بعد الانهيارات المالية الأخيرة:
دبي تتعافى اقتصادياً وأبو ظبي تقوى سياسياً
دبي- فادي شامية
تتويجاً لنهضتها الاقتصادية والعمرانية الكبيرة في العقدين الماضيين، سمحت دبي في العام 2002 للأجانب بشراء عقارات في الإمارة، ومنحتهم تسهيلات تجارية وعقارية غير موجودة في كثير من البلدان، الأمر الذي جذب آلاف المستثمرين حول العالم، وجعل من دبي إمارة أممية بامتياز، وقد أدى هذا التطور إلى طفرة هائلة في مجال البناء، وارتفاع مضطرد في الأسعار، إلى أن وقعت دبي فيما يعرف اقتصادياً باسم "الفقاعة العقارية"، التي انفجرت العام الماضي، ونتج عنها تدهور كبير في أسعار العقارات، وتراجع في حجم السيولة، وإفلاس عدد من الشركات. وكما هو معروف فإن دبي هي واحدة من سبع إمارات تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة، لذا كان من الطبيعي أن تقف إلى جانبها بقية الإمارات، ولا سيما إمارة أبو ظبي؛ الإمارة الأكبر والأغنى، وبالفعل فقد أنجدت أبو ظبي جارتها دبي بنحو عشرين مليار دولار، ولكن بثمن سياسي، يتعلق بالسياسة الخارجية لإمارة دبي، وتحديداً بحدود علاقتها التجارية والسياسية بإيران.
دبي رئة هامة لإيران
تعتبر إيران شريكاً هاماً للإمارات العربية المتحدة في المجال الاقتصادي، وتُعد دبي تحديداً، الرئة التي تتنفس منها إيران، في ظل الحظر المفروض عليها، منذ انتصار الثورة الإسلامية.
ويشير كثير من المراقبين إلى دور أساس لعبه الحظر المفروض على إيران في الصعود الاقتصادي لدبي، إذ أن بضائع كثيرة لا يمكن أن تدخل إلى إيران مباشرة، نتيجة الحظر، كانت تدخل فعلياً إليها عن طريق مرورها عبر الإمارات، ثم إعادة تصديرها إلى ميناءي قشم وبندر عباس الإيرانيين، وغيرهما من الموانئ البحرية القريبة مسافة عدة ساعات فقط من الإمارات. ومثل ذلك أيضاً يمكن أن يقال عن القطاع المصرفي.
هذا الواقع، مضافاً إليه الانفتاح والتطور الاقتصادي الكبير الذي شهدته الإمارات العربية عموماً، ودبي خصوصاً، سمح بوجود نحو 10 آلاف شركة إيرانية في الإمارات، بحسب إحصاء وكالة "الأسوشيتد برس". كما أدى إلى وجود نحو450 ألف إيراني في الإمارات، يعيش 350 ألفاً منهم في دبي وحدها (أضعاف عدد سكان الإمارة الأصليين). ويسجل الميزان التجاري بين دبي وإيران أرقاماً عالية جعلت من الإمارات أكبر مورد (ترانزيت) إلى إيران. ويقول تقرير أميركي كتبه كرستوفر ستيوارت في العام 2008 على موقع US LAW أن نحو 40% من السلع المستوردة من الولايات المتحدة إلى الإمارات، والبالغة قيمتها نحو 12 مليار دولار، تذهب إلى إيران عبر دبي، على وجه التحديد.
أبو ظبي تفرض تغيير سياسة دبي
مما لا شك فيه أن سياسة دبي الخارجية وعلاقتها بإيران لم تكن موضع ترحيب من أبو ظبي، لكن قوة دبي الاقتصادية خلقت لها حيثية متمايزة عن بقية الإمارات، دون أن تكون أبو ظبي قادرة على فرض رؤيتها للسياسة الخارجية لهذا البلد الاتحادي، إلى أن وقعت إمارة دبي في عجز مالي واضح مع نهايات العام الماضي، فاستغلت أبو ظبي الفرصة للحد من نفوذ إيران عن طريق إحكام السيطرة على السياسة الخارجية المتبعة في الإمارات، وعلى هذا الأساس تدفقت السيولة النقدية إلى دبي، مقابل تخفيف ارتباطها الاقتصادي بإيران.
وقد أسهمت مساعدة أبو ظبي المالية في تعزيز وحماية الاتحاد من جهة، وفي تعزيز مكانة أبو ظبي السياسية من جهة أخرى، فقد استطاعت الأخيرة في فرض تغيير اقتصادي وسياسي في دبي، التي تتعافى اليوم تدريجياً من الأزمة الحادة التي أصابتها، بعد تأمين السيولة النقدية اللازمة، وانتقال بعض الأصول فيها للملكية الظبيانية (نسبة إلى أبو ظبي).
وبحسب متابعين فإن علاقة أبو ظبي الوثيقة مع الولايات المتحدة، ونزاعها مع ايران حول ملكية الجزر الثلاثة المحتلة، وخشيتها من إيران نووية، ومن التوسّع الإيراني في الخليج العربي بشكل عام، شكّلت عوامل دافعة للحد من النفوذ الإيراني داخل دبي.
وحول خرق العقوبات المفروضة على إيران منذ نحو ثلاثين عاماً، يفصّل متابعون إماراتيون المسألة، باعتبار أن هذه العقوبات على نوعين؛ نوع فرضته الأمم المتحدة ولم تخرقه دبي أبداً، ونوع فرضته الولايات المتحدة من خارج الأمم المتحدة، وهو غير ملزم لسائر الدول، وتالياً لم تلتزم به دبي دائماً، لكن يبدو أن الوضع تغيّر الآن بعد الدعم الذي أمّنته أبو ظبي لدبي.