هل تعني إدانة السلاح النووي الإسرائيلي عدم إثارة المخاوف من سلاح نووي إيراني؟ وهل صحيح أن عدم التصويت ضد فرض العقوبات على إيران يعني دعماً لـ "إسرائيل"؟!
فادي شامية- اللواء – السبت,12 حزيران 2010 الموافق 29 جمادى اللآخرة 1431 هـ
تتجه أزمة الملف النووي الإيراني إلى مزيد من التعقيد -على ما يبدو- بعد صدور القرار 1929 عن مجلس الأمن، فارضاً حزمة جديدة من العقوبات على إيران. لبنان المنقسم على نفسه حيال هذا الملف (كما بدا واضحاً في جلسة مجلس الوزراء المواكبة لصدور القرار 1929) امتنع عن التصويت، لأنه "لم يتبلور موقف نهائي لدى الحكومة"، كما جاء في كلمة مندوب لبنان في مجلس الأمن نواف سلام.
في هذا السياق كان لافتاً استباق الرئيس نبيه بري جلسة مجلس الوزراء بموقف بارز قال فيه: "إن التصويت بأقل من الموقف التركي ضد العقوبات على إيران هو دعم لإسرائيل"!. فهل صحيح أن مَن صوّت مع العقوبات أو امتنع عن التصويت هو مع "إسرائيل"، وأن من صوّت ضد العقوبات هو ضد "إسرائيل"؟ وإذا كانت كل من تركيا والبرازيل، اللتين صوتتا ضد القرار، تقيمان علاقات طبيعية مع "إسرائيل"، فكيف تكونان ضدها؟! وكيف يصبح لبنان -الممتنع عن التصويت، والذي يعتبر "إسرائيل" عدواً- معها؟!، وما هو الرابط أصلاً بين الموقف من الملف النووي الإيراني وبين العداء لـ "إسرائيل"؟ ثم إذا كان اختلال العدالة الدولية قد غضّ الطرف عن امتلاك "إسرائيل" للسلاح النووي، فهل يعني ذلك عدم إثارة المخاوف من سلاح نووي إيراني أيضاً؟! مع العلم أن لدى إيران والعرب (ولبنان يمثّل المجموعة العربية في مجلس الأمن) كماً كبيراً من الإشكالات، التي تثير مخاوف عربية مشروعة من توسّع النفوذ الإيراني في المنطقة، على حساب العرب، ولو تدثّر بشعار العداء لـ "إسرائيل"!.
على كل حال، ثمة ملابسات عديدة تتعلق بالملف النووي الإيراني، ينبغي التوقف عندها لتبيان سبب وصول هذا الملف تكراراً إلى مجلس الأمن، وسبب المخاوف العربية منه، ولو أن هذه المخاوف لم تعبّر عن نفسها، سوى بالامتناع عن التصويت، ضنّاً بالعلاقة مع إيران، ورغبةً من العرب في تحسينها.
عناصر الشك في سلمية البرنامج النووي الإيراني
تكمن إشكالية البرنامج النووي الإيراني في الشك بسلميته، ذلك أن هذا البرنامج بحد ذاته ليس جديداً، (بدأ أيام الشاه، في الخمسينيات من القرن الماضي، وكان يحظى بمباركة أمريكية)، كما أن جميع دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، كانت قد أكدت مراراً على حق إيران –كما غيرها من دول العالم- في امتلاك الطاقة النووية السلمية، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن إيران لم تنجح، حتى الآن، في إزالة المخاوف من سعيها لامتلاك سلاح نووي، انطلاقاً من الوقائع الآتية:
-
بدأت المخاوف من وجود برنامج نووي عسكري في إيران عام 2002 عندما كشفت جماعة معارضة إيرانية، في باريس، عن وجود أجهزة تخصيب يورانيوم، لا تعرفها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في كل من منشأة ناتانز وآراك، تبعها اكتشاف خامات يورانيوم في مناجم محلية في مقاطعة يزد الإيرانية.
-
على إثر ذلك، وافقت إيران عام 2003 على "اتفاقية إضافية" تحتم عليها الإعلان عن أية منشأة نووية جديدة، في مرحلة التصميم الأولية، لكن إيران لم تلتزم بهذه الاتفاقية أيضاً، إذ تبين لاحقاً وجود منشأة أخرى في قم، "لا يتناسب حجمها مع المنشآت النووية السلمية"، لم تعلن عنها إيران، إلا بعد أن حصلت دول غربية على صور للمنشأة، وبعد 3 أشهر من اختفاء العالم النووي الإيراني شهرام أميري، فاضطرت إيران للإعلان عن المنشأة عند ذلك!.
-
طالبت الأمم المتحدة مراراً إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم، لحين التأكد من "نواياها السلمية"، وتوقيع بروتوكول إضافي يسمح بالتفتيش على النشاط النووي، بما يعزز الثقة، ويزيل الالتباس، لكن إيران رفضت، وقد جاء في التقرير الذي قدّمه مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق محمد البرادعي في أيلول 2009، ما نصه: "لم تعلّق إيران أنشطتها المتعلقة بالتخصيب، ولا عملها في مشاريع مرتبطة بالماء الثقيل، كما يطالب مجلس الأمن، ولم تطبق البروتوكول الإضافي".
-
قام مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، -قبل انتهاء مدة ولايته- بوساطة مع إيران، تقضي بحصولها على محفزات تعهّدت بها الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، فيما لو علّقت إيران تخصيب اليورانيوم. ويشتمل العرض على معاملة إيران مثل بقية الدول الموقعة على اتفاقية منع الانتشار النووي، وحصولها على مساعدات لتطوير محطة طاقة نووية جديدة، وامتيازات تجارية، من بينها احتمال رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، لكن إيران رفضت العرض!.
-
أعاقت إيران تطبيق "مسودة اتفاق فيينا"، التي طرحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، باقتراح أميركي –فرنسي، والتي تقضي بمبادلة إيران كمية اليورانيوم المخصب لديها بنسبة 3%، مقابل حصولها على اليورانيوم المخصب بنسبة 20% عن طريق روسيا وفرنسا، لاستخدامه في تشغيل مفاعل طهران للأغراض الطبية، إذ أعلنت إيران في 9 شباط الماضي أنها باتت قادرة على التخصيب بنسبة 20%، كما اشترطت شروطاً لإتمام التبادل، ما أفرغ الاتفاق المبدئي من مضمونه.
-
في خطوة استباقية لتلافي عقوبات جديدة عليها، وافقت إيران الشهر الماضي على مبدأ التبادل بالتعاون مع تركيا والبرازيل، لكن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوكيا أمانو اعتبر أن الخطوة غير كافية لأن اليورانيوم المخصب لدى إيران ارتفع 362 كلغ إضافياً من تشرين أول المضي، عندما طُرحت فكرة تخصيب 1200كلغ من اليورانيوم خارج إيران، وأن درجة التخصيب في إيران ارتفعت من 3 إلى 20%، وأن إيران لم تقر بعد بشرط وقف التخصيب.
جملة الوقائع المتقدمة تزيد من الشك في سلمية البرنامج النووي الإيراني، الأمر الذي يفرض على إيران طمأنة العالم وإنهاء فتيل الأزمة، وتالياً؛ إراحة المنطقة من مخاطر انتشار السلاح النووي فيها.
ماذا عن الموقف العربي؟!
إزاء هذا الواقع، فقد تعرّضت إيران لثلاث حزمات سابقة من العقوبات، وافقت عليها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بما فيها روسيا والصين، حلفاء إيران مبدئياً.
القرار الأول هو 1737، وقد صدر نهاية في العام 2006، "يمنع إمدادات وبيع أو نقل كل المواد والمعدات والبضائع والتكنولوجيا التي يمكن أن تسهم في الأنشطة المتعلقة بالتخصيب أو المياه الثقيلة". القرار الثاني صدر في آذار2007 يحمل الرقم 1747، و"يمنع التعامل مع البنك الإيراني الحكومي (سيباه)، و28 شخصاً ومنظمة أخرى، معظمها مرتبط بالحرس الثوري الإيراني". وفي آذار 2008 مدد القرار 1803 الحظر على الأصول الإيرانية والسفر على المزيد من الشخصيات الإيرانية.
وبعيداً عن خصوصية موقف تركيا والبرازيل الراهن، فإن أياً من الدول، دائمة أو غير دائمة العضوية في مجلس الأمن، لم ينف شكوكه حول سلمية البرنامج النووي الإيراني، لكن خصوصية الموقفين التركي والبرازيلي، تأتي من كون البلدين -إلى جانب إيران- هم أركان إعلان طهران لتبادل الوقود، الشهر الماضي، وتالياً فإنه لا يمكنهما بعد هذا الإعلان تأييد العقوبات.
السؤال الهام في هذا السياق؛ هو كيف وافقت روسيا والصين على القرار 1929 وعلى ما سبقه من قرارات؟! لا شك أن هاتين الدولتين الكبريين قد راعتا مصالحهما في العالم، فضلاً عن أن إيران لم تساعدهما للدفاع عنها، لدرجة أن روسيا وصفت الخطاب الرسمي الإيراني الأسبوع الماضي بالغوغائية!.
وإذا كان الحال كذلك، ألا يحق للعرب أن يأخذوا مصالحهم بعين الاعتبار -وهم متضررون أصلاً فيما لو تأكدت المخاوف من سعي إيران لامتلاك سلاح نووي - ويمتنعوا عن التصويت – بالحد الأدنى-؟! وهل يجوز أن يكون الموقف العربي – الذي عبّر عنه لبنان- منتـَقَداً في هذه الحال، بدعوى أن "إسرائيل" تمتلك سلاحاً نووياً، فيما كل المشاكل العربية-الإيرانية ما تزال عالقة وتتفاقم، من احتلال الجزر العربية في الإمارات، إلى تخريب الأمن داخل الدول العربية، مروراً بالإصرار ذي الرمزية، على تسمية الخليج العربي بالفارسي، تحت طائلة ملاحقة من تتمكن السلطات الإيرانية من ملاحقته لارتكابه هذه "الجريمة"؟! ثم ماذا قدّمت إيران، الدولة المسلمة، لجيرانها العرب والمسلمين، طول السنوات الماضية، لطمأنتهم ودفعهم للوقوف إلى جانبها، في ما تتعرّض له؟! لا شيء إلا الإسهام في زيادة التوتر وإطلاق التصريحات الهوجاء.
الموقف في لبنان
لقد كان موقف السفير نواف سلام في مجلس الأمن هو الأقرب إلى المنطق –بغض النظر عن ملابسات ما جرى في مجلس الوزراء، وما إذا كان هذا التعادل مقصوداً كجزء من "الإخراج الإبداعي" الحل-، فمن ميزات هذا الموقف:
-
أنه راعى الانقسام اللبناني بين فريقي 8 و14 آذار من الموضوعات الكبرى، بما فيها الملف النووي الإيراني، فلم يعط الغلبة لفريق على آخر.
-
أنه وازن بين الموقف الدولي الراغب بمعاقبة إيران، وبين حرص لبنان على حسن العلاقة مع هذا البلد، الذي يعتبره فريق من اللبنانيين أكثر من صديق.
-
أنه حفظ أمانة تمثيل لبنان للمجموعة العربية، حيث لا يخفى أن غالبية الدول العربية كانت تفضل الامتناع عن التصويت، وهو ما تبلغه الرئيس سعد الحريري خلال جولته العربية عشية صدور القرار 1929.
-
أنه حفظ مصالح لبنان مع الأسرة الدولية، لا سيما أن لبنان بحاجة –إلى جانب وحدته الداخلية- إلى دعم دولي في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، وفي موضوع التجديد لـ "اليونيفيل"، وفي موضوع المحكمة الدولية، وغيرها من الملفات المتعلقة بلبنان.
-
أنه أخرج لبنان من المحاور، وصراع الأمم، وأبعده –نسبياً وإلى حين- عن درب الفيلة، الذي لا يحتمل وضعه الهش أن يكون فيه أو قريباً منه.
بعد هذا العرض ألا يُعتبر من قبيل المزايدة الإعلامية، أن يطالب بعض السياسيين في لبنان، باتخاذ موقف مختلف عن الموقف الذي أعلنه السفير نواف سلام؟! ألا يعتبر غريباً أكثر، اتهام من يسعى لحماية لبنان بأنه بخدم "إسرائيل"؟! واستطراداً، ألم يحن الوقت لكي نتخلص من لغة التخوين، ولكي نقارب الملفات الخلافية، بروحية وطنية، بعيدة عن اقتناص المناسبات للإساءة لبعضنا البعض؟!