هل يحظر "حزب التحرير"؟! وما هي موجبات المطالبة بسحب "العلم والخبر" منه؟!
فادي شامية - السبت 7 تموز2010- 5 شعبان 1431هـ
"حزب التحرير" كما يعرّف هو عن نفسه؛ "حزب إسلامي يدعو إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية". تأسس الحزب في القدس مطلع عام 1953، على يد القاضي تقي الدين النبهاني. وقد بقي النبهاني الأمير المؤسس للحزب حتى وفاته عام 1977. ويتخذ الحزب من العمل السياسي والفكري طريقة للوصول إلى غايته، رغم أنه يحرّم الديمقراطية تحريماً تاماً، ويعتبرها "نظام كفر"، كما يحرّم الرأسمالية، والاشتراكية، وغيرها من الأنظمة غير الإسلامية.
حزب التحرير -ولاية لبنان-
دخل الحزب إلى لبنان عام 1978، من باب العمل على إقامة الخلافة (وهي مبدأ إسلامي بالأساس، بغض النظر عن إمكانية تطبيق هذا الأمر في لبنان)، واللافت حينها أنه كان يضم في صفوفه مسلمين شيعة. ولم يحقق الحزب في لبنان الانتشار الذي حققه في بلدان أخرى (فلسطين، والأردن، والدول المسلمة في الاتحاد السوفياتي السابق، ودول جنوب شرق آسيا) نظراً لطبيعة التركيبة اللبنانية الخاصة، ولصعوبة تطبيق طرح "إقامة دولة إسلامية في لبنان"، فضلاً عن تعرض الحزب للملاحقة والتضييق خلال فترة الوجود السوري، لكن الحزب ظل يعمل في السر، وينشر أفكاره في أوساط المسلمين السنة، ويصدر بيانات باسم "حزب التحرير" -ولاية لبنان- انطلاقاً من أنه لا يؤمن بتقسيمات سايكس- بيكو، وتالياً فهو يعتبر البلدان التي يعمل فيها ولايات –بحكم مآلها النهائي وفق تصور الحزب- في دولة الخلافة التي ستعود إلى الوجود يوماً ما. غني عن القول إن هذه الفترة قبل العام 2005-التي شهدت تنسيقاً عالي المستوى بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية – قد أثرت على نشاط الحزب قمعاً واعتقالاً، "لأسباب أمنية".
بعد العام 2005 تغيّر المناخ السياسي كلياً في لبنان، ما سمح بتقدم "حزب التحرير" من وزارة الداخلية بطلب الحصول على "علم وخبر". اعتبرت هذه الخطوة اعترافاً رسمياً من الحزب المذكور بالجمهورية اللبنانية (دون أن يتراجع الحزب عن طرحه المحوري القائم على إعادة الخلافة إلى العالم الإسلامي). وبالمقابل فقد كان قرار وزير الداخلية آنذاك أحمد فتفت "جريئاً" في منح الحزب المذكور ترخيصاً للعمل في لبنان. إضافة إلى جرأة القرار (باعتبار أن أكثر الدول من حول لبنان تحظر نشاط هذا الحزب)، فقد كان الدكتور فتفت في قراره هذا -الذي حاز موافقة مجلس الوزراء أيضاً- متجرداً ومنسجماً مع قناعاته بترك الحرية لأية جهة كي تعرض قناعاتها السياسية، تحت سقف احترام القانون اللبناني، علماً أن الحزب المذكور يعمل في الوسط السني، أي في البيئة الأكثر احتضاناً لـ "تيار المستقبل"، فضلاً عن أن فتفت شخصياً يؤمن بأفكار تتناقض كلياً مع ما يطرحه الحزب المذكور، ومع ذلك فقد وافق على منح "العلم والخبر"، رقم 182/أد بتاريخ 11/5/2006، (كما وافق على منح "علم وخبر" لأحزاب أخرى ممن يعتبر اليوم ضمن فريق الثامن من آذار)، وقد كان القرار موضع ترحيب في الأوساط الإسلامية، بما فيها تلك التي تتنافس مع "التحرير" في الساحة نفسها ("الجماعة الإسلامية" على سبيل المثال).
في "العلم الخبر" الذي تقدّم به "حزب التحرير"، ونال موافقة على أساسه، عرّف الحزب عن نفسه بأنه "حزب سياسي مبدؤه الإسلام"، دون ذكر لكلمة "الخلافة". أوساط عديدة انتقدت يومها القرار، لكن فتفت دافع عن قراره بأنه ينسجم مع مبادئ الديمقراطية، وبأنه يستند إلى قرار قضائي صدر في 17/7/2005 عن القاضي هاني الحجار، ألغى بموجبه التعقبات بحق المدعى عليهما المنتمين إلى "حزب التحرير"، عثمان البخاش وأحمد القصص، لعدم توافر عناصر التجريم بحقهما، ولأن "حزب التحرير" لا ينبطق عليه وصف "الجمعية السرية"، ولأنه "لم يتوفر في الملف أي دليل يثبت، على وجه الجزم، أن غرض حزب التحرير الإسلامي هو القيام بأعمال منافية للقانون"... أما إذا تورّط الحزب بعمل أمني فـ "سأطلب بنفسي من مجلس الوزراء حلّه"، قال فتفت.
"حزب التحرير" على طاولة مجلس الأمن المركزي
كان "حزب التحرير" نشطاً خلال السنوات الخمس الماضية، فاستفاد من الرخصة الممنوحة له، وأقام علاقات سياسية مع قوى لبنانية عديدة (بعضها أشاد بعدم مذهبيته)، كما نظّم أربع مؤتمرات في لبنان، أعاد فيها تظهير طروحاته المتمحورة حول أهمية الخلافة في حياة المسلمين، ورغم صعوبة "هضم" هكذا طرح في كثير من الأوساط اللبنانية،-وليس المسيحية فقط- فقد التزم الحزب المذكور بالعمل السياسي والإعلامي، دون أن يتورط في أي عمل أمني، انسجاماً مع منهجه القائل بأن التغيير يحدث تلقائياً بعد مرحلة "تثقيف المجتمع"، وإدراكاً لمخاطر أي عمل أمني من جهة أخرى، خصوصاً أن الحزب كان طيلة هذه الفترة عرضة لانتقادات شتى.
فجأة، وبالتزامن مع تحضير "حزب التحرير" لمؤتمره الخامس -الذي قرر أن يكون دولياً هذه المرة- طُرح ملف الحزب على طاولة مجلس الأمن المركزي، حيث قُدمت بشأنه تقارير من مديرية المخابرات، ومن الأمن العام، ومن "شعبة" المعلومات. وقد قرر المجلس المذكور منع أية "نشاطات غير مرخصة" لهذا الحزب، وإحالة الموضوع إلى مجلس الوزراء للبت بشأنه، وبدوره قرر مجلس الوزراء بحث ملف الحزب في الجلسة القادمة، بعدما نُشرت معلومات مفادها أن الحكومة ستبت بالأمر خلال الجلسة الماضية (14/7/2010).
ما توافر من معلومات عن جلسة مجلس الأمن المركزي، يتمحور حول نقطتين:
1- "خطورة الأفكار التي يطرحها الحزب" وعلاقتها بالسلم الأهلي.
2- الحذر من المؤتمر المنوي انعقاده في فندق البريستول ببيروت، في 18 تموز الجاري، كونه يضم ناشطين تحريريين من كل أنحاء العالم، بعدما رفض أكثر من بلد إقامة المؤتمر على أرضه.
لكن من وجهة نظر "حزب التحرير" فإن الأمر مختلف، إذ تشير مصادر الحزب إلى ما يأتي:
1- من الناحية القانونية فإن الحزب لم يخرق القانون لا أمنياً ولا سياسياً، و"مؤتمرنا يقام في مكان خاص ولا يحتاج إلى ترخيص، ومع ذلك فقد أعلمنا المحافظ، ووجهنا دعوات قبل أسبوعين إلى وزراء ونواب وسياسيين وأمنيين، ولم نلق اعتراضاً".
2- من الناحية السياسية، فإن الحملة على الحزب –وفق مصادره- تتساوق مع حملة عليه في أكثر من بلد في العالم، بتحريض من الولايات المتحدة الأميركية، وهي الدولة التي منعت إقامة مؤتمر كان الحزب المذكور ينوي تنظيمه فوق أراضيها مؤخراً.
3- إضافة إلى ذلك، فإن ما يتعرض له الحزب في لبنان "ينسجم المرحلة السياسية الجديدة، الأمر الذي جعل التعامل مع الحزب مختلفاً"، ويورد أحد قيادات الحزب دليلاً على ذلك، استهدافه قبل مدة من قِبل وئام وهاب، ثم "نبش" العماد ميشال عون نشرة للحزب صادرة في 12/10/2009، بلا مناسبة، ومطالبته الدولة بـ "إعادة النظر بالكتابات التحريضية لهذا الحزب".
4- يعتبر الحزب المذكور أن ملفه أُدرج رغماً عنه في أتون المزايدات السياسية، حيث يعمد "التيار الوطني الحر" إلى استهدافه، لغايات ذات علاقة بشعبيته في الشارع المسيحي، وفي هذا الإطار تضع مصادر الحزب أيضاً؛ استعجال الوزير جبران باسيل في جلسة مجلس الوزراء الماضية بت مصير الحزب.
ما هو مصير المؤتمر؟ وما هو مصير الحزب؟
في انتظار بت مصير "حزب التحرير"، ينشط الحزب المذكور على مستويين:
1- المستوى الأول: التأكيد على انعقاد المؤتمر في وقته، لأن قرار مجلس الأمن المركزي يتعلق بـ"أية أنشطة غير مرخصة، والمؤتمر يقام في فندق ولا يحتاج إلى ترخيص، وهو غير مخالف للقانون... وفي كل الأحوال سنعقِد المؤتمر ولو في مسجد، لأن الدولة اللبنانية سمحت للمدعوين بالوصول إلى لبنان".
2- المستوى الثاني: استثمار العلاقات السياسية التي راكمها الحزب المذكور خلال الأعوام الماضية، لتفادي اتخاذ قرار بحله، مع تأكيده بأنه سيواصل عمله، كما كان قبل قرار الترخيص له، فـ"نحن دعوة فكرية، والفكر لا يمكن حظره".
بعيداً عن أفكار الحزب وطروحاته المثيرة للجدل، وبعيداً عن أسباب إعادة فتح ملفه في لبنان، فإن "معاناة" حزب التحرير ازدادت مؤخراً، حتى في الأماكن التي كان يعمل فيها، بهامش من الحرية، حيث مُنع من العمل في مناطق السلطة الفلسطينية، كما قامت حكومة غزة بتقييد حركته مؤخراً (أصدر الحزب المذكور أكثر من بيان هاجم فيه حركة "حماس"، وكان آخرها قبل يومين، رداً على اعتقال الحركة بعض ناشطيه)، كما مُنع من إقامة مؤتمر له في الولايات المتحدة الأميركية، وتعرض ناشطوه لاعتقالات إضافية في طاجاكستان (حيث ينشط بقوة)، وفي الأردن.
في الحالات المشابهة لـ "حزب التحرير" هناك عادة وجهتا نظر؛ وجهة نظر تقول إنه لا يجوز لمن لا يؤمن بالديمقراطية أن يستفيد من مزاياها، وينظم حركة فكرية قد تزعزع السلم الأهلي، باعتبار أن الفكر هو الأساس في أي عمل أمني لاحق. ووجهة نظر أخرى تقول إن الأفكار، مهما كانت "خطرة"، لا يجوز مواجهتها بالقمع، ليس لأنه ينافي مفهوم الديمقراطية بحد ذاته، بل لأن القمع يولد أفكاراً أكثر خطورة، وقد يشكل منزلقاً نحو العنف، في حين أنه يمكن لهذه الأفكار أن تتطور إيجاباً عندما تحتك بالمجتمع وتلمس عدم القبول، أو أن تذبل من تلقائها.
أي وجهة نظر سيتبنى مجلس الوزراء؟! أيام قليلة ونرى.