أحمد التلاوي
كشفت صحف أمريكية وإسرائيلية أن الولايات المتحدة نشرت أنظمة صواريخ دفاعية متقدمة في أربعة بلدان خليجية عربية، وعددا إضافيا من السفن الحربية التي تحمل صواريخ متوسطة في مياه الخليج؛ "تحسبا لأي هجوم محتمل قد تشنه إيران"، بعد وصول الجهود الدبلوماسية الأمريكية إلى طريق مسدود فيما يخص البرنامج النووي الإيراني، بحسب تلك الصحف.
إلا أن خبيرا إستراتيجيا عربيا رأى أن الإجراءات الأمريكية الجديدة "غير فعالة، ولن تحقق كامل الأهداف من ورائها"، في حماية الأمن الإسرائيلي والمصالح الأمريكية في منطقة الخليج العربي، مع تعدد خيارات إيران في الرد على أية ضربات توجه لمنشآتها النووية.
وذكرت صحيفة الـ"يو. إس. إيه توداي" الأمريكية اليوم الأحد 31-10-2010 أنه بينما تتجه إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما نحو فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، فإنها بدأت في تطوير نهج جديد للدفاع عن حلفائها العرب في الخليج "الفارسي" من ضربات صاروخية إيرانية محتملة.
ونقلت عن مسئولين سياسيين وعسكريين أمريكيين قولهم إنه في إطار تدعيم الولايات المتحدة لما وصفوه بـ"إجراءاتها الدفاعية" في الخليج العربي، تم نشر سفن حربية أمريكية جديدة أضيفت إلى تلك التي كانت موجودة بالفعل، وتحمل صواريخ دفاعية متوسطة المدى "لاعتراض أية صواريخ إيرانية تنطلق نحو إسرائيل".
وفي الإطار، قالت الصحيفة إن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بحثت مع الشركاء الأسبوع الماضي في العاصمة البريطانية لندن خلال حضورها مؤتمرين عن أفغانستان واليمن، التطورات حول إيران، وخلصت إلى وجود فشل في المسار الدبلوماسي المتعلق بالملف النووي الإيراني.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما وصفته بـ"الدرع الصاروخي" الأمريكي الجديد في الخليج العربي سوف يكون ضمن خطط أمريكية أوسع لنشر منظومات دفاعية صاروخية في أماكن متفرقة من العالم، كما تحاول الآن في أوروبا الشرقية، وأضافت الـ"يو. إس. إيه توداي" أن الخطط الأمريكية فشلت في هذا في شرق أوروبا بسبب المعارضة الروسية.
وأكدت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية سوف تقدم غدا الإثنين إلى الكونجرس الأمريكي مراجعاتها بشأن خططها الدفاعية الصاروخية عبر العالم، ومن بينها خططها في الخليج العربي.
وتعليقا على ذلك، قال مسئول عسكري أمريكي لم تذكر الصحيفة اسمه: إن التعديلات التي تتم على الخطط الأمريكية في الخليج "يجب أن ينظر إليها على أنها تدابير دفاعية حذرة تهدف إلى ردع إيران عن اتخاذ أية إجراءات عدوانية في المنطقة"، واعتبرت الصحيفة أن ذلك قد يكون إشارة على أن واشنطن تتوقع ردا من إيران في حال فرض أية عقوبات جديدة عليها.
أربع دول
من جهتها، ذكرت الـ"نيويورك تايمز" أن السفن التي تحمل الصواريخ الاعتراضية متوسطة المدى التي تنشرها الولايات المتحدة في الوقت الراهن "يتم نشرها قبالة السواحل الإيرانية".
وأضافت الصحيفة أن السفن أعدت لإطلاق صواريخ متوسطة المدى لاعتراض الصواريخ الإيرانية، لاسيما الصواريخ من عائلة "شهاب- 3"، إلا أن الحديث الأمريكي لا يدور حول صواريخ بالستية إيرانية تحمل رءوسا نووية، وإنما هي رءوس تقليدية فقط.
وقالت أيضا إن منظومات الصواريخ الاعتراضية التي تنشرها الولايات المتحدة في الخليج تشمل أربع دول، وهي: قطر، والبحرين، والإمارات، والكويت، إلا أنها أضافت أن هذا الإجراء "قد يشمل أيضا سلطنة عُمان".
وتعليقا على ذلك قالت نيويورك تايمز: إن الدول العربية أصبحت أكثر قابلية لقبول الإجراءات الأمريكية بشأن نشر أسلحة دفاعية جديدة على أراضيها؛ "خشية القدرات العسكرية التي تمتلكها إيران".
ونقلت الصحيفة عن مسئول أمريكي وصفته بالرفيع أن الهدف الأول من هذه الإستراتيجية الجديدة "هو ردع إيران عن مهاجمة جيرانها"، كما تهدف واشنطن أيضا إلى تقليص رغبة بعض الدول العربية في امتلاك سلاح نووي في مواجهة الخطط الإيرانية لذلك، بحسب المسئول الأمريكي.
حرب كلامية
بدورها، علقت صحيفة الـ"واشنطن بوست" على ذلك بالقول: إن الإجراءات الأمريكية الجديدة "جزء من إستراتيجية منسقة لتصعيد الضغوط ضد طهران، ولتبديد الانطباع بأن إيران أضحت أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط، ولتفادي أي تصعيد إيراني مع الغرب حال فرض عقوبات جديدة عليها".
وقالت الصحيفة الأمريكية: إنه وبالإضافة إلى ذلك "تحاول الإدارة الأمريكية إقناع إسرائيل بأنه ليست هناك حاجة عاجلة لتوجيه ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية ومنشآت الصواريخ الإيرانية".
من جهتها، أشارت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية إلى وجود "تصعيد كلامي" بين واشنطن وطهران؛ حيث أشارت إلى ما قاله قائد القيادة المركزية بهيئة أركان الجيوش الأمريكية المشتركة، الجنرال ديفيد بتريوس، في تصريحات لـ"سي. إن. إن" بأن واشنطن "وضعت خطط طوارئ للتعامل مع الملف النووي الإيراني".
وكان بتريوس قد تحدث علانية عن نشر هذه المنظومة الدفاعية الجديدة في الخليج العربي خلال مؤتمر في "معهد دراسة الحرب" في 22 يناير الجاري؛ حيث قال: "دول الواجهة في الجانب الآخر من الخليج تنظر إلى إيران باعتبارها تهديدا خطيرا للغاية".
كما قال القائد العسكري الأمريكي إن نشر صواريخ باتريوت الدفاعية المتطورة في الخليج بدأ قبل قرابة شهر "مع اتضاح اصطدام الجهود الدبلوماسية بعقبات لفرض عقوبات جديدة على إيران".
وتأتي التقارير الصحفية الأمريكية، بحسب "سي. إن. إن"، بعد دعوة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، خلال زيارته الأخيرة للكويت الأربعاء الماضي، الدول العربية في الخليج العربي، والتي تضم قواعد للقوات الأمريكية على أراضيها، إلى عدم السماح باستخدام أراضيها لضرب إيران، محذرا في الوقت نفسه بتحويل إسرائيل إلى "أرض محروقة"، في حال إذا ما أقدمت على مهاجمة طهران.
كما هدد وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي، بأن الأساطيل البحرية الغربية في مياه الخليج "ستكون "أفضل أهداف للجيش الإيراني في حالة تعرض بلاده للهجوم".
إسرائيل
الصحف الإسرائيلية بدورها، وعلى رأسها الـ"هاآرتس"، والـ"يديعوت أحرونوت"، وكذلك الـ"جيروزاليم بوست"، تناولت التقارير الأمريكية في هذا الشأن، واهتمت في تغطياتها بما يخص إسرائيل في هذا الأمر.
وفي السياق، ذكرت الـ"يديعوت أحرونوت" أن مصادر عسكرية أمريكية، لم تسمها الجريدة، أشارت إلى أن واشنطن عملت خلال العامين الماضيين على إمداد بعض دول الخليج بمنظومات تسلح متطورة "لمواجهة هجمات إيرانية محتملة"، وقالت المصادر إن قيمة صفقات السلاح التي حصلت عليها الإمارات والسعودية فقط بلغت 25 مليار دولار.
وذكرت الـ"أحرونوت" أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي. آي. إيه" ليون بانيتا زار إسرائيل الأسبوع الماضي، في زيارة لم يعلن عنها؛ حيث كان الملف الإيراني على قائمة مباحثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك ورئيس جهاز الموساد مائير داجان.
"غير فعالة"
من جهته، أكد الخبير العسكري والإستراتيجي اللبناني وليد سكرية على أن الإجراءات الأمريكية في الخليج العربي "غير فعالة"، وأكد على أن تعدد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، وتعدد الخيارات المتاحة أمام إيران للرد على أي عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي "يجعل من الدرع الصاروخي الأمريكي غير قادر على تحقيق أهدافه".
وقال سكرية في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت": "طبعا إيران هي العدو الأول للولايات المتحدة وإسرائيل، والعقبة الأساسية لتمدد المشروع الأمريكي في المنطقة، مع دعم إيران لقوى الممانعة العربية في وجه إسرائيل وأمريكا"، مضيفا أن البرنامج النووي الإيراني إذا ما كان له بعد عسكري "فإنه سوف يغير خريطة الشرق الأوسط السياسية بأكملها".
وأوضح أنه إذا ما امتلكت إيران سلاحا نوويا "فإن واشنطن وقتها سوف تكون أمام خريطة جديدة تماما للشرق الأوسط؛ وهو ما لا ترغبه أمريكا".
وأشار إلى أن واشنطن نشرت أكثر من منظومة صاروخية في الخليج العربي وإسرائيل في الفترة الأخيرة، الأولى هي صواريخ "باتريوت- 3" القادرة على التصدي للصواريخ متوسطة المدى من طراز "سكود"، ذات مدى يتراوح بين 500 و 600 كيلومتر، إلا أنها غير قادرة على مواجهة صواريخ "سجيل- 2" و"شهاب- 3" الإيرانية التي يتجاوز مداها الـ1500 كيلومتر.
وقال إن هذه الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى نشرت لها واشنطن سفنا تحمل صواريخ اعتراضية من طراز "ستاندارد- 2"، و"ستاندارد- 2".
وقال إن الولايات المتحدة بدرعها الصاروخي الجديد "تسعى إلى تأمين مصالحها في الخليج العربي ووسط آسيا، وتوفير الأمن لإسرائيل"، إلا أنه نفى أن تكون المنظومة الأمريكية التي أعلنت عنها المصادر العسكرية والإعلامية الأمريكية قادرة على تحقيق ذلك.
وأشار إلى أن تأمين المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة لا يتطلب منظومة صاروخية واحدة، بل العديد من المنظومات الدفاعية، مع وجود قواعد عسكرية أمريكية في أكثر من بلد عربي ومسلم.
كما قال كذلك إن تباين طبيعة الأهداف الأمريكية التي يمكن للمنظومات الصاروخية الإيرانية قصفها، ما بين برية وأخرى بحرية مثل السفن الأمريكية في الخليج، يجعل من الصعوبة تغطيتها كلها، وقال إنه على سبيل المثال يمكن لصواريخ "فجر" الحديثة التي تملكها البحرية الإيرانية، ويبلغ مداها 100 كيلومتر، إصابة السفن الأمريكية في مياه الخليج العربي.
وأشار إلى قدرة إيران على إشعال العراق وأفغانستان أمنيا ضد الوجود العسكري الأمريكي الضخم هناك، عن طريق ما وصفه بقوى المقاومة المسلمة في هذه البلدان.
وأشار أنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة في ظل هذه الأوضاع سوف تقدم على ضرب إيران، وإنما قد توعز لإسرائيل القيام بذلك، ولهذا تقوم واشنطن حاليا بإعداد منطقة الخليج دفاعيا، مع دعم إسرائيل بالمعلومات ومنظومات الأسلحة المتقدمة تحسبا لأي صدام مع إيران.