الإحباط يولّد التطرف والقهر يتحوّل إلى غضب كامن
تيار "المستقبل" على طريق التحوّل إلى حزب سياسي: ما هي العقبات التي تواجهه شعبياً؟
فادي شامية - اللواءالجمعة,9 نيسان 2010 الموافق 24 ربيع الآخر 1431 هـ
دخل تيار "المستقبل"، اعتباراً من الأسبوع الماضي، في المراحل العملية من مسيرة تحوّله إلى حزب سياسي، وذلك بعد إتمام وضع الهيكلية الجديدة من قبل لجنة خماسية، شكّلها الشيخ سعد الحريري، وهي تضم كل من؛ منسق عام قطاع الشباب في التيار أحمد الحريري، ومساعده صالح فروخ، والنائب السابق مصطفى علوش، ونقيب المهندسين السابق سمير ضومط، والمهندس فايز مكوك. ومن المتوقع أن يلي ذلك تشكيل مجلس سياسي، وتعيين مسؤولين جدد في المناطق.
وبعيداً عن المخاض التنظيمي لهذا التحوّل الهادىء، ودون الغوص في أسماء الوجوه الجديدة التي سيظهّرها هذا التحوّل، ومن دون التوقف أيضاً أمام ما يحكى -أو ما قد يحكى- عن عقبات قد تحدث، فإن تيار "المستقبل" يعاني من عدة إشكاليات على الصعيد الشعبي، أكثرها مفروض عليه، بحكم التغيرات الداخلية والخارجية.
لقد حظي التيار في الآونة الأخيرة بأكبر كتلة نيابية، وبأوسع تمثيل شعبي، كما حظي بتأييد أكثر من 80% من الشارع السني، وربح وحلفاؤه الانتخابات النيابية الأخيرة -خلافاً لما كان خصومه يمنون أنفسهم- ومع ذلك فلم ينجح في تغيير المعادلات الداخلية، ولا التخلص من "صيغة اتفاق" الدوحة، التي ما تزال تحكم الواقع اللبناني، بالرغم من فوز فريق 14 آذار في الانتخابات؛ وقد تمثّل ذلك على وجه الخصوص في إعادة انتخاب الأستاذ نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، وبتشكيل حكومة بثلث معطل مموه، وبعد مخاض طويل وصل خلاله الشيخ سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، ولكن بثمن كبير اضطر إلى دفعه إلى خصومه السياسيين.
وتالياً، ومع ابتعاد النائب وليد جنبلاط عن "14 آذار"، تراجعت قدرة تيار "المستقبل" على المناورة، وتكرّست "صيغة الدوحة" في الواقع السياسي، وبشكل أكثر سلبية من المتوقع، ما أدى إلى شلل حكومي واضح. وعلى الرغم من أن الرئيس سعد الحريري كان قد وعد بطرح الثقة بحكومته في حال تحوّلت إلى حكومة "شلل وطني"، فإنه من غير المتوقع أن يقدم على هكذا خطوة في المدى المنظور، لأن أية صيغة جديدة غير مضمونة النتائج، فضلاً عن الخطر على السلم الأهلي، الذي سيتأتى من هكذا خطوة، خصوصاً أن ثمة من يذّكر في كل مناسبة، بالسابع من أيار، لفرض ما يريد.
لكن هذا الواقع ليس هو الأهم، فجمهور "المستقبل"، والسنة على وجه الخصوص، يشعرون منذ ما بعد الانتخابات النيابية الأخيرة بإحباط كبير، إذ يبدو التيار الأكثر تمثيلاً لهم، أي تيار "المستقبل"، محكوماً بسقف تفاهم إقليمي يفرض عليه سقفاً سياسياً محدداً، وخطاباً إعلامياً مختلفاً، مع ما يعني ذلك من فقدان للقدرة على صد الهجمات السياسية -غير المتوقفة- لخصوم التيار من جهة أولى، ولفقدان القدرة على التعبئة من جهة ثانية، ولتململ -لا يمكن التغاضي عنه- لدى المؤيدين نتيجة التبدلات الحاصلة، من جهة ثالثة.
يضاف إلى ذلك التراجع الكبير في الخدمات الاجتماعية، والتقديمات المالية، التي كان التيار يقدّمها، وهو تراجُع طال هياكل التيار المرئية و"غير المرئية" أيضاً، وبشكل لا يمكن إلا أن يؤثر على حضور "المستقبل" في أكثر من مكان، لا سيما أن خصوم "المستقبل" يعملون في معاقله بجدٍ، لملء أي تراجع يمكن أن يحدث، وهم مدعومون بشكل جيد؛ مالياً، وسياسياً، وإعلامياً – وحتى عسكرياً، من خلال عناوين ذات علاقة بـ"المقاومة"-.
ليس هذا فحسب، بل إن الواقع السياسي اللبناني بشكل عام، بات أكثر خضوعاً لمتطلبات المرحلة الجديدة، والمنحنى البياني لخطاب السياسيين، المصنفين مع هذا الفريق أو ذاك، وأولئك التوافقيين، القدامى منهم والجدد، يُظهر ذلك بوضوح عند المتابعة. وهذا الواقع يفرض ضغطاً إضافياً على "المستقبل"، وتالياً على جمهوره، وهو أمر قد يظهر في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
ولأن تيار "المستقبل" بهذا الوضع غير المريح، ولأن المعادلات التي تحكم الوضع اللبناني بهذه الصورة، فإن خصوم المستقبل و"14 آذار" عموماً، يصورون المشهد اللبناني على أنه انتصار خط على آخر. وبغض النظر عن صحة هذا التصوير من عدمه، فإن هذا الواقع لا يعني بالضرورة التحوّل إلى حالة استكانة دائمة، فالإحباط يولد التطرف أحياناً، وفي أحيان أخرى يتحوّل الإحساس بالقهر إلى شعور كامن، لا يلبث أن يستيقظ عند وقوع حدث ما، ولكن بصورة جديدة.