فوز لائحة "الوفاق للإنماء" في صيدا
ست سنين مضت بانتظارك يا هذا اليوم!
فادي شامية
ستٌ من السنين مضينَ على آخر إطلالة انتخابية له في مدينته. يومها وقف مكللاً بعقد من الفل العابق برائحة صيدا... وأشار بيديه: "زي ما هيي". في ذلك الغروب وقفنا نستمع لدولة الرئيس؛ نرقب المستقبل ولا ندرك غيبياته... نحلم بغد أفضل ولا ندري قدرّياته. وفي المقلب الآخر، كان خصوم رفيق الحريري، في صيدا وخارجها، يستعدون لما هو أكبر من نصرٍ بلدي، ولما هو أهم من فوز انتخابي.
بعد استراحة الاقتراع، استيقظنا على صفعةٍ لم يُنسنا ألمَها إلا ما هو أوجعُ منها. ومع الفجر فهمنا أن الدنيا قد تكالبت على سرقة صيدا من رفيقها، لكننا لم نفهم كل المؤامرة حتى صباح الرابع عشر من شباط، وما زلنا لا ندرك أبعاد انتخابات العام 2004، إلى أن تقول المحكمة الدولية كلمتها!.
قبل ست سنين، ضاع حلم التوافق، لأن صيداوياً أحجم عن مد اليد، وأصرّ على رفعها، ولأن صيداوياً آخر انحاز إلى الخط نفسه، عن سابق تصورٍ وتخطيط، ولأن أجهزةً أرادت صيدا معلَماً في مخطط حقدها. وبعد حلف التوافق ضاعت البلدية، لأن تحالف "الحريري-الجماعة" لم يتمكّن من الفوز. ثم ضاع الحلم كله، وسط ألسنة النيران في بيروت... فتلاشت الكلمات على الألسنة، وتقيّأت الوجوهُ كوابيسَ لا تكاد تصدّقُها.
تباكوا كما المكلومون، لكنهم عادوا إلى نهجهم في الشتيمة والتخوين. وَعَدُونا بالتنمية فأعاقوها، وحدّثونا في السياسة فأدهشونا، ونادوا بالوطنية... فشاهدنا الارتهان. حشوا آذاننا من خُشُب أقوالهم حتى أوجعوها، وقزّزوا عيوننا من سوء أفعالهم حتى آلموها، وقسمونا ما بين أحرار وأشرار، ومناضلين وعملاء!... واستمروا في النفخ في بوق الفُرقة، حتى يؤمّنوا لحاشيتهم نوعاً من حياة!.
وبعد ست سنين محملةٍ بالأسى والدموع، نادت شقيقة الشهيد بلائحةٍ توافقية، يتناسى فيها المظلوم مظلمته، ويغفر للمسيء إساءته... ولم يقوَ الكلُّ أن يبلع جرحَه مرتين، وما كان أنصار الشهيد ليعصوا لشقيقته الصابرة أمراً، لكن نواميس الحياة كانت غلاّبة، وقد أبت حكمة القدر إلا أن يتمايزَ الناس، في مشهدٍ لا يقوى فيه مثلي على منع قلمه، من أن يسرح فوق القرطاس... ولو حاول!.
ستٌ من السنين مضينَ بانتظارك يا هذا اليوم!. ما كان انتظارُك لانتقامٍ، أو شماتة، وإنما لنُحيي الحلم من جديد... لنمسح عن عيون الحزانى دمعةً أنجبتها لحظةُ يأسٍ سوداء... لنقول لهذا الرجل الذي مات غدراً؛ إن حلَمك نابضٌ يتجدد مع الأجيال فينا... وإن مشهد تحالف الاعتدال الذي أردته قبل الوفاة، هو نفسه يعود كما لو كنت على قيد الحياة... وإن أصواتنا هي الوقود الدافع لقافلة الإنماء، التي تسكن روحك على مر الزمن، وإن سنيّ الانتظار الطويلة ما غيّرت لدينا الأمل بالمستقبل، ولا السعي نحو الأفضل.
ستٌ من السنين يا صيدا ولم نطرد التسامح من قلوبنا، ولكننا أردناها ساعةً، نلملم فيها أشلاء الحلم؛ نرسم بهجته من جديد، ونستعيد أنفُسَنا بفرح؛ ننتزعها من بين أضاليل الشعارات، وافتراءات الاتهامات... ونحمي مدينتنا وبلديتنا ومستقبلنا... ثم نقول لكل صيداوي: هلم يا أخي، فأنا أنت، مهما باعدتنا السياسة، وما كان لعاقلٍ يُبغضَ نفسَه، وما كان لصيداوي "أصيل" أن يحقد أو يشتـُمَ أو يعتدي، وليس كثيراً عليّ أن أفرح بعد الأسى، وليس صعباً عليك أن تهنّأني بعد فوز، فبهذا نربح كلانا، وتربح صيدا أبناءها، ولو عدت إلى نفسِك لوجدتني فيها، اشدد أزرك في المحن، وأدعم حقك في الإحن، فلا يوغر صدرَك المتاجرون، فاللعبة باتت عارية... وقد خسر المبطلون!.
ستٌ من السنين يا صيدا وما خاب الرجاء، فكم أنت عظيمة عندما مزّق أبناؤك، مرتين في أقل من سنة، ذلك الثوب المشوّه الذي حاولوا إلباسك إياه، في النيابة وفي البلدية!. وكم كنت كبيرة عندما أنجبتِ للوطن نجوماً في السياسة والفداء، من وزن؛ رياض الصلح، ومعروف سعد، ونزيه البزري، ورفيق الحريري، ومحرم العارفي، وجمال الحبال... وحامي الجمهورية فؤاد السنيورة، وما زال بطنك يحمل ويضع، وما زال بنوكِ يزرعون في البسيطة أوتاداً، تُخبر التاريخ "حكاياتٍ صيداوية"... لن يملَّ سماعَها أبداً.
ستٌ من السنين، وما خسر الرهان عليك أيها الصيداوي العظيم، وفي هذا الاستحقاق كنت كما أنت دوماً؛ من صميم التخويف تصنع الجرأة، ومن ريح العاصفة تولد الطاقة، ومن سفاهة "الدخلاء" تؤكد الأصالة. فهنيئاً لك يوم أخرست منتحلي صفة الكلام باسم "مزاجك"، بصوت مدوٍ، في العام الماضي. وهنيئاً لك هذا العام، يوم انتزعت حقك في الانتخاب من بين حشرجات رجلٍ ينتحر، ووسط ضجيج إشكالاتٍ مفتعلة وقنابلَ تنفجر، وفي جولة سباقٍ على التقليل من نسبة المقترعين... فما تبدّل "مزاجُك" إلا لتأكيد "مزاجِك"!، وما تغيّرت خياراتك إلا لتتعمق أكثر، وما تحرّكت نتيجة اختيارك إلا لتقول للذين لا يجيدون قراءة الأرقام؛ إن الصيداوي عصي على التطويع، وإن رأسه لا يأكله أحد، وإن قراره لن يصادره أحد... وإنه في كل مرة تريدون أن "تجربوه" بممارساتكم الطالحة، سيلفظكم أكثر... بوسائل صالحة!
وبعد،
مبروك لصيدا، ولجميع أهلها، ولنائبيها، ولـ "جماعتها الإسلامية" فوزَهم. مبروكٌ لسعد رفيق الحريري هذه اللوحة القدرية المعبّرة. مبروك لمحافظ الجنوب، وللأجهزة الأمنية، وقيادة الجيش، وقيادة منطقة الجنوب الإقليمية، نجاحَها الأمني... مبروك للمجلس البلدي الجديد ثقة الصيداويين به...
ومبروك لك يا ريّس، يا ابن صيدا العائد على جناح الشوق إلى بلديتها... وفق الله خطاك، بقدر ما تحمل من عفوية الصيداوي وطيبته... وليكن قرارُك الأول، مسحَ "الأوساخ" عن جدران صيدا الكبرى، بطلاءٍ أبيض، لتفتح صفحَةْ، تحمِلُ الصفحَ... ولتكتب بالأزرق، والأخضر، والأحمر، في سجل صيدا الرائع: "صيدا تسَعُ الجميع، وتحبُّ الجميع...أحبوها كما تحبّكم"!.
[email protected]