بعد سقوط التوافق في صيدا: أي مسار ستأخذه المعركة الانتخابية؟
فادي شامية – الأمان7-5-2010
لم يكن يتوقع أحد أن تتوافق القوى السياسية المؤثرة في صيدا على مرشح لرئاسة البلدية، إلى أن طُرح اسم محمد السعودي، من قبل النائب بهية الحريري، باعتباره رجلاً ناجحاً في عالم المال والأعمال، وقريباً بالوقت نفسه من خصمها الدكتور أسامة سعد. نال الرجل موافقة الأطراف الأربعة الأساسية؛ الحريري، وسعد، و"الجماعة الإسلامية"، والدكتور عبد الرحمن البزري. لكن الموقف ما لبث أن تبدّل قبل أيام، بعد أن أعلنت "الجماعة الإسلامية" انسحابها من اللائحة، وبعد أن عقد أسامة سعد مؤتمراً صحفياً، يوم الثلاثاء الماضي، اعتبر فيه أن "المرشح محمد السعودي لم يعد مرشحاً توافقياً أو مستقلاً، بل أصبح مرشح تيار الحريري في المدينة... وأن كل الخيارات باتت واردة".
لماذا سقط التوافق؟
شكّل سقوط التوافق في صيدا نوعاً من المفاجأة، على اعتبار أن المرشح محمد السعودي قريب من النائب السابق أسامة سعد، وأن الأخير ليس بمقدوره إيصال مرشح محسوب عليه بشكل كامل، فيما لو خاض غمار المعركة الانتخابية، استناداً إلى الفارق الشاسع في النتائج بينه وبين النائب الحريري في الانتخابات النيابية الأخيرة (نال أسامة سعد 13512 صوتاً، ونالت بهية الحريري 25460). ومن جهة تيار "المستقبل" فإنه بدا واضحاً الرغبة لديه في تجنب معركة انتخابية في المدينة منذ البداية، لاعتبارات خاصة بالتيار نفسه. أما "الجماعة الإسلامية" فإن طرحها الأساس هو التوافق في صيدا، منذ العام 1998، لذا فقد لاقى المرشح السعودي ترحيباً من قيادتها فور طرح اسمه، رغم أن الرجل لم يكن له سابق علاقة بالجماعة، ورغم أن طرحه مرشحاً لم يكن منسقاً مع الجماعة كما كان يُفترض. أما الدكتور عبد الرحمن البزري فقد جاء تأييده التوافق على أساس أن هذا السيناريو جعله خارج المحاسبة الشعبية والانتخابية، وبناءً على أن حليفه أسامة سعد لم يكن بمقدوره الدفاع عن إنجازات البلدية، أو تبنيها فيما لو خاض معركة انتخابية.
بعد الموافقة التي أبداها الجميع على التوافق، أخذ المرشح محمد السعودي وقته لإعداد "اللائحة البلدية"، وخلال هذه الفترة، اصطدمت "الجماعة الإسلامية" برفض السعودي ضم مرشحين حزبيين على لائحته، الأمر الذي عنى خروج الجماعة من التشكيلة البلدية باعتبار أن الآخرين في صيدا عائلات سياسية أكثر منهم حالات تنظيمية، كما أوضح السعودي نفسه لاحقاً. وإزاء هذا الواقع، وبعدما بات تمثيلها محصوراً بمرشحين اثنين، أعلنت الجماعة انسحابها من اللائحة، وأعلن المسؤول السياسي لـ "الجماعة لإسلامية" في الجنوب بسام حمود، أن لائحة السعودي باتت "لائحة غير توافقية، ولا تمثّل الجماعة، ولا تلزمها بشيء... وأن الجماعة تدرس خياراتها".
وبعد ذلك بيومين أعلن النائب السابق أسامة سعد أن طرح التوافق كان "عملية خداع" لجأت إليها النائب الحريري، وأن المرشح "السعودي أخلّ بتعهداته"، وأن "غالبية أعضاء اللائحة ليسوا مستقلين، بل هم إما ملتزمون بتيار الحريري، أو يدينون بالولاء السياسي لهذا التيار وقيادته... وأن الخيارات كلها باتت مفتوحة".
وقد ردت النائب الحريري على هذه الاعمات بالتاكيد على توافقية المرشح السعودي وعلى أن المرشحين معه "محسوبون على صيدا وليس عليها". أما المرشح السعودي، الذي بدا أن علاقته باتت أكثر من وطيدة مع "تيار المستقبل"، مضى في إعلان لائحته مدعوماً من هذا التيار، ومن رئيس البلدية الدكتور عبد الرحمن البزري، متجاهلاً سقوط التوافق على لائحته من قبل تيارين رئيسين في المدينة، ما جعله ولائحته في خانة "تيار المستقبل"، رغم أن "الجماعة الإسلامية" حرصت على تحييده شخصياً عن النقد.
مسار المعركة ومعطياتها
لا شك أن سقوط التوافق قد رفع من حرارة المعركة الانتخابية، فامتعاض كل من: "الجماعة الإسلامية" ومن خلفها التيار الإسلامي، والنائب السابق أسامة سعد، ومن خلفه "اللقاء الوطني الديمقراطي"، سيجعلهم لاعبين في الميدان الانتخابي؛ إما من خلال الحض على الامتناع عن التصويت أو من خلال دعم مرشحين منفردين أو مجتمعين، لكن ذلك لن يسقط -على الأرجح- لائحة السعودي، التي تبقى الأقوى (إلا إذا قرر السعودي الانسحاب من المعركة) وإنما سيسهم أكثر في تصنيفها في إطار فريق سياسي، خلافاً لأساس تشكيل اللائحة.
هذا الواقع يعني أن المواجهة الحقيقية ستكون بعد الانتخابات، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار المعطيات الآتية:
-
شعور كل من "الجماعة الإسلامية" ومن معها، والدكتور أسامة سعد ومن معه، بالغبن مما جرى، الأمر الذي سيترك أثراً على العلاقات السياسية داخل المدينة، إضافة إلى تأثيره السلبي على العمل البلدي.
-
حدوث شرخ واضح في علاقة "الجماعة الإسلامية" بـ "تيار المستقبل" في صيدا، بعد أكثر من اثني عشر عاماً من التحالف في كل المحطات الانتخابية، ما يعني تبدل الأرضية التي ستنطلق منها علاقة الجماعة بالتيار من الآن فصاعداً، رغم تأكيد الجماعة أن "العلاقة بينها وبين تيار المستقبل أكبر من القضايا الانتخابية"، كما جاء على لسان المسؤول السياسي لـ "الجماعة" في الجنوب.
-
ابتعاد الدكتور عبد الرحمن البزري عن حليفه الدكتور أسامة سعد في هذا الاستحقاق الانتخابي، إذ في الوقت الذي اعتبر فيه سعد أن التوافق قد سقط، أصر البزري من جهته على دعم المرشح السعودي، واعتباره "حصته في البلدية"، فضلاً عن لحظ التشكيلة البلدية مرشحين محسوبين عليه. مع الإشارة إلى أن اهتزازات عديدة كانت قد شهدتها علاقة البزري بسعد في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد الانتخابات النيابية.
-
فشل "تيار المستقبل" في تحقيق التوافق الحقيقي -إذا كان فعلاً هو المقصود-، وإمكانية تحقيق نتيجة أفضل، لو خيضت الانتخابات بالتحالف مع الجماعة، فيما لو كان عنوان التوافق مجرد تكتيك انتخابي. وفي الحالتين، فإن هذا الواقع سيزيد من عبء المسؤولية على النائبين الحريري والسنيورة، لا سيما مع اهتزاز العلاقة بـ"الجماعة الإسلامية"، فضلاً عن أن علاقة "المستقبل" بالنائب السابق أسامة سعد سيئة أصلاً.
على كل حال؛ فإن المفاجآت تتوالى في صيدا، والمشهد الانتخابي الذي تبدو عليه عاصمة الجنوب الآن، قد لا يكون نفسه بعد أيام قليلة.