بيان مديرية التوجيه: كان حريقاً معتمداً وليس عملاً إرهابياً
من المسؤول عن التضليل الإعلامي في حادثة زحلة؟!
فادي شامية
حسناً فعلت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني -ولو متأخرة نسبياً- بإماطتها اللثام عن ملابسات حادثة زحلة، التي تزامنت مع الزيارة التاريخية لغبطة البطريرك نصر الله صفير إلى المدينة. التحقيقات في الحادثة استغرقت عشرة أيام، نشطت خلالها "المصادر الأمنية الرفيعة"، الحقيقية منها أو الوهمية، في بث الأخبار المضللة حول الموضوع، بما يزيد من حالة الاضطراب السياسي والأمني، وبما يسيء إلى أهالي المنطقة التي ينتمي إليها الموقوفون.
منذ اللحظة الأولى للحادثة كانت الترجيحات متساوية بين فرضيتين:
- الفرضية الأولى تقوم على أساس وقوع انفجار أثناء التحضير لعمل إرهابي مرتبط بزيارة البطريرك صفير إلى زحلة؛ استناداً إلى التوقيت، وإلى أسماء الموقوفين.
- الفرضية الثانية تقوم على أساس حدوث حريق عرضي أو مفتعل، وأن الموضوع لا علاقة له بالإرهاب أو بزيارة غبطة البطريرك إلى زحلة، وذلك استناداً إلى أنه لم يعثر على متفجرات في المكان، ولم تحدث حفرة، ولم تكن على جثة القتيل زياد الحسين أية شظايا، كما أن صاحب "الكاراج"، حيث وقع الانفجار، قد بادر إلى تسليم نفسه، خلافاً لما تكون عليه الحال في الجرائم الإرهابية.
بعد يومين أفادنا مصدر أمني بأن الترجيح الأكبر يميل إلى استبعاد الدوافع الإرهابية، لكنه طلب عدم نشر ذلك حتى تتأكد التحقيقات، وحرصاً على المصداقية الإعلامية. المفارقة أنه في الوقت نفسه نشرت إحدى الصحف اللبنانية على متن صفحتها الأولى؛ أن التحقيقات الأولية أظهرت أن "جهة سلفية حاولت استهداف صفير... خاصة بعدما تبين لعناصر الأدلة الجنائية أن هذه المواد لم تستخدم في مثل أعمال كهذه في وقت سابق". وبعدما أردفت بالقول إنه "تبين عدم وجود عبوة ناسفة معدة سلفاً"، نقلت عن مصادر رسمية –هذه المرة- "أن الأسماء رنانة وأن تنظيماً سلفياً يقف وراء العملية على الأرجح". وقد انتشر هذا الخبر على عشرات المواقع الإلكترونية، فضلاً عن إعادة بثه على غالبية وسائل الإعلام المرئي.
وبعد نشر هذا الخبر قامت صحيفة لبنانية أخرى بنشر خبر أكثر تفصيلاً؛ يؤكد الدوافع الإرهابية، ويحدد بلدة الكرك الشيعية، مكاناً للعبوة المفترضة، "حيث سيسلك موكب البطريرك الأوتوستراد لتبريك كنيسة مار شربل". ومع أن أحداً لم يقل بوجود عبوة منذ اللحظة الأولى؛ إلا أن الصحيفة المذكورة جزمت بأن "زياد حسين كان يقوم بإعداد المتفجرة ووضع أصابع الـ ت.ن.ت بمساعدة خالد حمزة وعامر العجمي وجميعهم من بلدة مجدل عنجر، وأن عطلاً حدث في عملية الإعداد أدى إلى انفجار العبوة ومقتل زياد حسين على الفور". (ذكرت الصحيفة إياها في وقت لاحق أن "عدد الموقوفين ارتفع إلى 9 أشخاص، ومعظمهم من عناصر أصولية معروفة").
وقبل يومين من بيان الجيش المتعلق بالحادثة، بثت غير وسيلة إعلامية، نقلاً عن مصدر مطلع "أن منفذي تفجير زحلة ينتمون لـ "فتح الإسلام"، وأنهم "كانوا يعدون لمخطط إرهابي". وأن شركاءهم حاولوا "تصفية أحدهم الذي يعالج بمستشفى الجعيتاوي كي لا يبوح بما يعرف من معلومات ويكشف السر"!.
وطيلة الأسبوع الماضي سادت أجواء بأن عملاً إرهابياً كان يستهدف البطريرك، الذي شكر الله لاحقاً "على العودة إلى بكركي بسلام"، بناءً على هذا الجو الإعلامي الذي ساد، وشبه القناعة التي تكونت لدى الرأي العام، بوجود خلفية إرهابية للحادثة، جراء البث الإعلامي المنسوب إلى مصادر. وبطبيعة الحال فقد كتب كثيرون عن الروابط بين "انفجار زحلة"، و"البيانات الموزعة شرق صيدا" (تبين أن لا علاقة لجهات أصولية بالبيانات كما جزمت الجهات الأمنية من اليوم الأول، مع أن الصحيفة إياها نشرت قبل يومين خبراً مفاده أن جهة أصولية داخل مخيم عين الحلوة وراء هذه الفعلة الشنيعة).
المهم الآن؛ ليس الدفاع عن جهات أصولية موجودة في لبنان، يمكن أن ترتكب ما هو أشنع من تفجير إرهابي -وقد فعلت-، ولا الدفاع عن بلدة مجدل عنجر، التي تضم –ككل بلدة لبنانية- مواطنين صالحين وأفراداً غير صالحين، وإنما طرح سؤال كبير حول تلك المصادر التي تزود وسائل الإعلام بمعلومات مضللة من جهة، وحول الوسائل الإعلامية التي تنشر هذه المعلومات كأنها حقائق من جهة أخرى، مع ملاحظة هامة جداً، وهي أن هذه "المصادر" تعطي معلوماتها حسب ميول الوسيلة الإعلامية، فتتهم وفق الهوى السياسي، وتبرّئ تبعاً للتوجهات السياسية، في قضايا حساسة على الصعيد الوطني.
بطبيعة الحال، فإن للصحافة اللبنانية الرائدة تقدير ما تراه مناسباً للنشر، سيما أن الحرية الإعلامية يجب أن تكون مقدسة، لكن المسؤولية الإعلامية تحتم علينا –نحن الإعلاميين- أن نكون أكثر حذراً، سيما أن نيات "المصادر" ليست بريئة دائماً، وأن بعض ما يُنشر على أنه معلومات –وليس تحليلات أو آراء أو تخمينات- يحدث أضراراً كبيرة في النسيج الوطني اللبناني.