بعد روايات وهاب وسماحة والسيد:
مَن يسيّس المحكمة الدولية؛ الذي يسلّم بحكمها سلفاً أم من "يفبرك" الروايات عنها؟
فادي شامية- الاربعاء,16 حزيران 2010 الموافق 4 رجب 1431 هـ
يقول السياسيون في لبنان؛ إنهم يريدون أن تكون المحكمة الدولية وسيلةً لإحقاق الحق، بعيداً عن التسييس. هذا ما يريده الجميع في الظاهر، لكن في الواقع، فإن ثمة فريقاً أعلن قبوله المسبق بما سيصدر عن المحكمة الدولية، وصمت بانتظار القرار الظني، وثمة فريق لا يتوقف عن الثرثرة، ونسج الروايات والأخبار المتعلقة بالمحكمة وحكمها المتوقع، بما يشير إلى نية سيئة من جهة، وهلع لديه من جهة أخرى.
لقد كان لافتاً في الأسبوع الماضي، التشكيك بالمحكمة الدولية مجدداً، واتهام قرارها الظني مسبقاً بالتسييس. والأهم أن هذه "الثرثرة" المخلّة بالسلم الأهلي، قد طوّرت نفسها، إلى حد "فبركة" الروايات، وأن جهات سياسية، مشاركة فيما يسمى حكومة الوحدة الوطنية، باتت تفتح منابرها المرئية تكراراً، لبعض الشخصيات، لكي تبث سموماً من شأنها نسف الوحدة الوطنية وإثارة الفتنة، متناولةً أحد أكثر الملفات حساسية في لبنان.
ثلاث وقائع في أسبوع!
ولأنه يفترض أننا في ظل حكومة "وحدة وطنية" تعني تضامناً فصلاً عن عدم إثارة الفتنة، ولأن مسار التشكيك بالمحكمة الدولية بات طويلاً جداً، ووقائعه كثيرة، سواء في ظل الحكومة الحالية، أو ما سبقها من حكومات، فسنكتفي بما سجّلته الأيام القليلة الماضية من وقائع لافتة (خلال أسبوع واحد؛ من 2 ولغاية 9 حزيران).
الواقعة الأولى؛ تمثلت باستضافة التلفزيون العوني لوئام وهاب، في الثاني من حزيران الجاري، حيث أدلى بمواقفه المعروفة من المحكمة الدولية، مضافاً إليها جملة من الشتائم، والتهديدات، والوقائع المروية على ذمته هو، ومما جاء على لسانه حرفياً: "المحكمة الدولية سخيفة، وتافهة؛ هي، وكل قضاتها، ومدّعيها العامين، والعاملين فيها، فهؤلاء مجموعة نصابين وسوف نواجههم."! أضاف: "هذه المحكمة لا قيمة لها وتستعمل بالسياسة، وليس لديها أي دليل على أحد... بلمار نصّاب أكثر من ميليس، وهو يحضّر لنصبة جديدة"، وفي مواجهة احتمال استدعائه كشاهد -على الأقل- قال: "أنا اللي بيطلع لعندي بقصلو راسو"، ثم روى –على ذمته- "خبرية" مفادها أن "أحد" العاملين بالمحكمة قد شرب النبيذ في "أحد" المطاعم، ثم حوّل فاتورة المطعم، البالغة خمسة آلاف دولار، إلى حساب الدولة اللبنانية"!. (على فرض صحة هذه "الخبرية"، فإن المصاريف الخاصة للعاملين في المحكمة الدولية لا تتحملها الدولة اللبنانية ولا المحكمة الدولية).
الواقعة الثانية؛ كان "بطلها" ميشال سماحة، الذي استضافه التلفزيون العوني إياه، في برنامج "الحق يقال"!، في التاسع من حزيران الجاري، فكرر مواقفه المشككة بالمحكمة الدولية، وأضاف رواية –على ذمته أيضاً-، ادعى أنه يعلن عنها للمرة الأولى!، وقد حصلت معه قبل الانتخابات النيابية الأخيرة بأسبوع، حيث كان في مكتب أحد "كبار المسؤولين اللبنانيين"، يوم الثلاثاء ما قبل 25 أيار 2009، فقيل له -ودائماً وفق روايته هو-: "الأحد المقبل سيحصل شيء يفقد المعارضة مصداقيتها، ويسبب شرخاً طائفياً". أضاف سماحة: "السبت 24/5 تصدر الترجمة الإنكليزية، على الموقع الإلكتروني الخاص بدير شبيغل (يقصد المقال الذي يتهم حزب الله باغتيال الحريري)... وأعود لعند المسؤول نفسه، وأسأله: يا أخي، من أين أتيت بهذه المعلومة؟ فيجيب، بعدما ترك مقعده وذهب إلى الشباك وكان محتاراً، (لاحظ السيناريو السينمائي للرواية المزعومة) بأن أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين، كان في مكتبه وقال له ذلك"!. (هنا وقع سماحة بخطأ في الإخراج، إذ كان يجب عليه تبليغ النيابة العامة باسم هذه الشخصية اللبنانية، لأن استقبال مسؤولين إسرائيليين، والتعامل معهم من قبل لبنانيين، خيانة وجريمة في القانون اللبناني!).
الواقعة الثالثة؛ هي ما نشرته صحيفة الأخبار بتاريخ الثامن من حزيران الجاري، وهذا نصه: "تردد أن الفريق الأمني للرئيس الحريري سلّم كلّ المعلومات المتعلّقة بالمحكمة الدوليّة إلى سوريا، وتحديداً كيف أُعدّ الشهود في المحكمة الدوليّة، وتحوّلوا إلى شهود زور، ومن كان المسؤول عن ذلك، وقد كان لوسام الحسن الدور الأساس في هذا الموضوع"!. وقد أورد جميل السيد في اليوم التالي تعليقاً على ذلك، نشرته الأخبار أيضاً، وقد أكد فيه –حسب زعمه-: "دور وسام الحسن في رعاية شهود الزور منذ كان مستشاراً لدى النائب سعد الحريري"، وأضاف: "قبل أن يتولى وسام الحسن رئاسة فرع المعلومات، وحين تلقى اتصالاً من رئيس الفرع حينذاك المقدم سمير شحادة، بشأن اعتراف مجموعة الـ13 التابعة لتنظيم القاعدة باغتيال الحريري، عمد وسام الحسن حينذاك إلى الحضور شخصياً إلى مكتب المقدم سمير شحادة واختليا بالسعودي فيصل أكبر لمدة نهار كامل، ما أدى إلى تراجع هذا الأخير عن إفادته التي كان قد أدلى بها طوعاً ومن دون أي ضغط".( مجموعة الـ 13 مجموعة أصولية مرتبطة بالقاعدة، لكن لا علاقة لها باغتيال الحريري، وقد أطلق القضاء معظم أفرادها الذين أمضوا محكوميتهم، كما أن المحكمة الدولية لم تتهم أياً من أفرادها رغم اطلاعها على الملف كاملاً ومقابلة محققيها لأفراد المجموعة).
تلفيق الأخبار والروايات؛ أليس تسييساً؟!
ما سبق من وقائع، يشير بوضوح إلى تصاعد في وتيرة التشكيك بالمحكمة الدولية، من باب التسييس وتشويه الصورة، فما ذكره وئام وهاب وميشال سماحة من "خبريات" فاقدٌ للمصداقية، ليس لأنه صادر عنهما فحسب، بل لأن الروايات المذكورة أعجز من أن تُصدّق. مع الإشارة إلى أن ميشال سماحة كان قد أورد قصصاً سابقة جازماً صحتها، ليتبين لاحقاً أنها غير صحيحة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد أعلن سماحة قبل عدة أشهر أن زهير الصديق قد قُتل وأذيب جثمانه بالأسيد، ليتبين بعد ذلك أنه حي. كما أعلن سماحة في 27 نيسان الماضي أن "سفراء وضعوا لبنان ليلة أمس في صورة عدوان وشيك" رابطاً بين هذا العدوان وبين قرار المحكمة الاتهامي، ومتوقعاً صدور القرار "في غضون أسابيع"... لكن العدوان الوشيك لم يحصل، وكذلك القرار الاتهامي لم يصدر. بدوره كان مالك جميل السيد قد أعلن سابقاً أن زهير الصديق وُجد مقتولاً في طريق صحراوي بين دبي وأبو ظبي، وقد تبين أيضاً عدم صحة ذلك. (نشرت صحيفة الأخبار أمس الثلاثاء مقالة عن المحكمة الدولية تحدث فيها كاتب المقال أن جهة معنية شرحت لسعد الحريري "التزامن بالمصادفة بين مجموعة –من حزب الله- كانت ترصد هدفاً إسرائيلياً، والمجموعة المشتبه بها في اغتيال رفيق الحريري"!).
إشارة إلى أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، كانت قد ردت في اليوم التالي على ما أوردته جريدة الأخبار بتاريخ الثامن من حزيران لجاري، وما علّق عليه جميل السيد في الجريدة نفسها؛ نافيةً حصوله، ومستغربة "إصرار اللواء المتقاعد جميل السيّد على تكرار رواياته، على الرغم من أن مجريات الأحداث أثبتت عدم صدقية ما يورده من اتهامات".
يذكر أن التلفزيون العوني نفسه، كان قد أورد في 26 حزيران من العام الماضي معلومات مزعومة حول قيام "شعبة" المعلومات ورئيسها بتحضير ملف حول تورط "حزب الله" في قضية اغتيال الرئيس الحريري، وتسليمه إلى رئيس لجنة التحقيق الدولية. ونقلت المحطة في ذلك الحين معلوماتها عن موقع الحقيقة، للصحافي السوري نزار نيوف. وقد ردت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي حينها ببيان أكد "وجود تلاعب فاضح، بحيث تم إثبات وضع مقال نيوف على شبكة الانترنت بتاريخ 25/5/2009 أي بعد نشر تقرير صحيفة دير شبيغل بيومين، بعد إضافة معلومات مفبركة إليه، توجه أصابع الاتهام إلى شعبة المعلومات ورئيسها شخصياً"!.
والسؤال البديهي الآن؛ ألا يعتبر تلفيق الأخبار والروايات حول المحكمة الدولية تسييساً لها من قِبَل من يتهمها بالتسييس؟! وقبل ذلك، ألا يعتبر استمرار هذا المسلسل من العبث بملف حساس كملف المحكمة الدولية تعريضاً للسلم الأهلي للخطر وإثارة للفتنة بين اللبنانيين؟ واستطراداً، إذا كان "حزب الله" قد رفع دعاوى قضائية على وسائل إعلامية، اتهمها بإثارة الفتنة، من خلال بثها أخباراً معينة؛ ألا تعتبر أحاديث وئام وهاب وميشال سماحة وجميل السيد إثارة للفتنة، فضلاً عن كونها تشكيكاً واضحاً بنزاهة القضاء اللبناني، وبوطنية قوى الأمن الداخلي؟!. وفي هذا المجال هل يمكن للتلفزيون العوني أن يتبرأ من مسؤوليته – الأخلاقية على الأقل- عما يدلي به ضيوفه، الذين يستضيفهم بكثافة، وهو يعلم ما سيدلون به بخصوص ملف المحكمة؟!
وبعيداً عن هذا وذاك، ألا يلاحظ القارئ أن ثمة مفارقة جديرة بالاهتمام؟!؛ إذ ثمة فريق في لبنان أعلن تسليمه بحكم المحكمة، حتى عندما أصدرت قرارها بإخلاء سبيل الضباط الأربعة عشية الانتخابات النيابية، وهو ما زال يكرر تأييده التام لما سيصدر عنها، فاصلاً حكمها المنتظر عن علاقاته السياسية بالآخرين، سواء في لبنان أو خارجه، وثمة فريق لبناني آخر لا يكف عن بث الأخبار وتلفيق الروايات، وهو الفريق نفسه الذي يتهم المحكمة بالتسييس؟! الاستنتاج لا يخفى على كل ذي عقلٍ سليم.