"إبعاد القرضاوي عن جمعية "البلاغ" القطرية:
أزمة موقع "إسلام أون لاين"
فادي شامية
للأمس القريب كان يعتبر موقع "إسلام أون لاين" (120 ألف زائر يومياً)، أحد أهم المواقع الإسلامية في العالم. بعد عشر سنوات على إطلاقه، تفاقم الخلاف بين إدارة الموقع في مصر والجمعية التي تملكه في قطر.
البدايات الكامنة للأزمة أخذت شكل نقاشات واعتراضات أبداها مؤخراً أعضاء في مجلس إدارة جمعية "البلاغ" القطرية، على السياسة التحريرية لموقع "إسلام أون لاين"، لكن الخلافات ظهرت بوضوح مع تغيّر مجلس إدارة الجمعية، التي تملك الموقع الإسلامي الأشهر، وتبنّي غالبية المجلس الجديد سياسة تحريرية متشددة، خلافاً للاتجاه المنفتح الذي اعتمده الموقع منذ إطلاقه نهاية العام 1999.
ومع رفض إدارة الموقع في القاهرة اعتماد السياسات الجديدة لجمعية "البلاغ"، متسلحةً بمبدأ حَكَمَ علاقة الإدارة بالجمعية منذ تأسيس الموقع وهو: "عدم تدخّل الممولين في عمل الموقع"، أقدمت الجمعية المذكورة على قطع بث الموقع من مصر وتحويله إلى قطر، في خطوة أثارت غضب الموظفين في الموقع (عددهم 350 غالبيتهم من المصريين، إضافة إلى نحو 400 مراسل منتشرين في العالم العربي وأوروبا وأمريكا).
وعلى أثر هذه القرارات وجّه العاملون في موقع "إسلام أون لاين" رسالة تظلّم إلى العلامة يوسف القرضاوي، بصفته رئيس مجلس إدارة جمعية "البلاغ"، لكن رغم طمأنة القرضاوي للموظفين، فقد أرسلت الجمعية القطرية محامياً لاستلام المقر بكل ما فيه، وللتحقيق مع الموظفين وإبلاغ بعضهم بالصرف من العمل، فما كان من الموظفين إلا أن تضامنوا مع بعضهم، مهددين باستقالة جماعية، الأمر الذي اعتبره غالبية أعضاء مجلس إدارة الجمعية القطرية تمرداً.
ويعكس الخلاف بين الجمعية القطرية وإدارة الموقع خلافاً أعمق بين الاتجاه السلفي، والاتجاه "الإخواني" (نسبة إلى الإخوان المسلمين)، إذ تريد الجمعية القطرية من الموقع أن يتجه اتجاهاً سلفياً بشكل كامل، وألا تكون له علاقة بالسياسة، أو بالفن، أو بالقضايا الاجتماعية التي كان يتطرق إليها.
ونظراً لأهمية موقع "إسلام أون لاين"، ولتأثيره الكبير (يبث عبر عدة لغات)، فقد اهتمت كبريات الصحف العالمية بالموضوع، ونقلت صحيفة الغارديان عن محللين أن "الاحتجاج يعبّر عن نوع من الخلاف بين رؤيتين؛ الأولى سلفية نصوصية، والأخرى إصلاحية".
الأزمة لم تقتصر على هذا الحد، فقد انتقلت إلى قطر نفسها، فالقرضاوي أيّد إدارة الموقع، لكن باقي أعضاء مجلس الإدارة، من ذوي التوجهات السلفية، رفضوا التعاطي بإيجابية مع مطالب إدارة الموقع في مصر، ما عكس خلافاً داخل مجلس إدارة جمعية "البلاغ الثقافية".
ويبدو أن القرضاوي كان واثقاً من أن أي قرارات تعسفية بحق العاملين في مصر لن تصدر -باعتباره رئيس مجلس الجمعية-، وهو أعلن ذلك عبر قناة الجزيرة يوم الأحد قبل الماضي، معتبراً أن "قطر حريصة على استمرار مشروع إسلام أون لاين وكانت قد دعمته منذ إطلاقه". لكن المفاجأة تمثّلت بقرار أصدره وزير الشؤون الاجتماعية في قطر، مساء الثلاثاء (23/3/2010)، قضى بحل مجلس إدارة جمعية "البلاغ الثقافية"، وتعيين مجلس إدارة مؤقت؛ ليس من بين أعضائه العلامة القرضاوي. ما يعني أن وزير الشؤون الاجتماعية تبنى توجهاً مغايراً لتوجه العلامة القرضاوي.
وقد تلقى الموظفون في "إسلام أون لاين" القرارات الأخيرة باستياء بالغ، ووصفوها بأنها قرارات تصفية مشروع "إسلام أون لاين"، معلنين تضامنهم مع القرضاوي، وتحضيرهم لإطلاق "مبادرة عالمية لإنشاء مشروع جديد يحمل فكر الوسطية والاعتدال، ويكون مفتوحاً للاكتتاب العام عبر العالم، وذلك تحت عنوان (مبادرة إعلام الأمة)". وقد أكد بيان لاحق عن العاملين في "إسلام أون لاين" وقوف القرضاوي معهم، وتمحسه لفكرة إطلاق موقع جديد سيعلن عنه قريباً، بدعم من القرضاوي.
وفي اتصال مع هشام جعفر، رئيس تحرير "إسلام أون لاين"، أوضح أن المشروع الجديد سيكون شركة مساهمة مفتوح الاكتتاب فيها لمن يرغب حول العالم. وأن أولى المساهمات ستكون من موظفي إسلام أون لاين، بعد قبض مستحقاتهم من جمعية "البلاغ"، التي لم يقبضوها بعد، مع التأكيد على عدم تدخل الممولين بسياسة الموقع.
وبرأي متابعين فإن توجهات دينية ضيقة، ساندها وزير الشؤون الاجتماعية، قد أفضت إلى الإطاحة بالقرضاوي وبمشروع "إسلام أون لاين" بشكله المعروف. بينما يذهب آخرون إلى القول إن ضغوطاً خارجية على قطر، أدت إلى هذا القرار.
وكان العاملون في "إسلام أون لاين" أصدروا بياناً شرحوا فيه بعض جوانب الأزمة - من وجهة نظرهم-، وكان اللافت في هذا البيان تساؤله "إذا كان قرار الإقالة (إقالة القرضاوي) يحظى بدعم جهات أعلى في الدولة القطرية"، مؤكدين أن الأمر يحتاج إلى توضيحات، خاصة أن (المهندس) علي العمادي، الذي يعد المحرك الأولى للأزمة، والعضو في المجلس المؤقت، هو من تولى إبلاغ مكتب القرضاوي بمضمون القرار، في حين أن أبسط قواعد اللياقة في التعامل مع شخصية بحجم القرضاوي كانت تستوجب نمطاً مختلفاً تماماً".
وقبل يومين أصدر العاملون في إسلام أون لاين بياناً آخر، انتقدوا فيه "الانحياز غير المهني، أو حتى المنطقي، لتغطية الجزيرة، منذ اندلاع الأزمة بيننا وبين فريق من مجلس إدارة الموقع في الدوحة، حيث كانت الجزيرة للأسف قناة الرأي الواحد، وفضحت من حيث لا تدري طبيعة الأزمة، مثبتة بانحيازها أن الدولة القطرية تقف خلف تلك المجموعة التي افتعلت الأزمة".
وفيما لم تتكشف بعد خلفيات كل ما جرى، فإن المؤكد أن موقع "إسلام أون لاين" لن يعود كما كان، وأن توجهات أقل انفتاحاً ستُفرض عليه، ما يعني تراجع دوره. و أما بخصوص المشروع البديل -في حال قيامه فعلاً- فإنه ينبغي أن تمر فترة غير قليلة للحكم على نجاحه من عدمه.