تركيا وأزمة النووي الإيراني.. تحدّيات الوساطة
بقلم: عبد العظيم الأنصاري
في الدوحة وليس طهران بدأت الوساطة التركية بين الغرب وإيران بشأن الملف النووي الإيراني, حيث التقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على هامش منتدى أمريكا والعالم الإسلامي، قبل أن يُقلع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو نحو طهران.
السياسة التركية تجاه إيران
كثيراً ما عبَّر الأتراك عن استعدادهم للقيام بدور الوسيط لحل الخلاف النووي بين واشنطن وطهران، وكان العرض التركي لإدارة باراك أوباما قبيل توليه المنصب بشكل رسمي, حيث اعتبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن وساطة أنقرة في هذا الملف سوف يكون لها «تأثير إيجابي» وذلك خلال مؤتمر صحفي في واشنطن, حيث كان يشارك في قمة مجموعة العشرين نهاية عام 2008م.
وتولى أوباما الرئاسة الأمريكية, ولم تُسفر لهجته الطيبة تجاه العالم الإسلامي وكذلك تجاه إيران عن أي تغيير يذكر، سواء على صعيد العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي أو مع طهران، كما لم تُسفر المساعي التركية لخوض وساطة ناجحة عن أي تغيير واضح في مسألة الملف النووي الإيراني، لكنها أسفرت عن أشياء أخرى, حيث نجحت تركيا في تكوين «علاقات إيجابية» مع إيران التي يهم تركيا فيها أنها إحدى دول الجوار التي ترتكز محددات السياسة الخارجية التركية الجديدة عليها، كما حددها أحمد داود أوغلو مهندس السياسة التركية, على أن تسعى تركيا إلى توصيل الخلافات بين دول جوارها إلى نقطة «الصفر», ويتم تطبيق ذلك عن طريق الانطلاق من عدة مبادئ أساسية:
أولاً: في ضرورة تحقيق الأمن المشترك للمنطقة ككل بجميع أطرافها, وهو ما يحافظ على تساوي المسافة بين تركيا وكل الأطراف الأخرى.
ثانياً: تغليب الحوار السياسي والآليات الدبلوماسية والسلمية في حل الخلافات ومعالجة أزمات المنطقة في إطار البحث عن حلول تحقق المكاسب للأطراف المختلفة, مما يتطلب التحرك الدائم للبحث عن هذه الحلول، وهو ما يعطي أنقرة فرصة أكبر للتحرك والمناورة وتحقيق الاستقلالية.
ثالثاً: تعزيز العلاقات الاقتصادية البينية مع دول الجوار, وصولاً إلى التكامل ثم الاندماج لتحقيق الاستقرار.
رابعاً: الحفاظ على وحدة الدول القائمة في ظل التعدد الثقافي في إطار من التسامح الثقافي وتجنب إثارة الفتن الطائفية, وهو ما يعتبر جزءاً من حل القضية الكردية في تركيا والمنطقة.
والوساطة التركية في الملف النووي
واشنطن ليست بعيدة عن أي تحركات سياسية أو دبلوماسية, في ما يتعلق بإحدى أبرز القضايا الساخنة وأهمها على قائمة الاهتمامات الأمريكية مثل «الملف النووي الإيراني».
ساد الترقب الأوساط السياسية حول العرض التركي بالوساطة لإيجاد حل مناسب يرضي جميع الأطراف طبقاً لنظرية أوغلو، في ما يخص الملف النووي الإيراني، وبدت حقيبة وزير الخارجية التركي محملة باقتراحات وحلول مختلفة، وكأن المسألة في طريقها إلى الحل متتبعة خطوات أوغلو نحو طهران، لكن إيران لم تكن سوى واحد من أطراف الأزمة، لذا كان على أنقرة التباحث مع الأطراف الأخرى، أو بمعنى أدق الطرف المتمثل في الولايات المتحدة، وهذا ما جرت ترتيباته الأخيرة في مدينة الدوحة بقطر, حيث استغرق اجتماع بين وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ورئيس الوزراء التركي رجب أردوغان ساعة ونصف ساعة طبقاً لما ذكرته الصحف التركية، ذلك الاجتماع الذي كان مقرراً له نصف ساعة فقط على هامش منتدى أمريكا والعالم الإسلامي، وذلك قُبيل سفر الوزير التركي إلى طهران.
طال الاجتماع المغلق بين السيدة كلينتون وأردوغان بينما يزدحم جدول سيدة خارجية أكبر دولة في العالم بالكثير من الأعمال، لذلك يبدو أن الضرورة اقتضت تنبيهها إلى موعد الاجتماع مع رئيس الوزراء القطري، فتقدم السفير الأمريكي بالدوحة جوزيف ليبارون لمحاولة إنهاء اجتماع الوزيرة كلينتون مع أردوغان، فحاول دخول قاعة الاجتماع وطرق على باب القاعة بكلتا يديه وهو في حالة هياج قائلاً: إن هناك اجتماعاً آخر بين كلينتون ورئيس وزراء قطر، وإنه اجتماع أهم من الاجتماع مع أردوغان، فكان ردّ فعل فؤاد تانالي مستشار أردوغان أن ردّ عليه بلهجة عنيفة، مؤكداً له أنه لا يوجد من يجرؤ على التعالي على تركيا ورئيس وزرائها، وأن عليه أن ينتظر حتى ينتهي الاجتماع، وفيما واصل السفير الأمريكي محاولة اقتحام القاعة، تدخل طاقم حراسة رئيس الوزراء التركي وقاموا بإبعاده.. ورغم انتباه كلٍّ من أردوغان وكلينتون إلى ما يدور خارج القاعة إلا أنهما واصلا اجتماعهما دون الالتفات إليه.
ويبدو أن ما حدث من خلاف خارج قاعة اجتماع أردوغان- كلينتون كان انعكاساً لم يدور في الداخل, حيث إن زيارة وزير الخارجية التركي أوغلو إلى طهران لا يبدو أنها حققت شيئاً ملموساً في الملف النووي الإيراني، إذ اكتفى أوغلو بالإعراب عن أمله بأن تسيطر الدبلوماسية لتسوية الأزمات في المنطقة بدل اللجوء إلى العنف، وهو ما لم يضف جديداً، خاصة مع استمرار نفس اللهجة الإيرانية قبل زيارة أوغلو وبعدها، إضافة إلى التهديدات المتبادلة بين الطرفين، في الوقت الذي تتجلى فيه لهجة العداء والوعيد من الكيان الصهيوني تجاه حركة حماس وحزب الله وسوريا وإيران معاً، وهو ما أحدث ردة فعل تمثلت في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير، الذي توعد فيه بالرد على أي عدوان من الكيان الصهيوني في ما بدا تصعيداً للأزمة في المنطقة.
ويبدو أن الحرب التي يتم تأجيلها ثم تأجيلها بسبب ما وصلت إليه توازنات القوى، وما حدث من تغيرات استراتيجية على الساحة الإقليمية, ما خلق واقع «اللاحسم» تقترب هذه الحرب من نقطة الصفر، رغم أنها إذا قامت لن تكون حرباً حاسمة, حيث هناك في الشرق الأوسط الكل منهك والكل أضعف من إحداث تغيير في الواقع الملتهب, بما في ذلك أنقرة التي تمارس لعبة توازن القوى داخلها وخارجها، وبين قضية الحجاب وحل الأحزاب السياسية في تركيا، وبين مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والعلاقات مع واشنطن والتحالف مع سوريا والوساطة في الملف النووي الإيراني.. تظل السياسة هي هي بلا حسم على صعيد تركيا الداخل والخارج.. وعلى صعيد حسم الملف النووي الإيراني.. بل وعلى صعيد المنطقة بالكامل.
|