اللواء تكشف المستور في فضيحة محطة الباروك
لماذا سكت الوزير باسيل عن <سرقة> المعدّات من الوزارة بحجة تأمين الإنترنت للضاحية؟! ومن يقف وراء إتهام مروان حمادة·· ومن دفع 30 ألف دولار لاستعادة الأجهزة المصادرة؟!
الثلاثاء 2 شباط 2010 الموافق 18 صفر 1431 هـ
فادي شامية
مساء الخميس 6/8/2009، وخلال برنامج "كلام الناس" على قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال، أعلن رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، عن وجود شركة إنترنت توزع خطوطاً مصدرها "إسرائيل"، وأنها "تملك محطة في منطقة جبلية، وهي تعود لفريق سياسي نافذ في الســلطة"... وسرعان ما تحول الموضوع إلى مادة إعلامية وسياسية، تضخّم يوماً بعد يوم، ورُمي في وجه قوى "14 آذار"، تصريحاً أو تلميحاً، باعتبارها متورّطة فيه.
ما يكشفه التحقيق الآتي، هو جملة من الوقائع والمعلومات، حول هذا الموضوع، وأسماء المتورطين الحقيقيين فيه، بعدما استنفذت الإثارة السياسية والإعلامية نفسها، ووصل الملف إلى القضاء، كاشفاً عن فضائح سياسية وإعلامية وإدارية.
معلومات أولية
في عهد وزير الاتصالات جان لوي قرداحي (من عام 2000 حتى 2005)، وتحديداً في العام 2002، نالت شركة HOT SPOT لصاحبيها الأخوين وليد ونديم حويّس، ترخيصاً قانونياً للعمل في مجال الإنترنت.
وفي عهد وزير الاتصالات مروان حمادة (من عام 19/7/2005 حتى 11/7/2008)، تقدّم وليد ونديم حويّس من وزارة الاتصالات للحصول على قرار DSP (حق بالإرسال ما بين موزع الإنترنت والمستفيد من الخدمة)، فلم توافق الوزارة.
رغم ذلك، وفي 8/11/2006، وضعت شركة HOT SPOT أجهزة بث، لتقوية إشارة الإنترنت الواردة من منطقة بيت مري، وإعادة توزيعها على المشتركين، مستفيدة من وجود عمود إرسال لمحطة MTV، لكن وبعد عدة أشهر، ونتيجة لعوامل طبيعية، توقفت المحطة عن العمل.
وفي خريف العام 2008 استُؤنف العمل في المحطة بعدما قررت شركة HOT SPOT توسيع نشاطها، حيث جرى تركيب معدات إرسال من إنتاج شركة SAGEM الفرنسية. (تدّعي الشركة أنها اشترتها من قبرص، وأنها مسحت اسم الشركة المنتجة عنها حتى لا يتعرف المنافسون على المصدر) وذلك بهدف تشغيل نظام warless لتأمين خدمة سريعة. (تدّعي الشركة أيضاً أن مصدر الإرسال هو الأردن، بينما أوردت لائحة الادعاء أن المصدر هو فلسطين المحتلة، عبر شركة Descaly الإيطالية).
ارتبط اسم شركة VISP لصاحبها هاغوب تاكيان، بشركة HOT SPOT، لأن زبائن شركة VISP كانوا يستخدمون الإنترنت عبر شركة الأخوين حويّس (HOT SPOT). وقد حققت الشركتان أرباحاً مهمة، وتقدماً كبيراً في السوق، وتعاونهما غطى أجزاءً واسعة من بيروت الإدارية، وأفضى إلى توقيع عقود توريد خدمات إنترنت إلى كل من الجيش اللبناني، ورئاسة الجمهورية. كما كانت شركة HOT SPOT على وشك الاتفاق مع اليونيفيل أيضاً، ما أثار حفيظة الشركات المنافسة.
المداهمة وإعادة التشغيل
بعدما أبلغ "فاعلو الخير" في شهر شباط من العام 2009 وزارة الاتصالات بوجود محطة غير مرخصة في الباروك، قام الضابط داني فارس، الذي يعمل في مجال الاتصالات والتنصت من قبل الجيش في وزارة الاتصالات، بمتابعة الموضوع، بعد إبلاغ الوزير جبران باسيل، وقد استغرقت المتابعة حوالي شهرين، اكتمل بعدها الملف، فأحالته وزارة الاتصالات على النيابة العامة المالية، بتاريخ 2/4/2009، متضمناً معلومات عن محطة تقوم بـ"التخابر غير الشرعي".
بعد يومين، أي في 4/4/2009 دهمت فرقة فنية من وزارة الاتصالات، بمؤازرة قوة من مكتب مكافحة الجرائم المالية في وحدة الشرطة القضائية التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، محطة الباروك، وصادرت أجهزة الإرسال والكومبيوتر.
وقد تبيّن أثناء المداهمة وجود عدة أجهزة قد مُحيت العلامة التجارية عنها. ولدى التدقيق تبيّن أن هذه الأجهزة تحتوي على معدات من صنع شركة Seragon الإسرائيلية. ونتيجةً لتفكيك الأجهزة فقد توقّفت خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة من بيروت وضاحيتها الجنوبية، ما هدّد مستقبل شركتي HOT SPOT و VISP معاً، فكان لا بد من وسيلة لإعادة تشغيل المحطة.
فيما تولى الأخوان حويّس تدبير طريقة فنية لإعادة تزويد المشتركين بخدمة الإنترنت، من خلال الصحون اللاقطة ( Satellites)، تولى هاغوب تاكيان صاحب شركة VISP، الاتصال بصديقٍ "نافذٍ" له اسمه محمد حمادة، وطلب منه المساعدة لقاء المال، وبناءً لذلك، "اتفق" حمادة مع رئيس فرع الشكاوى والتحقيقات الداخلية في وزارة الاتصالات فادي قاسم، على إخراج جهازي بث، مصادرين أثناء المداهمة، من مستودع الوزارة! (ولم تكن هذه الواقعة متداولة إعلامية إلى مدة قريبة من اليوم).
الاشتباه بالتخابر مع العدو
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر تقريباً!، أوقف كل من وليد ونديم حويّس، للتحقيق معهما في جريمة شراء معدّات إسرائيلية الصنع، ولمعرفة ما إذا كانا على علم بالأمر أم لا، إضافة إلى سبب توجيه أجهزة الإرسال نحو الجنوب، وما إذا كانت الشركة قد ربطت إرسالها بمحطّات موجودة داخل فلسطين المحتلة أم لا.
كما أوقف أيضاً كل من: فادي قاسم، ومحمد حمادة، وهاغوب تاكيان، بجرم سرقة معدات من مستودع وزارة الاتصالات والتدخل في هذا الجرم. كما أوقف جوزيف فيليبي، أحد مالكي شركة Com net (إذ تبين أن فيليبي، وبهدف الحصول على خدمة أفضل وأرخص من خدمة شركة حويّس، تفاوض مع شخص إسرائيلي اسمه جيرا سيموس، وأبرم معه اتفاقاً في قبرص، على التزود بالإنترنت من "إسرائيل").
وقد ظل الموضوع بعيداً عن الإثارة الإعلامية لغاية تاريخ 6/8/2009، عندما أعلن النائب سليمان فرنجية، عن وجود شركة إنترنت توزع خطوطاً مصدرها "إسرائيل"، إذ سرعان ما تطوّر الموضوع إعلامياً وسياسياً، وقد وُجِّه، بقصد الاستغلال السياسي، باتجاه الوزير السابق مروان حمادة، ليبدو وكأنه متورّط في القضية.
ثم ما لبث الموضوع أن أخذ منحى أمنياً مع الاشتباه بتخابر الأخوين حويّس مع العدو الإسرائيلي، لأهداف تجارية بالحد الأدنى، وتجسسية بالحد الأقصى، حيث ذهب البعض إلى اعتبار الهدف الحقيقي لمحطة الباروك هو رصد التواصل بين مواقع قيادة "حزب الله" في الضاحية والعمليات في الجنوب!.
على هذا الأساس طلبت النيابة العامة التمييزية من وزارة الاتصالات، ومن جميع الأجهزة الأمنية، تزويدها بالمعلومات التي في حوزتها عن قضية محطة الباروك. وبالفعل فقد سلّمت وزارة الاتصالات النيابة العامة في 18/8/2009 ملفاً يتضمن ما في حوزتها من وثائق ومستندات، وبناءً على هذه المعلومات استلمت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني التحقيق في القضية.
وقد أفضت تحقيقات مديرية المخابرات إلى ادعاء معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي رهيف رمضان، في 10/9/2009، وجاهياً على كل من: وليد ونديم حويّس (صاحبا شركة HOT SPOT )، وهاغوب تاكيان (صاحب شركة VISP)، وفادي قاسم (الموظف في وزارة الاتصالات)، وجوزيف فيليبي (أحد مالكي شركة Com net)، ومحمد حمادة (الأخير ادُعي عليه غيابياً).
مفاجأة المحاكمة!
في 8/1/2010، استجوبت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن نزار خليل، وعضوية المستشار المدني القاضي داني الزعنّي، وبحضور ممثل النيابة العامة القاضي أحمد عويدات، المتهمين، فأنكر الشقيقان وليد ونديم حويس تأمين خدمات الإنترنت من فلسطين المحتلة، وأفادا بأن "مصدر هذه الخدمات هو منطقة أربد في الأردن (70 كلم شمال عمان) وليس إسرائيل".
هذه الإفادة- وبمعزل عن صحتها أو عدم صحتها وهو أمر متروك للقضاء اليوم- كانت متوقعة. غير أن المحاكمة حفلت بمفاجأة كبيرة عندما كشف الموظف المسؤول في الوزارة والمؤتمن على معداتها فادي قاسم أن صديقه المسؤول في "حزب الله"، محمد حمادة، هو من طلب منه إخراج المعدات. أضاف: "عندما رفضت قال لي (حمادة) إن نصف الضاحية الجنوبية أوقف عملها بسبب توقف المحطة وجماعته (يقصد "حزب الله") بدهن تسوية الأمر"، وأن الحزب المذكور يريد الكشف على المعدات ثم إعادتها إلى الوزارة، قائلاً: "بعد تسليم المعدات لمحمد حمادة لم يُعدها لي"، على اعتبار أنه سلّمها للأخوين حويّس.
ولدى استجواب المحكمة لمحمد حمادة أقر بفعلته، متعللاً بأنه كان يريد مساعدة "جماعته"، نافياً أن يكون قد قال لفادي قاسم إن "عناصر من حزب الله يريدون الكشف على الماكينات"، كما أقر بأنه تلقى مبلغ 30,000$ من هاغوب تاكيان ثمناً لـ"هذه المساعدة". وقد أقر تاكيان بدوره بدفع المال.
محطة الباروك: الفضيحة!
جملة الوقائع السالفة تشير على فضيحة على أكثر من مستوى؛ سياسي، وإعلامي، وإداري:
-
خداع الرأي العام: أدت إثارة موضوع محطة الباروك إعلامياً، والمبالغة في استثماره سياسياً، والتحذير من "لفلفته"، إلى انتقال الملف إلى دائرة التحقيقات فالمحاكمات، (وربما لم يكن يريد من أثار الموضوع بدايةً أن يأخذ الموضوع هذا المنحى). الأمر الذي كشف عن عملية خداع كبيرة تعرّض لها الرأي العام اللبناني، ليس لأن الموضوع وُجّه باتجاه فريق لا علاقة له به فحسب، بل لأنه قد تبين على نحوٍ واضح أن هذه الإثارة كلها لم تكن إلا وليدة منافسة تجارية، بين شركتي HOT SPOT و VISP من جهة وشركات أخرى من جهة أخرى، ولا سيما شركة IDM، التي يرتبط مالكوها بعلاقات جيدة بالنائب سليمان فرنجية وبشخصيات نافذة في الدولة. (سمّى الأخوان حويّس، وهاغوب تاكيان أسماءً مرتبطة بشركات منافسة، وهي على قرابة من الرئيس السابق إميل لحود ورئيس مجلس النواب نبيه بري).
-
الاستثمار بشبهة العمالة: لقد ارتبطت الإثارة الإعلامية للموضوع، منذ أن أعلن عنه النائب فرنجية، بشبهة العمالة للعدو الإسرائيلي، وراحت التحليلات تنسج قصصاً عن اختراق العدو لأنظمة الجيش اللبناني، والقصر الجمهوري، و"المقاومة". لكن في هذا الوقت الذي كانت فيه هذه القصص تـُروى للرأي العام اللبناني، كان ثمة من يعمل على إعادة الإرسال بدعوى عدم الإضرار بالمستفيدين هؤلاء، بما فيهم "نصف الضاحية الجنوبية"، كما ورد في الإفادات اللاحقة، وإقرار محمد حمادة المسؤول في "حزب الله"، في التحقيقات وأمام المحكمة. وإذا كان من واجب الأجهزة الأمنية أن تقلق، وأن تحقق في أي شبهة ارتباط بالعدو، لأهداف أمنية أو حتى تجارية، - وهو أمر ستبت فيه المحكمة عند إصدارها الحكم- إلا أن طرح الموضوع بهدف إثارة الرأي العام، والاستثمار السياسي بأحد أخطر التهم التي يمكن أن توجه إلى فرد أو جماعة، وهي تهمة العمالة، أمر غير جائز على الإطلاق.
-
الافتراء السياسي: رغم أن الموضوع قد أثير إعلامياً، منذ اللحظة الأولى، على قاعدة استهداف فريق "14 آذار"، إلا أن الوقائع كلها تظهر أن لا صلة لأيٍ من شخصيات هذا الفريق بالموضوع، لا بل إن المعطيات تفيد بعكس ذلك تماماً. فمن أعطى الترخيص لشركة HOT SPOT هو الوزير جان لوي قرداحي، بينما من حجب قرار الـ DSP عن الشركة هو الوزير مروان حمادة (وقد اشتبه الأخوان حويّس حينها أن عدم إعطائهما هذا القرار يعود إلى كونهما من "جماعة عون") هذا من جهة. ومن جهة أخرى، ورغم أن الوزير جبران باسيل قد صوّر الموضوع وكأنه فضيحة لسلفه حمادة، إلا أن الوقائع تشير إلى أن إخراج المعدات المضبوطة من وزارة الاتصالات قد جرى في عهد الوزير جبران باسيل، وبعدما وظّف المدعو محمد حمادة نفوذ "حزب الله" واسمه، لأهداف مالية ضيّقة. مع الإشارة أيضاً إلى أن "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي كانت قد فرضت على هاغوب تاكيان تبديل الترددات التي يستخدمها، ووفق إفادته: "ما كان ذلك ليحدث لو أنني كنت محميّاً من قوى 14 آذار".
-
استعراضات الوزير باسيل: تظهر متابعة مواقف وزير الاتصالات السابق جبران باسيل من هذا الملف خِفّة في التعاطي، ورغبة بالإساءة إلى الآخرين إلى حد بعيد، ولا سيما سلفه مروان حمادة. فإذا كان ثمة شبهة تخابر مع العدو منذ المداهمة التي جرت في 4/4/2009، (وربما قبل ذلك أيضاً) فلماذا انتظر الوزير باسيل أربعة أشهر أخرى دون أن يتحدث عن الأمر إلى أن أعلنه النائب فرنجية؟!، ولماذا سمح بإعادة عمل الشركة؟!. علماً أن وزير العدل إبراهيم نجار كان قد كشف عن اتصال أجراه باسيل بتاريخ 18/8/2009 بالمدعي العام سعيد ميرزا ليبلغه عن معطياته حول الارتباط بالعدو، ولما كانت المعطيات موجودة في حوزة الوزير منذ المداهمة في شهر نيسان 2009، سأله ميرزا عن السبب الذي دعاه إلى عدم الإعلان عنها سابقاً، فرد الوزير باسيل بأنه لم يكن يريد "إحداث شوشرة"!. فهل يملك الوزير حق كتم معلومات بهذه الأهمية بدعوى عدم إحداث شوشرة؟!. إشارة هنا إلى أن أطراف القضية ينتمون جميعاً إلى فريق سياسي واحد، فالأخوين حويّس من جماعة عون، وهاغوب تاكيان من حزب الطاشناق (صرّح لاحقاً بأنه خارج الحزب منذ سنوات)، ومحمد حمادة مسؤول في "حزب الله"، فضلاً عن كون محامي فادي قاسم هو المحامي جوزيف أبو فاضل، أحد أبرز الأصوات السياسية والإعلامية التي تحامي عن العماد ميشال عون.
-
الفضيحة في الإدارة: ما كشفته الوقائع أيضاً يؤشر إلى حجم الفساد في الإدارة اللبنانية، إذ كيف لرئيس فرع الشكاوى والتحقيقات الداخلية في وزارة الاتصالات –التي طهّرها الوزير باسيل من الفساد كما يقول- أن يتحول من مؤتمن على معدات الوزارة إلى شريك في سرقة معدات للوزارة، وكيف يقبل أن يأخذ "نصائح" من شخص يدّعي أنه يتحدث باسم حزب فاعل في لبنان، ولماذا لم يتحرّك الوزير لأكثر من أربعة أشهر علة واقعة السرقة؟!. ثم كيف تمر أجهزة إسرائيلية الصنع أو تحتوي معدات إسرائيلية إلى لبنان، عبر المطار وبشكل عادي؟!. علماً أن هذه الأجهزة تحتاج إلى تصريح من وزارة الاتصالات، ما يعني أن الخلل قد حصل من الوزارة أو إدارة الجمارك، أو كليهما معاً.
من الآن، ولوقت غير قصير، ستبقى فضيحة محطة الباروك، شاهداً على كيفية تحويل الجهة السياسية -الفاسدة أو المقصرة- نفسها من متَّهَمة إلى متّهـِمة، متوسلةً الإثارة السياسية والإعلامية وخداع الناس!.