يعد "دستور" التطرف الإسلامي:
"العمدة": تراجع عنه كاتبه والغلاة ما زالوا به متمسكين!
فادي شامية
يعتبر كتاب "العمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله" دستور الغلاة من "الجهاديين". متطرفون من أمصار عديدة، وشبكات جمعها الغلو، وموقوفون و"تائبون" وفارون... قالوا جميعهم إن فكرهم "الجهادي" مبني على كتاب "العمدة" هذا، وإنهم تلقوا دروساً من هذا الكتاب- المرجع في مرحلة أو أكثر من حياتهم.
في السابع من شهر تموز الجاري بدأت في لبنان محاكمة ثلاث شبكات مرتبطة بـ "القاعدة"، خططت ونفذت عمليات ضد الجيش اللبناني وقوات "اليونيفل" وشخصيات سياسية لبنانية. وقد أقر غالبية موقوفي المجموعات الثلاث بأنهم تلقوا دروساً من كتاب "العمدة"، وبأن أمير هذه المجموعات؛ عبد الغني جوهر، الفار من وجه العدالة، كان "يعتمد كتاب العمدة في إعداد العدة للشيخ المصري عبد القادر بن عبد العزيز (هو نفسه سيد إمام أو إمام الشريف) ويؤيد أفكاره ويعتبر كل من لا يتبعه كافراً ومرتداً وفاسقاً وضالاً". (وفق ما ورد في القرار الاتهامي حرفياً في السابع من تموزالجاريً).
ماذا يحوي كتاب العمدة؟
يعتبر "العمدة" عمدة الفكر الجهادي المتطرف، وقد سطّر فيه كاتبه نظريات كثيرة، لم يقل بها العلماء المسلمون، مع أنه نسبها إليهم. وتكمن قوة الكتاب في أنه يؤصل للغلو من الكتاب والسنة، ويعتبر أن هذه النظريات تمثل الإسلام الصحيح، وما عدا ذلك بطلان!.
بطبيعة الحال، يضيق المجال لإيراد كل ما ورد في الكتاب من نظريات غالية، لكن ما يعنينا هو التأصيل لتكفير الحكام وأعوانهم والجيوش والشرطة والمخالفين؛ على اعتبار أن هذا الفكر هو المعتمد لدى الغلاة الذين يبيحون أعمال التفجير والتدمير والاغتيال.
غني عن القول إن الغلاة يعتبرون كل من لم يحكم بما أنزل الله كافراً مرتداً، بلا تمييز بين من يرفض الشريعة لاعتقاد عدم صلاحها، وبين من يتعامل مع الواقع بما تتيحه له الشريعة، وبين من يقدر على الحكم بالأحكام الشرعية، وبين من لا يقدر... يقول عبد القادر بن عبد العزيز: إن "قتال هؤلاء الحكام المرتدين مقدّم على قتال غيرهم من الكفار الأصليين من يهود ونصارى ووثنيين، وهذا من ثلاثة أوجه: أنه جهاد دفع متعين وهو يقدم على جهاد الطلب، وكونهم مرتدين، وكونهم الأقرب إلى المسلمين والأشد خطراً وفتنة". (ص 330).
وفي تأصيله اغتيال مسؤولي الدولة ورجال الجيش والشرطة، يقول: "وإن كان الحاكم المرتد ممتنعاً بطائفة تقاتل دونه، وجب قتالهم، وكل من قاتل دونه فهو كافر مثله، لقول الله تعالى: )وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ(، و"وَمَنْ" في الآية اسم شرط، فهي صيغة عموم تعم كل من تولى الكافر، ونَصَرَه بالقول أو بالفعل... وكل من نصر الكافر بالقول أو بالفعل لنُصْرَة كُفْرِه فهو كافر مثله... كما أن قتال هؤلاء للوجوب". (ص 327).
وعن الموقف فيما لو قتل مسلمون أثناء قتال من يعتبرهم سيد إمام (عبد القادر بن عبد العزيز) كفاراً يقول: "إن القول بأن مخالطة المؤمنين للكافرين مانعة من قتال الكافرين وعُذْرٌ في ترك قتال الكافرين، لما ينتج عنه من قتل بعض المؤمنين المخالطين، انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، فهذا القول يفضي إلى تعطيل الجهاد بنوعيه (قتال الطلب وقتال الدفع) فما من بلد الآن إلا به مسلمون مخالطون للكفار بنسب مختلفة. كما أن المنع من القتال يوم الحديبية كان منعاً قدرياً، ولا يجوز الاحتجاج بالقدر. وأن هذا المنع من القتال لاختلاط المؤمنين بالكفار في مكة كان خاصاً بقصة الحديبية دون غيرها... ولا خلاف في أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس... فيجب دفع المفسدة العظمى (فتنة الكفر والردة) بتحمل المفسدة الأخف" (ص 327).
ويذهب إمام أكثر من ذلك في موقفه من الأنظمة القائمة، ومن استحلال تخريب الممتلكات العامة وأموال الناس، فيقول: "يحرم على كل مسلم دفع الأموال لهؤلاء الطواغيت في أي صورة، من جمارك وضرائب ونحوها، إلا مضطراً أو مكرهاً، كما يجب على المسلمين السعي في الاستيلاء على أمول الكافرين بالقهر )وهي الغنيمة( وبالحيلة ونحوها )وهي الفيء(، وقد خرج النبي r للاستيلاء على أموال قريش ليستعين بها المسلمون فكانت وقعة بدر"!. (ص 329).
من هو سيد إمام؟
هو سيد إمام عبد العزيز إمام الشريف، أو عبد العزيز بن عبد القادر. ولد عام 1950، في مدينة بني سويف، بجنوب مصر. درس الطب وعمل نائباً بقسم الجراحة بكلية طب القصر العيني، وانتسب إلى "الجماعة الإسلامية المصرية"، وعندما اغتالت الجماعة الرئيس المصري أنور السادات، هرب إمام إلى بيشاور في باكستان، حيث عمل مديراً لمستشفى الهلال الكويتي هناك، ثم غادر إلى السودان بعد انتهاء الجهاد الأفغاني، ومنها إلى اليمن حيث عمل بمستشفى "الثوره العام" بمدينة "إب" جنوب العاصمة صنعاء.
ارتبط اسمه بقضية "العائدون من ألبانيا" عام1999، وألقي القبض عليه في اليمن عقب أحداث 11 سبتمبر، وسُلم للسلطات المصرية عام 2004، وما يزال سجيناً هناك حتى اليوم.
يعتبر إمام مفكراً ومؤصلاً في فكر "القاعدة"، وفي الغالب يدرس أتباع "القاعدة" اليوم كتبه، لا سيما: "العمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله"، و"الجامع في طلب العلم الشريف"، و"الإرهاب من الإسلام... ومن أنكر ذلك فقد كفر".
بعد اعتقاله أسهم إمام مع مجموعة من القادة التاريخيين لـ "الجماعة الإسلامية المصرية" بمراجعات تاريخية وفكرية لمسارهم "الجهادي"، أيّدها الدكتور إمام، الذي أصدر كتاباً يناقض ما كان قد كتَبه سابقاً، وقد أسمى الكتاب: "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم"، وقد رد على هذا الكتاب الدكتور أيمن الظواهري بكتابٍ تمسك فيه بطروحات سيد إمام الأولى، لكن إمام رد على الرد متمسكاً بما أروده في كتابه الجديد.. وما هو شائع اليوم في أوساط الجهاديين الغلاة أن الرجل تراجع عن فكره تحت تأثير السجن.
وإذا كان علماء الأمة قد بينوا فساد الأدلة التي اعتمد عليها سيد إمام في كتبه السابقة، فإن أكبر رد على ما ورد في كتبه؛ هو رد الرجل على نفسه في إطار مراجعاته الفكرية.
أليس عجيباً أن يتراجع إنسان عن نظرياته؛ بعدما رأى خطأها، ثم يتمسك أتباعه بها رغماً عنه!. أليس مؤسفاً أن أكثر من يتلقى اليوم دروساً من كتاب "العمدة" لا يدرك أن سيد إمام قد كتب كتاباً في "ترشيد الجهاد" نسف فيه بنفسه ما خطت يداه من قبل!... وكيف لشباب يافع أن يدرك ذلك كله بلا توعية وإرشاد صحيح... النتيجة المؤسفة لهذا الواقع: هي ولادة أجيال جديدة من المتطرفين، ممن يظن أحدهم أنه يقاتل في سبيل الله، فيما الحقيقة أنه يُغضِب الله!.