سلبية الخطاب السياسي لرئيس "التنظيم الشعبي الناصري"
هذا ما قدّمه نائبا المدينة.. فماذا قدّم أسامة سعد لصيدا؟!
فادي شامية
مرة جديدة انقلب المشهد في صيدا، فبعد التوافق، ثم انهياره، ثم إعادة تعويمه، ها هو المشهد يقفل على سقوط التوافق، نهائياً هذه المرة على ما يبدو، ليستعيد كل فريق خطابه السياسي، تحضيراً للمعركة الانتخابية.
في هذا الجو، تعود سلبية الخطاب والموقف السياسي للنائب السابق أسامة سعد لتبرز من جديد. ومفاد ما درج سعد على قوله؛ إن خصومه السياسيين يتحملون كل ما في هذا البلد من مشاكل!. وفيما خص صيدا، فإن خصومه لم يقدّموا لها شيئاً، وأن الرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري، كلاهما وعد الناس خلال الانتخابات النيابية الأخيرة وعوداً، لم يتحقق منها أي شيء!.
ما قدّمه نائبا المدينة
للبيان، وتتويجاً لمسيرة طويلة من خدمة التنمية في صيدا، أطلقت النائب بهية الحريري 38 مشروعاً تنموياً قبل الانتخابات النيابية الأخيرة. بعض هذه المشاريع دخل حيز الإنجاز، بالتعاون والتنسيق مع الرئيس فؤاد السنيورة، الذي أصبح نائباً عن المدينة.
من هذه المشاريع:
-
المستشفى المتخصص بمعالجة الحروق، عند مدخل صيدا الشمالي، والذي يتم إنشاؤه حالياً بتمويل تركي، وعلى أرض قدّمتها البلدية.
-
متحف صيدا الأثري، على تخوم البلدة القديمة، بعد تأمين دعم له من الصندوقين الكويتي والعربي (يصبح جاهزاً في العام 2013).
-
كلية الصحة بعد إبرام اتفاق ثلاثي بين مؤسسة الحريري، ومالك العقار جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، والجهة التي ستدير الكلية، وهي جامعة بيروت العربية.
-
استراحة صيدا السياحية التي ترمم حالياً.
-
تأسيس دار آل حمود التراثي الذي يقام بهبة من مؤسسة الحريري، بالتعاون مع جمعية صيدا التراث والبيئة، التي ترأسها الحريري، ومع مالكة المبنى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، في المكان الذي قامت عليه مدرسة عائشة أم المؤمنين سابقاً.
-
مشروع استكمال وتطوير وتوسيع المدرسة المهنية التابعة لـ "جمعية المؤاساة" بعد تأمين هبة من مؤسسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
-
مشروع المعهد المهني المتقدم في "دار رعاية اليتيم" في صيدا، بتمويل من أحد رجال الأعمال القطريين.
إضافة إلى مشاريع قيد التنفيذ من قبيل: شق أو توسيع أو تحسين بعض الطرقات، ومشروع الحديقة العامة التي ستنفذ بهبة من الرئيس سعد الحريري، والقسم الجديد من مشروع الواجهة البحرية المكمّل لمشروع الإرث الثقافي، والمدرسة العمانية الممولة من سلطنة عمان في حرم مهنية صيدا، وعددٍ من المشاريع الأصغر حجماً التي يضيق المكان بذكرها.
فضلاً عن الإسهام في حل مشكلة مكب النفايات، التي عجزت البلدية الحالية -رغم الوعود والهبة المقدمة إليها من الأمير الوليد بن طلال- عن حلّها. وكان الرئيس السنيورة قد تمكّن بالفعل من تأمين دعم سعودي بقيمة 20 مليون دولار للتخلص من هذا المكب، بعد إيجاد مكب بديل.
وتكمن أهمية هذه المشاريع في أنها تخلق مئات –إن لم نقل آلاف- فرص العمل في صيدا، فضلاً عن تحويل المدينة إلى منطقة جذب في محيطها، لا أن تبقى مجرد منطقة عبور – كما كان يقول الرئيس السنيورة خلال حملته الانتخابية- وبالتالي ينعكس ذلك على الصيداويين، وموارد دخلهم.
استكمال هذه الحزمة من المشاريع سوف تكون على جدول أعمال المرشح لرئاسة بلدية صيدا محمد السعودي، في حال فوزه في الانتخابات البلدية، على رأس فريق العمل الذي اختاره.
... فماذا قدّم أسامة سعد؟!
إنه مما لا شك فيه أن صيدا بحاجة إلى الكثير، وأن الجهد الإنمائي الذي قام ويقوم به نائبا المدينة، يبقى دون طموح أهالي صيدا والنائبين السنيورة والحريري نفسيهما، لكن ذلك لا يبيح لمن لم يقدّم للمدينة شيئاً يُذكر في سجله، أن يتهكّم على جهد غيره، ويقول: "هذا كله حكي بحكي"، لأن المطلوب ممن يتصدر العمل العام أن يقدّم لمدينته، أو أن يسدد خطوات غيره، إذا وجد فيها خللاً، لا أن يبكي الواقع، ويحمّل مآسيه لخصومه!.
في آذار الماضي قام نائبا صيدا بخطوة إيجابية في مسار تنمية المدينة، حيث وجهت النائب بهية الحريري دعوة إلى ثلاثين شخصية اقتصادية صيداوية، للقاءٍ تحت عنوان: "سبل التعاون من أجل النهوض بمدينة صيدا وتنميتها"، حضره أيضاً الرئيس فؤاد السنيورة، والمهندس محمد السعودي – المرشح الحالي لرئاسة البلدية-، لكن اللقاء لم يعجب النائب السابق أسامة سعد، فأعلن في 14 آذار الماضي أن "صيدا ليست بحاجة إلى تشكيل مجالس لوردات مالية وغير مالية، لا تسمن ولا تغني من جوع، إنما وظيفة (هذه الاجتماعات) الحقيقية تتمثل في خدمة أهل البلاط أو مجلس الحكم المحلي في المدينة برئاسة تيار سياسي فئوي مذهبي"!.
إنها السلبية نفسها التي تتحكم بالأداء السياسي لرئيس "التنظيم الشعبي الناصري"، الذي لم يقدّم لصيدا، منذ أن كان نائباً عنها منذ العام 2002 حتى العام 2009، مشروعاً واحداً لمعالجة مشكلة تنموية واحدة!. أما البلدية التي دعمها وقادها للفوز في العام 2004، فقد كانت إنجازاتها أقل بكثير مما توقعه منها الصيداويون، لا سيما بعد فشلها في التخلص من جبل النفايات الرابض على صدر المدينة، وسقوط كل التواريخ التي كانت قد حددتها تباعاً، للتخلص من هذه المعضلة.
سلبية في السعي إلى "التوافق" أيضاً!
مع حلول الاستحقاق الانتخابي أعلنت النائب بهية الحريري عن طرحها اسم المرشح محمد السعودي كـ "مرشح تزكية"، بعدما نال موافقة الأطراف الأربعة الرئيسة في المدينة. شكّلت هذه الخطوة بحد ذاتها "مبادرة حسن نية" تجاه النائب السابق أسامة سعد، خصوصاً أن السعودي كان - لغاية هذه اللحظة- أقرب منه إلى الحريري، وأن الفريق الذي طرح اسم السعودي قادر على أن يخوض انتخابات يثأر فيها لخسارته في العام 2004 بسهولة، لكنه فضّل لاعتبارات معينة مدّ اليد إلى الآخر، خلافاً لما فعل هذا الآخر –أي سعد- في العام 2004، عندما رفض التوافق، وأصر على المعركة، بدعم من الأجهزة المعروفة حينها، لإضعاف الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
شكّل السعودي لائحته، بروحية إدارية لا تراعي الحسابات السياسية بما فيه الكفاية، فلاقت اعتراضات من "الجماعة الإسلامية"، ومن أسامة سعد. الفريق الأول اعترض على رفض تمثيل الحزبيين، وعلى حجم "الجماعة" في اللائحة، فانسحب وأكد على تأييده للسعودي في بيان مكتوب، فيما اعتبر الثاني – سعد- أن اللائحة غير متوازنة، فهاجمها، وهاجم السعودي، و"تيار المستقبل"!.
حاول السعودي إعادة ترميم اللائحة فتفاهم مع "الجماعة" على أسماء ثلاثة مرشحين، وانحلت المشكلة، فيما بقيت عقدة أسامة سعد حاضرة، رغم موافقة السعودي على أن يتمثل سعد بأربعة مرشحين (إلى جانب خمسة لـ"تيار المستقبل"، والبقية يمثلون العائلات السنية، والطوائف الأخرى في المدينة).
الإشكالية برزت في الأسماء التي قدّمها سعد، رافضاً التفاوض حولها، باعتبار أن للناس كراماتها!. والحقيقة أن بعض الأسماء – على الأقل- التي طرحها سعد مثيرة للجدل، وقد رأى السعودي أن دخولها إلى المجلس البلدي سيؤثّر سلباً على عمله كفريق، وعليه فقد دخلت أكثر من وساطة على الخط، وأبدى السعودي مرونة كبيرة، فقبل إسمين وطلب استبدال اسمين آخرين، ثم بادر بنفسه لتقديم أسماء إلى سعد ليختار هو منها، ثم طلب منه أن يقدّم أكثر من اسم ليختار السعودي منها... ولم يؤد ذلك كله إلى نتيجة. وأعلن سعد وقف الوساطات بقوله: "ليسوا فاكهة ليختاروا منها... هذا أمر نرفضه بشدة لأن الهدف منه فرض إرادة سياسية"!. مرة أخرى، ظهرت سلبية أسامة سعد، لكن في معرض "التوافق" هذه المرة. فهل أن التفاهم على الأسماء، في لوائح "توافقية"، ينتهك كرامة المرشح أو تياره السياسي، كما حاول سعد أن يقول؟! وإذا كان الأمر كذلك فلماذا قدّمت "الجماعة الإسلامية" من تلقاء نفسها ثمانية أسماء للمرشح السعودي ليختار منها، ثم تفاهمت معه على ثلاثة على أساس الكفاءة والاختصاص؟ وهل أن الدنيا تخرب إذا ما استبدل سعد اسماً بآخر من محازبيه؟ ثم ماذا عن حق المرشح لرئيس البلدية في اختيار الفريق الذي يرتاح إليه؟ ألا يعتبر فرض المرشحين على رئيس البلدية القادم انتهاكاً لكرامته وحقه في الاختيار؟ ثم هل يجب أن تقبل بقية الأطراف بأسماء، شديدة العداء لها، وقد كانت تتوعد قبل الحديث عن "التوافق" بحرق البلد إذا خسر أسامة سعد الانتخابات؟! وتالياً؛ هل فعلاً كان أسامة سعد يريد "التوافق"؟! أم أن الرجل لا يمكنه أن يعيش في أجواء التوافق، لأنه دائم السلبية في تعاطيه مع الآخر؟!
... الديمقراطية الصدامية هي البديل!
وإذا كان الدكتور أسامة سعد عاجزاً عن تقديم المشاريع الإيجابية للمدينة، وبالوقت نفسه هو عاجز عن التوافق مع الفريق الآخر، فالحل المنطقي – والحال هذه- أن يذهب إلى الانتخابات، فإن فاز فمبروك له فوزه، وإن خسر فعليه أن يقبل النتيجة، فهل هذا هو خياره فعلاً؟!
ثمة مؤشرات -ليست جديدة- تدعو إلى القول إن الدكتور أسامة سعد يعتمد خطاباً تخويفياً لتحقيق هدفين. الهدف الأول هو التهويل على الأطراف الأخرى في المدينة للتعامل معه بما يتجاوز حجمه الشعبي، وبما يتجاوز نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. أما الهدف الثاني فيرمي سعد من خلاله إلى التأثير على الناخب الصيداوي ولفت نظره إلى أن خسارة الفريق الذي يدعمه أسامة سعد في الانتخابات البلدية سوف يهز استقرار المدينة!.
ما سبق ليس تحليلاً مجرداً من القرائن والمواقف الصريحة، ففي 26 آذار الماضي أعلن سعد حرفياً: "إننا لن نسكت عن التجاوزات وليجرّبونا... وليفهم الخصم أننا لن نسكت هذه المرة". وفي 10 نيسان الماضي قال: "نريده استحقاقاً ديمقراطياً، لا مجزرة ديمقراطية على غرار الانتخابات النيابية، وهو أمر إذا ما تكرر فسيكون لنا موقف آخر"!. أما في 16 نيسان الماضي فقد ابتكر سعد نظرية جديدة في الديمقراطية أسماها "الديمقراطية الصدامية" عندما قال: "إذا كانوا يريدون هذه المرة أيضاً أن يستخدموا هذه الوسائل في العملية الديمقراطية، نحن نقول إن لدينا أيضاً ديمقراطيتنا؛ وهي ديمقراطية صدامية".
ولدى سؤال سعد عن مسوغ هذه التي أسماها "ديمقراطية صدامية"، أشار إلى أن خصمه السياسي "استعمل – في الانتخابات النيابية الأخيرة- وسائل غير ديمقراطية، من نفوذ ورشا". والحقيقة أن الانتخابات الماضية شهدت طفرة مالية غير مسبوقة، استعملها سعد في معركته الانتخابية، وقد وفّرها له حلفاؤه على أمل الفوز، الذي لم يتحقق. لكن، وعلى فرض أن الفريق المنافس استعمل النفوذ والرِّشا، فلماذا لم يطعن الدكتور أسامة سعد بنتائج الانتخابات أمام المجلس الدستوري، ويستعيد مقعده المفقود، مسبباً فضيحة لخصومه، طالما أن الرِّشا التي يتحدث عنها كانت واضحة إلى هذه الدرجة؟! أليس الحرص على الديمقراطية يفترض انتهاج وسائل ديمقراطية أيضاً في مواجهات الحالات المشكو منها؟! (الفارق في الأصوات تجاوز العشرة آلاف صوت، وبمعدل مرة ونصف عما ناله سعد تقريباً).
وكما هو واضح فقد تجلت سلبية أسامة سعد مرة أخرى باعتماده لغة التهديد والوعيد بدلاً من اللجوء إلى القانون، وهي لغة لم تقتصر على الخصوم السياسيين، وإنما طالت وزارة الداخلية نفسها، حيث خاطبها سعد أول أمس بالقول: "نحن عملنا قدر ما نستطيع لتهدئة الأجواء في المدينة، (في الانتخابات النيابية التي خسرها سعد)، وأنتم كنتم غائبين عن المتابعة والمحاسبة لهذه التجاوزات الجسيمة للقانون. الآن لا أعتقد أن أحدًا من أنصارنا ومن إخواننا سيسمح بهذا الأمر"!.
النتيجة السياسية: خسائر بالجملة
إن النتيجة السياسية لهذه النوعية من العمل السياسي هي المزيد من الانحسار الشعبي، وفي هذا الاستحقاق على وجه الخصوص فإن سعد تكبد خسائر بالجملة؛ فهو خسر أولاً صداقة المهندس السعودي، وهي صداقة عمرها أكثر من عشرين سنة، قدّم خلالها السعودي (المعلّم) خدمات كثيرة لتيار سعد، حتى حُسب عليه، وقد آلت النتيجة إلى أن أصبح السعودي بنظر سعد "مرشح الحريري في صيدا"، ومن جهة السعودي فقد بات سعد خصماً. الخسارة الثانية هي خسارة حليفه عبد الرحمن البزري، الذي أعلن صراحة أنه ترك الخيار لأنصاره، ما يعني ضمناً ترك سعد وحيداً، لأن للبرزي اسمين محسوبين عليه في لائحة السعودي. أما الخسارة الثالثة فستكون النتيجة المتوقعة بعد فرز الأصوات.
... في الثالث والعشرين من الجاري سيمضي الصيداويون نحو صناديق الاقتراع، دون أن يؤثر فيهم التخويف، فتاريخ صيدا -القريب والبعيد- يشهد أن من يهوّل على أهل هذه المدينة هو الذي يخسر في النهاية... وإن 23 أيار لناظره قريب.