عشرة عوائق أمام الطرح السياسي الإسلامي المعاصر
فادي شامية
من خلال متابعة مسار الحركة الإسلامية في عدد من الأقطار العربية والإسلامية، وعبر دراسة متواضعة لواقعها، بما فيه نجاحاتها وإخفاقاتها، فإنه من الواضح أن الحركة الإسلامية اليوم مشتغلة بالسياسة، لأبعد المستويات، وهو أمر مطلوب، لأن الإسلام كل لا يتجزأ - كما هو معلوم - لكن ما يستوقف المتابع هو الأداء السياسي للحركة الإسلامية، الذي ما زال محكوماً بالعديد من المظاهر السلبية، في غير بلد عربي وإسلامي· في هذه العجالة قراءة في أبرز هذه المظاهر السلبية:
1 - سيطرة نظرية المؤامرة:
يستسهل بعض الإسلاميين التبرير لفشلهم السياسي بالحديث عن المؤامرة الكبرى التي تستهدف الأمة الإسلامية عموماً والإسلاميين خصوصاً، ويستشهدون على ذلك بالوقائع التاريخية الكبرى والأحداث الراهنة، وهي وقائع صحيحة لا يمكن إغفالها، لكن الذي لا يجوز هو أن تتحول هذه المؤامرة إلى شماعة يعلق عليها الفشل دائمًا؛ فالكثير من السقطات يمكن تلافيها بالحكمة، والكثير من مظاهر الفشل يمكن أن يتم تجاوزها بالتخطيط السليم، وإن كان ثمة متآمرون في قضايا معينة قرارها بيد أعدائنا، فإن العديد من مشاكلنا هي من صنع أيدينا!·
2 - سيطرة ثقافة الخصام مع السلطة:
ما زال الطرح الإسلامي يعيش أزمة صراعه مع السلطة لدرجة يصعب معها أن تقدم الحركة باتجاه التعامل بإيجابية مع أي سلطة، بل إنه لفرط ما سادت هذه الثقافة في أدبيات الحركة الإسلامية، فإن قيادة هذه الحركة لا تنجو من رفض وتشكيك قاعدتها بها، إن هي فاوضت أو تفاهمت مع أي نظام حاكم، حتى ولو كان في ذلك مصلحة واضحة للعمل الإسلامي عموماً· صحيح أن معظم الأنظمة القائمة تظلم الحالة الإسلامية لاعتبارات عديدة، أهمها أنها تعتبرها البديل الطبيعي لها، لكن هذا الواقع لا يقتضي التعميم، خصوصاً أن الحركة الإسلامية هي التي تصنع في أحوال كثيرة هذا الخصام، من خلال احتشاد ثقافة المواجهة والمحنة في أدبيات الإسلاميين، كأن الزمن توقف في فترة معينة سام فيها النظام العربي الحركة الإسلامية عسفاً وظلما، حتى بتنا لا نتصور أن تلتقي الحركة الإسلامية مع أي نظام قائم عند منتصف الطريق!···
3 - رفض كل مظاهر السياسة الغربية:
يتغنّى الكثير من الإسلاميين بالقيم وبالحضارة الإسلامية رافضين أي مظهر من مظاهر الحضارة الغربية التي تلتقي في جوهرها - وليس بكل تفصيلاتها بالضرورة - مع أسسنا الإسلامية كالحرية، والانتخاب، والأحزاب، وتوازن السلطات والقانون الدولي، وشرعة حقوق الإنسان، فضلاً عن رفضهم المطلق لمفهوم الديمقراطية وآلياتها··· ولا يبذل هذ البعض أي جهد لتنقية هذه المفاهيم من ثوابت الممارسة الغربية المنحرفة فيلجأون إلى التعميم والرفض، ويصمون خطابهم بأيديهم بالرجعية والتأخر، ما يبعدهم عن شعوبهم ويفتح المجال للتشنيع عليهم·
4 - اعتبار النقد الموجه للخطاب، نقداً للإسلام ذاته:
تكثر الانتقادات والمناكفات والصراعات في العمل السياسي، سواء مارسه الإسلاميون أو غيرهم، لكننا نرى لدى رموز وجماهير العمل الإسلامي ظاهرة غريبة تقوم على تضليل الآخر -إن لم نقل تكفيره- إذا ما تجرأ على نقد الطرح الإسلامي في ميدان العمل السياسي، من باب اعتقاد أن كل ما يصدر عن الحركة الإسلامية هو تعبير عن الإسلام نفسه، وهذا غير صحيح البتة؛ لأنه لا يجوز أن تنتقل العصمة والقدسية من المبادئ الإسلامية إلى الاجتهاد البشري، وليس من الكياسة في شيء أن نحمّل أي نقد أو رفض لطرحنا السياسي إلى الإسلام نفسه، لنبرر هجومنا على <الضالين المضلين الذين تجرأوا على دين الله>· إن الحكمة تقتضي من أبناء الحركة الإسلامية أن يبحثوا للآخرين عن ألف سبب يبعدهم عن شبهة رفض الحكم الشرعي، في معرض انتقادهم لطرح الحركة الإسلامية، وفي ذلك مصلحة للإسلاميين ولمنتقديهم على السواء، لأن الحوار المطلوب لا يستقيم تحت سيف التفسيق أو التكفير·
5 - استحضار التاريخ في الحكم على الواقع:
نتيجة بحث تربوي معين نجد لدى شرائح عديدة من الإسلاميين استحضاراً للتاريخ في معرض الحكم على الواقع، ليس من باب الاتعاظ منه وأخذ العبرة، وإنما من أجل محاكمة الآخر على جرم اقترفه أسلافه منذ مئات السنين، ونتيجة وقائع تاريخية أغلبها مختلف عليه يحدث انقطاعاً في التواصل بين العديد من شرائح المجتمع وطوائفه ومذاهبه؛ لدرجة أن العديد من المصطلحات والأحكام الشرعية التي تتناسب مع الواقع في حقبة معينة لا تزال حاضرة في القرن الحادي والعشرين في التعامل السياسي، ومن ذلك على سبيل المثال، تقسيم الأرض إلى دار كفر ودار إسلام، إضافة إلى الوقائع التاريخية المرتبطة بالخلافة ونشوء عدد من الجماعات، والفتن التي وقعت بين المسلمين·
6 - توهم المثالية:
يواكب الطرح الإسلامي مثالية مفرطة تجعل تحققه أمراً مشكوكاً فيه لدى الجماهير الواعية، وسراباً لا يُدرك لدى الجماهير البسيطة التي تؤمن به؛ إذ لا يمكن أن نتصور بحال أن الشر سيختفي جملةً، إذا ما تبنى الناس الطرح الإسلامي··· صحيح أننا نعتقد أن فيه السعادة في الدنيا والآخرة، ولكن هذه السعادة لا تعني بحال من الأحوال أن الشقاء والتعاسة ستغيب عن هذه البسيطة· إن الاعتدال في طرح الحركة الإسلامية عموماً، وفي توقّع نتائجه ضروري حفاظاً على الطرح نفسه·
7 - البعد عن قضايا الناس:
يركز الإسلاميون كثيراً على قضايا الحكم والدولة والفساد في الإدارة والحيدة عن الثوابت، وفي ذلك خير، لكن كثيراً من الناس لا يفقه ذلك أو لا يأبه له··· ما يهم أكثر الناس هو القضايا التي تمسهم بشكل مباشر، المعيشة والمستقبل والأمان والضمان··· ومطالب الحياة المحقة··· وإذا لم يجد المواطن من يحمل همومه من الإسلاميين فسيلجأ لغيرهم!· من جهة أخرى فإنه لا ينفع الإسلاميين الابتعاد عن الملفات السياسية الداخلية، بدعوى أن الموضوع لا علاقة له ببرنامج الحركة؛ لأن الحياد السلبي معناه تغيب الحركة الإسلامية لنفسها وتركها فراغًا في الساحة لا بد أن يملأه غيرها·
8 - حرق المراحل:
إن مراقبة أداء العديد من التنظيمات الإسلامية المشتغلة بالعمل السياسي، يفيد أن فقه التدرج في المراحل والمطالب مفقود في كثير من أحوال العمل الإسلامي، وأنه ليس ثمة تمهيد من المرحلة السابقة إلىالمرحلة التالية، كما أن البعض يطرح المثالية الإسلامية، ويريد أن يغير مجتمعه بين ليلة وضحاها، بدعوى أن المفاصلة بين الحق والباطل تمنع الرضا بأقل من تحكيم الإسلام جملة، فتكون النتيجة - والحال هذه - أن يخسر الإسلاميون طرحهم جملة، خصوصاً إذا ما قام بعض العملاء باختراق ساحتنا وافتعال أمور ينفذها بعض البلهاء، الذين يظنون أنهم يقومون بما هو قربى إلى الله!
9 - غياب الرؤية التفصيلية:
عموماً، ما يزال الطرح الإسلامي بعيداً عن البرامج والاجتهادات الحياتية والسياسية؛ ذلك أن بعض الإسلاميين يعتبرون مشاكل العالم اليوم ما هي إلا نتاج الحضارة الغربية وابتعاد المسلمين عن دينهم، وطالما أنها ليست من صنعهم فهم غير معنيين بحلّها، وعلى المجتمع أن يؤمن بطرحهم لينجلي عنه ما يكّدر عيشه، وما سوى ذلك فلا يعني الإسلاميين بشيء!· هذا الاعتقاد - فضلاً عن كونه غير صحيح - فهو لا يوصل إلى النتيجة الإيجابية، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن بعض الإسلاميين يردّدون شعارات فيها الكثير من التعميم، دون سعي جدّي لتنزيلها على الواقع في برامج ورؤى واضحة·
10 - الفشل في تسويق التحالفات السياسية والانتخابية:
إن مما يلاحظ على أداء الحركة الإسلامية في عدد من البلدان العربية والإسلامية أنها تفشل في الغالب في تسويق تحالفاتها السياسية والانتخابية مع الأطراف الأخرى، خصوصاً إذا كانت هذه الأطراف غير إسلامية، رغم أن الواقع السياسي والانتخابي يفرض في كثير من الأحوال التحالف تحت طائلة الفشل السياسي العام واستضعاف الحركة الإسلامية· ولعل جذور تلك تعود للتربية المبدئية التي يتلقاها أبناء الحركة الإسلامية، وفي ذلك جانب إيجابي واضح، لكن الجانب السلبي يتمثل في عدم القدرة على التعاطي الحصيف مع الواقع الذي يفرض نفسه على الحركة الإسلامية، على اعتبار أن القيادة تحتاج إلى هامش من المناورة السياسية يتيح لها صياغة تحالفات تخدمها في الراهن أو المستقبل؛ الأمر الذي يجب أن يواكبه أبناء وأنصار الحركة الإسلامية بتفهم جيد، وهو ما لا يحصل في كثير من الأحوال، فتصبح القيادة مكبلة في حركتها، أو محرجة مع حلفائها فيما لو جازفت بصياغة تحالفات لا تتقبلها قواعدها·
إن ما سبق ليس إلا جملة من الملاحظات، لا تنطبق على بيئة واحدة، ومناقشة مثل هذه العناوين ليس ترفاً سياسياً وإنما هو واجب شرعي، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب·