كيف تقارب الدول العربية الملف النووي الإيراني؟!
وكيف سيكون موقف لبنان في مجلس الأمن؟
فادي شامية
من المرجح أن تشهد الأيام المتبقية من شهر شباط الجاري التئام مجلس الأمن لمناقشة مشروع قرار أميركي ينص على عقوبات جديدة ضد النظام الإيراني· مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، جيمس جونز، قال الأحد الماضي إن بلاده ستقدم مشروع القرار هذا الشهر، مؤكداً أن واشنطن حصلت على تأييد دولي واسع، وهي تأمل في انضمام كل من الصين وروسيا المترددتين إزاء هذا الجهد· أما وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، فأعلنت الأحد أيضاً، ومن الدوحة أن <روسيا أبدت دعمها لفرض عقوبات>، وأن <الصين، التي تعد الأكثر تحفظاً على هذا الأمر بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، بدأت تغير موقفها>·
الملف النووي في الأمم المتحدة
يشكل مجلس الأمن إحدى ساحات المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي فيما خص البرنامج النووي الإيراني· من وجهة النظر الإيرانية، تعتبر طهران أن أنشطتها النووية تتم وفقاً لاتفاقية منع الانتشار النووي، وأن اكتشاف منشأة قم النووية مؤخراً لا يتعارض مع قواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، على اعتبار أنه يتعين على الدول الإعلان عن المنشآت الجديدة قبل 180 يوماً فقط من ضخ المواد النووية فيها، وأن إيران لن تضخ هذه المواد قبل ذلك·
بدورها ترى الأمم المتحدة أن ثمة شكوكاً كثيرة حول سلمية برنامج إيران النووي، وأن إيران وافقت عام 2003 -بعد اكتشاف مفاعلها النووي الرئيسي في نتانز- على <اتفاقية إضافية> تحتم عليها الإعلان عن أية منشأة جديدة في مرحلة التصميم الأولية، وهو ما لم تفعله بخصوص مفاعل قم، وأن طهران لا يمكنها التخلص من الاتفاقية الإضافية بعد موافقتها عليها، بدعوى أن البرلمان لم يصادق عليها، لأن مثل هذا الرفض الأحادي غير مسموح به·
وكانت الأمم المتحدة قد عرضت على إيران مؤخراً جملة محفزات تعهدت بها: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، فيما لو علّقت إيران تخصيب اليورانيوم· ويشتمل العرض على الاعتراف بحق إيران في الحصول على طاقة نووية للأغراض السلمية، ومعاملتها مثل بقية الدول الموقعة على اتفاقية منع الانتشار النووي· كما تحصل إيران على مساعدة لتطوير محطة طاقة نووية، وسيُؤمَّن لها الوقود اللازم للتشغيل، إضافة إلى امتيازات تجارية من بينها احتمال رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها، والتي تمنعها على سبيل المثال من شراء طائرات مدنية وقطع غيار، لكن إيران رفضت عملياً العرض·
وبخصوص العقوبات، فقد سبق للأمم المتحدة فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية، نهاية العام 2006، من خلال قرار مجلس الأمن رقم 1737، وهو قرار يفوّض كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة <لمنع إمدادات وبيع أو نقل كل المواد والمعدات والبضائع والتكنولوجيا التي يمكن أن تسهم في الأنشطة المتعلقة بالتخصيب أو المياه الثقيلة>· وفي آذار/ مارس 2007 أصدر المجلس القرار رقم 1747 بمنع التعامل مع البنك الإيراني الحكومي (سيباه)، و28 شخصاً ومنظمة أخرى، معظمها مرتبط بالحرس الثوري الإيراني· وفي مارس 2008 مدد القرار 1803 الحظر على الأصول الإيرانية والسفر على المزيد من الشخصيات الإيرانية·
وفي 29-2-2006، وعقب فشل المباحثات بين <الترويكا> الأوروبية وإيران، أعطى مجلس الأمن إيران مهلة حتى 28-4-2006 لتعليق نشاطات التخصيب، لكن إيران رفضت الاستجابة، وقد أنذر مجلس الأمن إيران مرة أخيرة مع نهاية العام 2009 بهدف إجبارها على وقف التخصيب، لكن إيران تجاهلت ذلك، وردت بقرار رفع التخصيب إلى حدود 20% اعتباراً من 9 شباط/فبراير 2010·
موقف العرب من النووي الإيراني
بالعموم، فإن الدول العربية لا تنظر بارتياح إلى احتمال امتلاك إيران للسلاح النووي· الموقف العربي المعلن هو الدعوة لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل· وتالياً فإن الدول العربية تعتبر أن على <إسرائيل> التخلي عن سلاحها النووي، وإذا كان ذلك متعذراً، فإن هذا الأمر ينبغي أن لا يشكل دافعاً لدول أخرى ?كإيران- لامتلاك سلاح نووي·
وفوق ذلك أيضاً فإن لا رغبة، صريحة على الأقل، لدى الدول العربية الكبرى في امتلاك السلاح النووي، ولا حتى امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، سوى ما عبّرت عنه مصر مؤخراً من رغبة بإعادة إحياء برنامجها النووي السلمي· كما ترى معظم الدول العربية أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيعزز من الاضطرابات الإقليمية، وسيزيد من نفوذ إيران وتدخلها في المنطقة العربية·
ولم يخف وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل هذه المواقف خلال استقباله نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون، الإثنين 16 شباط الجاري، عندما رفض <انزلاق المنطقة لسباق نووي>، مبدياً ترحيبه بالبرنامج النووي الإيراني، طالما التزم جوانبه السلمية، لكن الشك في هذه السلمية كان واضحاً من قبل الوزير الفيصل كما الوزيرة كلينتون· ومع ذلك فإن رغبة الدول العربية واضحة في النأي عن المواجهة الدائرة بين إيران والمجتمع الدولي على خلفية المشروع النووي الإيراني·
موقف لبنان في مجلس الأمن
ومن المعلوم أن لبنان هو مَن يمثّل المجموعة العربية راهناً في مجلس الأمن، أي أنه العضو غير الدائم الذي يقع على عاتقه بلورة موقف عربي واضح، يراعي المصالح العربية، والخصوصية اللبنانية، بغض النظر عن مدى تأثيره في القرار النهائي، على اعتبار أن إجماع الخمسة <الكبار> سيكون مؤمناً فيما لو وافقت الصين، وبالتالي يصدر القرار دون النظر إلى مواقف الدول غير دائمة العضوية·
لكن ?وللإنصاف- فإن لبنان سيكون تحت عبء كبير في القرار الذي سيأخذه في مجلس الأمن للأسباب الآتية:
أولاً: الخصوصية اللبنانية: أخذاً بواقع الانقسام اللبناني المعروف، ومراعاةً لموقف <حزب الله> وحلفائه، الذين لا يخفون ارتباطهم بإيران والدفاع عن مصالحها· كما أن حلفاء سوريا في لبنان <يتأثرون> إلى حدٍ كبير بالموقف السوري الرافض للعقوبات، والمرتبط بتحالف استراتيجي مع الجمهورية الإسلامية· وفوق ذلك كله، فإن أي قرار بعقوبات مؤلمة بحق إيران (خصوصاً إذا تعلق الحظر بالمحروقات) سيدفع طهران إلى ردود فعلٍ ضد جميع الدول التي أيدت أو صوتت لصالح القرار، وبالتأكيد فإن ذلك سيؤثر على الواقع اللبناني ومناعته الهشة·
ثانياً: الواقع العربي: حتى الآن لم يصدر موقف عربي جامع فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، ومن غير المتوقع أن تنجح قمة ليبيا القادمة في جمع العرب على موقف عملي (غير إنشائي) واضح من هذا الملف، وهذا يعني أن حالة الانقسام العربي ما تزال قائمة، وأن الدول التي درجت على المزايدة الإعلامية ستبقى على سياستها· على هذا الأساس فليس بمستطاع مندوب لبنان في مجلس الأمن أن يتسلح بموقف عربي موحد من مسألة العقوبات، خصوصاً أن دولاً عربية عديدة تخشى الانتقام الإيراني (الكويت- الإمارات مثلاً وهي دول مشاطئة لإيران)، وأن دولاً أخرى تخشى على نسيجها الداخلي (البحرين مثلاً)·
لأجل ذلك كله، يبدو أن الراجح هو امتناع لبنان عن التصويت فيما يتعلق بالعقوبات، لكن في كل الأحوال فإن الأمر يحتاج إلى دراسة في مجلس الوزراء اللبناني حتى يكون الموقف توافقياً، وغير معبر عن موقف فئة دون أخرى·