبل شهر أيلول من العام 2008، على اعتبار أن السلطات السورية كانت قد أبلغت الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارته دمشق في أيلول من العام 2008 أن العبسي معتقل لديها.
وكانت مطالعة القاضي سعيد ميرزا في جريمة التل، المسّطرة بتاريخ 16 تشرين الأول 2009، قد كشفت عن تهريب شاكر العبسي وسبعة آخرين إلى سوريا، بعد تنقلهم في قرى شمالية عدة، وانتقالهم من هناك إلى سوريا، عبر سيارة "بيك آب" محملة بأحجار الباطون.
على كل حال، فقد أتى الدليل القاطع على انتقال العبسي إلى سوريا من خلال السلطات السورية نفسها، عندما عرضت في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني من العام 2008 فيلماً تضمن "اعترافات عن تورط القاعدة" في انفجار "الست زينب" الذي وقع في سوريا، وأدى إلى وفاة 17 شخصاً، حيث قال "أبو الوليد" وهو الشاهد الرئيس في "فيلم الاعترافات" هذا، إن شاكر العبسي حي وإنه التقى به عدة مرات، وإنه "يرجّح اعتقاله لدى السلطات السورية التي كانت على دراية كاملة بتحركاته".
وأبو الوليد الذي ظهر في الفيلم كان قد فر من سوريا إلى لبنان بعد اعتقال أحد أفراد مجموعته، وعبر الحدود الرسمية!، –وفق الفيلم نفسه- حيث تعرّف في لبنان على شاكر العبسي بعد معركة نهر البارد، فطلب الأخير منه وصله بـ"القاعدة"!... وبعد ذلك أصبح أبو الوليد المسؤول الأمني الخاص لشاكر العبسي، والذي يلازمه في انتقاله من بيت إلى بيت بعد معركة نهر البارد، وقد انتقل معه إلى سوريا، وظل يلازمه إلى أن فقد أثره (كما يروي هو عبر الشريط إياه).
إشارة إلى أنه في الفيلم نفسه ظهرت وفاء شاكر العبسي، التي كانت قد خرجت مع نساء وأطفال مقاتلي "فتح- الإسلام" بحماية الجيش، حيث أقامت في مسجد في صيدا، ثم اختفت فجأة وانقطعت أخبارها إلى أن ظهرت في الفيلم، حيث قالت إنها تزوجت من شخص يدعى ياسر عناد، هرّبها إلى سوريا، حيث اعتقلتها السلطات السورية –وزوجها-هناك، لكن وفاء لم تأت على ذكر مصير والدها في الفيلم.
الأكيد إذاً، أن شاكر العبسي اعتقل أو قُتل في سوريا، وبناءً لذلك فإن من حق السلطات اللبنانية مطالبة نظيرتها السورية، بموجب اتفاقية تبادل المجرمين، أن تسلمها إياه، إن كان حياً، أو أن تبين ماذا جرى له، إن كان ميتاً، إذ من شأن استرداد العبسي ومحاكمته انكشاف كثير من الأسرار حول ولادة تنظيم "فتح -الإسلام" ونموه وتحوله خنجراً في الجسد اللبناني والفلسطيني.
على ضوء القرار الاتهامي الأخير لمتفجرة البحصاص: (3/3)
عبد الغني جوهر وعبد الرحمن عوض في عين الحلوة!
فادي شامية
بهدف الانتقام من الجيش اللبناني بعد معركة نهر البارد نفذت مجموعة إرهابية كان يرأسها اللبناني عبد الغني جوهر ثلاث عمليات تفجير، استهدفت العملية الأولى مركزاً للجيش اللبناني في محلة العبدة بتاريخ 31/5/2008، واستهدفت العملية الثانية حافلة للجيش اللبناني في شارع المصارف في طرابلس بتاريخ 13/8/2008، واستهدفت العملية الثالثة حافلة أخرى للجيش في محلة البحصاص في طرابلس أيضاً بتاريخ 29/9/2008. إضافة إلى هذه الجرائم فقد كشفت التحقيقات أن عبد الغني جوهر كان "قد أقدم على سلب نقود من محل معد لبيع المشروبات الروحية في العبدة وذلك بقوة السلاح بعدما أطلق النار من مسدسه على رأس وصدر صاحب المحل وأرداه قتيلاً".
أين هو جوهر؟
في الفترة التي وقع فيها التفجير في محلة التل، كانت "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي محرومة من الحصول على قاعدة البيانات الهاتفية، بأمر من وزير الاتصالات جبران باسيل. أعاقَ هذا الأمر جزئياً اكتشاف الخلية المسؤولة عن التفجيرات. وبعد عشرة أيام فقط على إفراج وزير الاتصالات عن المعلومات المطلوبة، تمكّنت قوى الأمن الداخلي، وبالتعاون مع مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، من كشف وتوقيف أعضاء الشبكة الإرهابية، البالغة عشرة أفراد، فيما تمكن زعيمها عبد الغني جوهر من الفِرار، لدى محاولة اعتقاله بتاريخ 12/10/2008، بعدما استرعى تجمهر عدد من السكان في حي باب التبانة المكتظ انتباه جوهر، ما دفعه للفرار من الشقة التي كان يقيم فيها في الحي المذكور، عبر أسطح البنايات.
اختفى جوهر لكن ملاحقته لم تتوقف، فقد حاولت قوة من مخابرات الجيش الايقاع به في مخيم شاتيلا، حيث وردت معلومات سرية إلى مديرية المخابرات بلجوئه إليها، فتمت مداهمة المخيم المذكور بتاريخ 24/11/2008 لكنه أفلت، بعدما تلقّى تحذيراً من جهة نافذة في المخيم المذكور على الأرجح.
في 30 تشرين أول 2009 أوقفت مخابرات الجيش اللبناني فادي غسان إبراهيم (السمكو)، وهو شخص وثيق الصلة بعبد الرحمن عوض وعبد الغني جوهر. وفي 8 كانون الثاني 2010 أوقف الجيش اللبناني الفلسطيني أيضاً منير مزيان "أبو الوليد"، في منطقة الملا ببيروت، لصلته بجوهر.
وخلال المحاكمة التي جرت في السابع من الجاري على خلفية جريمة البحصاص، استمع القضاء لفادي إبراهيم (السمكو) كشاهد، فأفاد أن معلوماته تقول إن عبد الغني جوهر قد انتقل إلى مخيم عين الحلوة، وهو "لا يزال في مخيم عين الحلوة بحماية جماعة عوض".
... وعوض
بنتيجة التحقيقات والمحاكمات – ومنها المحاكمة الأخيرة في جريمة البحصاص- فقد تبين أن عبد الرحمن عوض – المسؤول عن عدة جرائم، منها ما هو ثابت كاستهداف اليونيفيل، ومنها ما هو محتمل كاغتيال فرنسوا الحاج ووليد عيدو- هو من جنّد عبد الغني جوهر ودربه، بهدف الانتقام من القوى الأمنية.
وخلال المحاكمة التي جرت مؤخراً في قضية البحصاص أفاد فادي إبراهيم (السمكو) بأنه يعتقد أن عبد الرحمن عوض ما زال في مخيم عين الحلوة، وهي القناعة نفسها لدى القوى الامنية؛ سواء لدى مخابرات الجيش أو قوى الأمن الداخلي، إذ وفق معلومات أمنية خاصة، فإن عوض هو المطلوب رقم واحد في لبنان اليوم. و"ثمة إصرار وجهود مكثفة للقبض عليه"، خصوصاً بعد القرارات الاتهامية الأخيرة، حيث تؤكد المعلومات الأمنية أن عوض يتنقل وخمسة آخرين بين أكثر من مكان في عين الحلوة، وأنه ورفاقه مزنرين بأحزمة ناسفة خوفاً من أية مداهمة محتملة من قبل طرف فلسطيني داخل المخيم المذكور.
ومعلوم أن عوض كان قد تمكن من الخروج من عين الحلوة بعد احتلال العراق، وأنه تعرف هناك على أبي مصعب الزرقاوي وبايعه، وبعد مقتل الأخير، عاد عوض إلى عين الحلوة متخفياً وبدأ بتشكيل خلايا مرتبطة بـ "القاعدة".