من هو المبحوح؟ وكيف اغتيل؟ وكيف سترد حركة حماس؟ 2/2
الاغتيال والانتقام
فادي شامية
الاثنين,8 شباط 2010 الموافق 24 صفر 1431 هـ
بعد نحو عشرة أيام على اغتياله، أعلنت شرطة دبي أنها تمكنت من كشف الغموض حول مقتل محمود المبحوح، وأنه لقي مصرعه <اغتيالاً> على أيدي <عصابة إجرامية متمرسة>، وأنها تلاحق مشتبه بهم يحملون <جوازات أوروبية> بالتعاون مع <الإنتربول> الدولي·
عملية الاغتيال
في 18/1/2010 غادر محمود المبحوح دمشق باتجاه طهران، مروراً بدبي· وصلت طائرته إلى دبي الساعة الثالثة والربع من بعد ظهر الثلاثاء 19/1/2010· نزل المبحوح في الفندق نفسه، فندق البستان روتانا، الذي ينزل فيه عادة كلما وطأت رجليه أرض الإمارات·
وبطبيعة الحال فإن جواز السفر الذي كان يحمله لم يكن يحمل اسم محمود المبحوح، تمويهاً لحركته، أي أن جواز سفره كان مزوراً·
كما يفعل في كل مرة، فقد كان المبحوح يتخذ احتياطاته الأمنية التي تتطلبها مهامه، فالرجل كان قد تعرض لمحاولتي اغتيال سابقة، أحدها في لبنان، ما يعني أن حركته في تسليح المقاومين كانت مرصودة· وكانت آخر محاولة اغتيال للمبحوح قد جرت قبل ستة أشهر، عندما دُس له السم في الطعام، وقد ظل وقتها فاقداً للوعي مدة 36 ساعة·
هذه المرة، كان عملاء الموساد يتتبعون خطواته جيداً، وربما كانوا يراقبونه منذ مغادرته دمشق· وقبل أن يمضي ليلته الأولى، قرعوا عليه باب الغرفة (المصادر العبرية تتحدث عن عاملة فندق استُعملت ستاراً لدخولهم غرفته)، ولدى فتح الباب ضربوه بجهاز صعق كهربائي في وسطه، وعندما انحنى صعقوه على رأسه، ثم حقنوه بمادة تسبب مشاكل في التنفس والدم· ولم ينسوا أن يأخذوا ما لديه من معلومات، قبل أن يغادروا تاركين وراءهم البطاقة الفندقية المعروفة: <يرجى عدم الإزعاج>، وما لبثوا أن غادروا الإمارات بجوازات سفرهم الأوروبية التي دخلوا بها·
مرت عدة ساعات قبل أن يكتشف أحد العاملين في الفندق جثة المبحوح ظهر الأربعاء 20/1/2010، وعلى الفور تحركت الشرطة في دبي للتحقيق في جريمة متقنة، وقد بات فاعلوها خارج البلاد·
اللافت أن السلطات الإماراتية، وبعد تعرفها على شخصية المغدور الحقيقية (أرسلت عينات من دمه إلى الخارج للتأكد من هويته)، لم تتصل بحماس، وقد بادرت الأخيرة للتواصل مع الإمارة العربية، لكنها لم تلق التجاوب الذي كانت تأمله، وعلى هذا الأساس ظلت جثة المبحوح لدى السلطات الإماراتية مدة أسبوع تقريباً، التزمت الحركة فيها الصمت إعلامياً·
زَهوٌ في <إسرائيل>
كما فعل الموساد في عمليات الاغتيال السابقة، فإنه لم يتبن الفعلة رسمياً، لكن الصحافة العبرية تحدثت عن <الإنجاز الكبير> على مدى أيام تلت إعلان حماس عن استشهاد المبحوح· ولم يخف نواب في الكنيست، ووزراء في الحكومة، سعادتهم بـ>الإنجاز>، وفخرهم بمن وصفوه الأفضل بين أقرانه وهو رئيس جهاز الموساد مئير داغان· وقد قال وزير البنى التحتية عوزي لانداو: <إنني أعرف رئيس الموساد قبل أن يتولى منصبه، وقبل أن أكون وزيراً· إنه الأفضل>· وقال الوزير دانييل هرشكوفيتش: <إن مئير داغان أحد أفضل رؤساء الموساد، وهو متفوق بشكل يفوق المطلوب، وللباري عز وجل طرق كثيرة لمجازاته>!·
وكانت القناة الثانية الإسرائيلية أعلنت في حفل خاص نهاية العام 2009 داغان رجل العام· وقد عدّد المذيع وقتها <بطولات> الرجل، فقال: <إنه الرجل الذي لم يقدّم في حياته إلا الأمور الطيبة، إنه الشخص الذي اشتهر بقطع رؤوس الفلسطينيين وفصلها عن أجسادهم باستخدام سكين ياباني!، إنه الرجل الذي ولد والسكين بين أسنانه!··· لقد كان وراء تصفية قائد شعبة العمليات في حزب الله عماد مغنية، وتقديم المعلومات الاستخبارية التي مكّنت سلاح الجو من قصف المنشأة البحثية في شمال شرق سوريا··· وغيرها كثير>·
وبعد أيام، وفي تقرير نشرته <يديعوت أحرونوت> لهذه المناسبة، كتب رونين بريغمان مراسل الشؤون الاستخبارية في الصحيفة، إن داغان هو المسؤول عن تصفية عماد مغنية، وتدمير منشأة كيميائية في الأراضي السورية، وتصفية رمزي نهرا (وابن اخته إيلي عيسى الذي قضى معه في العملية عام 2002)، وغالب عوالي (اغتيل في الضاحية عام 2004)، وعلي صالح من <حزب الله> (اغتيل عام 2003)، والأخوين مجذوب من <الجهاد الاسلامي> (اغتيلا في صيدا عام 2006) داخل الأراضي اللبنانية·
وبعد اغتيال محمود المبحوح، أفصحت الصحافة العبرية عن المزيد، عندما بينت أن الموساد كان وراء المعلومات التي أدت إلى قصف قافلة الأسلحة داخل الأرضي السودانية العام الماضي، وأنها هي من وقف وراء اغتيال رفيق درب المبحوح الشيخ عز الدين خليل· بدورها رحبت عائلتا الجنديين الإسرائيليين سعدون وسسبورتاس باغتيال المبحوح، فيما أعرب رئيس بلدية عسقلان بني فاكنين عن رضاه عن <تصفية الحساب> مع المبحوح·
الرد الحمساوي
غداة الإعلان عن استشهاد محمود المبحوح أصدرت حماس بياناً قالت فيه: <إن كتائب القسام سوف ترد على هذه الجريمة الصهيونية في الزمان والمكان المناسبين>· ولم تتأخر كتائب القسام في إصدار بيان أكدت فيه أن <العدو لن يفلت من العقاب>· وبدوره توعّد خالد مشعل بالرد قائلاً: <أقسم بالله، وباسم الله، وعلى بركة الله··· سننتقم لدماء محمود المبحوح، والأيام بيننا سجال>·
ورغم أن بعض المتابعين قد ذكروا بأن حماس سترد خارج فلسطين، إلا أن الواضح من مسيرة حماس السياسية والعسكرية أن الرد سيكون في الداخل· وهذا ما أكده أكثر من مسؤول للحركة على كل حال، باعتبار أن الحركة نهجت على حصر صراعها مع العدو الإسرائيلي داخل فلسطين، تجنباً لحساسيات كثيرة·
وكانت حماس توعّدت بالرد على اغتيال أحد أبرز قادتها، يحيى عياش، عام 1996، ونفذت بالفعل خمس عمليات استشهادية أسفرت عن مقتل وجرح نحو مئة يهودي· لكن السؤال اليوم هو الآتي: كيف سترد حماس إذا كانت مقاومتها مخنوقة بشدة في الضفة الغربية، وإذا كان مقاتلوها ملتزمين راهناً بهدنة غير معلنة في قطاع عزة؟ وإذا ما وقع الرد فعلاً، سواء انطلق من الضفة أو غزة، فهل يعني ذلك انهيار الوضع الهش في القطاع، واشتعال حرب جديدة مع العدو الإسرائيلي، على غرار الحرب الأخيرة؟ وهل اندلاع هكذا مواجهة الآن تخدم حماس أو تفيد القضية الفلسطينية، في ظل انقسام فلسطيني لا يرى له نهاية حتى الآن؟!·
لا شك أن الإجابات عن الأسئلة المتقدمة ليست سهلة، ونتائجها ليست بالهينة أبداً·