إفتكار البنداري
ومن بين هذه الحوادث قيام شخصيات حزبية بتمزيق عدد من الأحجبة في أحد الشوارع، وإبعاد طالبات من مدارسهنَّ لارتدائهنَّ الحجاب خارج المدرسة رغم التزامهنَّ بخلعه داخلها، وطرد طالبات من قاعة المحاضرات بالجامعة لارتدائهنَّ قبعات تحايلنَّ بها على قرار منع الحجاب.
وأمام قمة حقوق المرأة التي استضافها فرع المرأة في حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل أيام قال أردوغان تعليقا على هذه الحوادث: "دعوا الناس يرتدون ما يحبون، ودعونا نحترم بعضنا البعض، ونترك لهم الحرية في اختياراتهم الشخصية؛ لأن كسر القلوب (بحرمان الناس من ممارسة حقوقهم) أشد سوءا من هدم الكعبة"، بحسب تعبيره الذي نقلته صحيفة "حريت" التركية هذا الأسبوع.
وجاء انتقاد أردوغان لما يسميه عدم احترام حق النساء في ارتداء ما يخترنَه بعد يوم واحد من قيام قياديين في حزب الشعب الجمهوري، أشد الأحزاب معارضة وعلمانية، بتمزيق الحجاب ظهرا في أحد شوارع مدينة ميرسين جنوب غرب البلاد.
فخلال الاحتفال بالذكرى الـ 86 لسقوط الخلافة الإسلامية (التي سقطت في مارس 1924 بإلغاء نظام الخلافة بعد عام واحد من إعلان الجمهورية التركية العلمانية) قام عدد من أعضاء حزب الشعب، تقودهم حواء أونجونسيل، رئيسة فرع المرأة في الحزب، ويلماظ شانلي، رئيس فرع الحزب في ميرسين، بالتظاهر في أحد شوارع المدينة، ومزقوا عددا من الأحجبة السوداء المعروفة في تركيا باسم الشادور، وهم يهتفوا بعبارات تندد بالحجاب باعتباره "رمزا لنظام الحكم الإسلامي والمجتمع الذي يهيمن فيه الذكور على النساء".
وتعهد المتظاهرون بالحفاظ على مبادئ النظام العلماني الصارم الذي أرساه مؤسس الدولة التركية، مصطفى كمال أتاتورك، ويعتبر حزب الشعب الجمهوري والجيش وهيئات التدريس في الجامعات والمحكمة الدستورية العليا "الحارس الأمين" لها.
وتعليقا على هذا التصرف قال أردوغان في كلمته أمام قمة حقوق المرأة: "هم (حزب الشعب) حاولوا العام الماضي التظاهر أمام الناس بتغيير موقفهم من الحجاب، ولكنهم لم يكونوا مخلصين في ذلك.. فها هم الآن يمزقون هذا الزي الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الزي التقليدي والأصيل لمجتمعنا".
وقد اضطرت أونجونسيل إلى تقديم استقالتها الجمعة الماضية أمام عاصفة الانتقادات التي واجهتها، وبعد تعرضها لتحقيق داخلي بهذا الشأن في الحزب؛ ربما لكونها أضرت بمصداقية الحزب الذي أعلن في 2008 احترامه للمحجبات لأول مرة في تاريخه، وقبوله عضويتهنَّ في الحزب.
وفرضت السلطات التركية المحكومة من الجيش في عام 1997 منع الحجاب في المدارس والجامعات والهيئات الحكومية، من بينها المستشفيات، بزعم الحفاظ على علمانية الدولة، وقال رئيس أركان الجيش وقتها إن مثل هذا القرار الذي يعد مادة في الدستور الحالي سيبقى آلاف السنين.
وسعت حكومة حزب العدالة قبل عامين إلى تعديل هذه المادة من الدستور بحيث يسمح بارتداء الحجاب، ونجح بالفعل في الحصول على تأييد أغلبية برلمانية لصالح التعديل، إلا المحكمة الدستورية العليا (إحدى معاقل العلمانية) ألغت التعديل عام 2008 بحجة أنه "مخالف للمبادئ العلمانية".
ورغم إصرار أردوغان عن أن هذه المادة "غير دستورية" فإنه صرح بأن خوض معركة جديدة مع المؤسسات العلمانية لتعديلها "تم تأجيله" للتفرغ لخوض معارك أكبر لإحداث تعديلات دستورية تتعلق بإصلاح مؤسسات القضاء والجيش والجامعات وقوانين الانتخابات والأحزاب السياسية، باعتبار أن هذه التعديلات ستفتح الباب تلقائيا لتعديل "سهل" للمادة المتعلقة بالحجاب والحريات.
خارج المدرسة
وفي حادثة ذات صلة طردت مدرسة متوسطة عددا جديدا من تلميذاتها، ليس لأنهنَّ ارتدينَّ الحجاب داخل المدرسة وهو ما يمنعه القانون، بل اللافت أنها طردتهنَّ لأنه نما إلى علمها قيامهنَّ بارتدائه خارج المدرسة أيضا.
ومن هؤلاء الطالبات صبيحة ألاش التي قامت بخلع حجابها أمام مبنى المدرسة قبل دخولها إليها لتجنب رفض إدارة المدرسة دخولها، ولكن أحد موظفي لجنة تقييم الطلاب بالمدرسة رآها وأبلغ الإدارة التي طالبت الفتاة بعدم ارتداء الحجاب حتى خارج المدرسة، ولما رفضت أصدرت اللجنة قرار إبعاد الطالبة إلى مدرسة نائية عن مقر إقامتها.
ورغم إعلان أردوغان تأجيل تعديل المادة الدستورية الخاصة بالحجاب تتعالى أصوات في تركيا تطالبه بأن يدرج هذا التعديل في إطار التعديلات الدستورية التي تجريها حكومة حزب العدالة والتنمية حاليا.
وخلال قمة حقوق المرأة التي نظمها حزب العدالة قدمت منظمة "نساء من أجل الدفاع عن حقوق النساء ضد التمييز" المعروفة اختصارا باسم "أكدار" مذكرة إلى أردوغان تحمل 30 ألف توقعيا تطالب برفع الحظر عن ارتداء الحجاب.
القبعة
وفي محاولة للفكاك من أسر المادة التي تحظر ارتداء الحجاب في الجامعات ارتدت بعض الطالبات قبعة تخفي الشعر والرقبة؛ على أمل أن ينجحن في التوفيق بين قوانين الجامعة ورغبتهنَّ في الالتزام بمعتقداتهنَّ الدينية.
ورغم أن رجال الانضباط وحرس الجامعة يغضون الطرف أحياناً عن هذه الحيلة، إلا أن الكثير من أساتذة الجامعة (معظم الأستاذة علمانيون) ظلوا على موقفهم "المتعنت" من الحجاب، وأخذوا يطردون من قاعة المحاضرات كل طالبة ترتدي هذه القبعة، بحسب تقرير نشره موقع "أخبار العالم" التركي بهذا الصدد الخميس 11-3-2010.
وباستمرار هذا "التعنت" لجأت زينب نور، الطالبة بكلية الطب، والتي تعرضت لإحدى حوادث هذا الطرد، إلى إدارة حقوق الإنسان التابعة لرئاسة الوزراء، وبعد بحث الموضوع وطلب الرأي من المجلس الأعلى للتعليم جاء القرار "بعدم جواز طرد الطالبات من قاعة المحاضرات، وأن على المؤسسة التعليمية إعادة تنظيم قواعدها".
غير أن محللين رأوا أن هذا القرار لن يحسم مسألة ارتداء الحجاب في الجامعات، ولن يلزم الأساتذة بعدم التعرض للطالبات المحجبات ما بقي حظر الحجاب مادة أصيلة في الدستور.