انتخابات "غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب":
وصاية ومذهبية ودلالات سياسية لافتة
فادي شامية
يشهد الجنوب في الأسبوع الجاري (24 كانون الثاني) انتخابات لـ "غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب"، حيث يبلغ عدد مسددي الاشتراكات 7238 من المسجلين في الغرفة (من أصل 15358)، بزيادة لافتة، في غياب التوافق الذي طبع 30 عاماً من تاريخ الغرفة، برئاسة الأستاذ محمد الزعتري.
ويقضي العرف السائد في انتخابات الغرفة البالغ عدد أعضائها 18 عضواً، أن يتوزع الأعضاء الـ 12 المنتخبون مناصفةً بين السنة والشيعة، على أن يعيّن مجلس الوزراء 6 أعضاء (سنيّان وشيعيّان ومسيحيّان). وتكون الرئاسة لأحد الأعضاء السنّة المتحدرين من عاصمة الجنوب صيدا. وتكشف مجريات الانتخابات هذه المرة عن دلالات سياسية هامة إلى درجة أنها تتعدى كونها استحقاقاً نقابياً.
طروحات مناقضة لإلغاء الطائفية السياسية
قبيل انعقاد الجلسة الأولى لانتخابات "غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب" في 30/12/2009 (بنصاب نصف الأعضاء الذي لا يكتمل في العادة) طرح الرئيس نبيه بري طرحاً مناقضاً للطرح العام الذي يُشغل به الساحة السياسية هذه الأيام، إذ بدل أن يطمئن الرئيس بري الذين ينادون بإلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص، قدّم بري لهؤلاء دليلاً حديثاً على أنه مهتم بطائفته، بل بمذهبه، ولو على حساب الكفاءة، عندما يقتضي الأمر ذلك.
في طرحه الجديد اعتبر بري أن الغرف التجارية والصناعية والزراعية في المحافظات تنتخب عُرفاً- رئيساً سنّياً أو مسيحياً، ومن حق الشيعة أن يرأسوا إحدى هذه الغرف، وبما أن الشيعة يمثلون أكثرية عددية في الجنوب فإن من حقهم رئاسة الغرفة في صيدا والجنوب، خلافاً للعرف السائد، وإلا فلتقسّم المحافظات إدارياً ودائماً وفق بري- إلى غرف أصغر يكون فيها غرفة في بعلبك- الهرمل للشيعة، وأخرى في عكار للسنة.
بطبيعة الحال الطائفي والمذهبي السائد في البلد فإن وجهة نظر بري مبررة، ومن الطبيعي أن تكون كل المكونات اللبنانية ممثلة بما تستحق، وليس من الإنصاف في شيء أن يشعر التجار والصناعيون والمزارعون الشيعة أنهم مغبونون، لا في الجنوب ولا في البقاع، حيث الأكثرية العددية لهم، وأن طرحاً كهذا يصح ممن يعتبر نفسه مدافعاً عن حقوق طائفة ـ أي طائفة ـ لكنه لا يصح ممن يعتبر نفسه اليوم مؤتمناً على إلغاء الطائفية السياسية، إذ يجب على من يدعو إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية أن يطمئن المتوجسين والمرتابين من خلال سلوكيات وطروحات "وطنية" بحتة، سواء في الانتخابات النقابية في صيدا أو في شرطة مجلس النواب (حيث الأغلبية شبه كاملة للضباط الشيعة) أو في أي طرح آخر.
الوصاية على عاصمة الجنوب
على ما يبدو فإن الرئيس نبيه بري لم يهضم بعد أن صيدا اليوم ممثلة بنائبين من "تيار المستقبل" خلافاً لرغبته وإرادته، اللتين لم يخفهما أبداً قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة، بل عمل بكل قوته السياسية والانتخابية من أجل تكريس واقع تمثيل المدينة السابق وغير المتجانس... تحت عنوان "التوافق".
وثمة من يؤكد أن الرئيس بري كان قد اجتمع قبيل الانتخابات النيابية بوفدٍ، مؤثرٍ انتخابياً، من تجار صيدا، وأخذ عليهم عهداً في البقاء على الحياد، أو دعم "التوافق" (بهية الحريري وأسامة سعد)، وأن بري ينتقم اليوم من "خذلان" التجار له، برفضه التوافق على رئاسة شخصية صيداوية لغرفة تجار وصناعيي وزراعيي صيدا والجنوب، طارحاً توافقاً بديلاً، يلغي نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، ويفرض وصاية على عاصمة الجنوب.
تقول النائب بهية الحريري خلال حفل تكريمي أقامته، في الرابع من الجاري، على شرف أعضاء المجلس المنتهية ولايته لـ "غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب": "أنا ذهبت إلى عند الرئيس بري وقلت له إنه استحقاق إداري، اقتصادي، في صيدا، وليس استحقاقاً لصيدا، فقال لي اذهبوا واتفقوا وتعالوا. فمع من نتفق؟!". والإشارة في هذا التصريح واضحة، إذ ليس المطلوب الاتفاق بين التجار، ولا بين نائبي المدينة، بل المطلوب التوافق مع النائب السابق أسامة سعد، وكأن ثمة من يقول؛ أنا لا أعترف بالانتخابات التي أخرجتم بموجبها حليفي من الندوة البرلمانية.
خسارة ثقة الصيداويين لا تعوّض بدعم من خارج المدينة
في المعلومات المتعلقة بالعملية الانتخابية أن الرئيس نبيه بري قد حسم خياره لصالح دعم المرشح المحسوب عليه مباشرة محمد صالح، وأن ماكينته الانتخابية تعمل لتحقيق فوز كاسح له، خصوصاً مع بروز توجه لدى أكثرية التجار الصيداويين للانسحاب من المعركة. وفي المعلومات أيضاً أن الرئيس نبيه بري قد اتفق مع رئيس "التنظيم الشعبي الناصري" أسامة سعد ليسمي الأخير الأعضاء السنّة في الغرفة (ستة أعضاء)!.
وللتذكير، فإن الرئيس بري نفسه -بالتحالف مع "حزب الله"- كان قد جيّر لأسامة سعد نحو ألفي صوت انتخابي (نال أسامة سعد 13512 صوتاً، مقابل 25460 صوتاً لبهية الحريري، و23041 لفؤاد السنيورة). ومع أن خسارة أسامة سعد ثقة الصيداويين كانت مدوية، رغم حملات التخويف المتعددة، التي اعتمدها في خطابه الانتخابي، فإن الرجل خلُص إلى أن المذهبية والمال سبّبا له هذه الخسارة، وذلك وفق ما أعلن هو.
وبغض النظر عن صوابية ما خلص إليه سعد، فإن الأهم أن سلوكياته بعد الانتخابات تثبت أن الرجل يريد تعويض ثقة الصيداويين التي خسرها، من خلال مواصلة الاعتماد على قوى سياسية كبيرة من خارج المدينة، واتفاقه مع الرئيس بري في ما خص الانتخابات النقابية التي ستجري الأحد المقبل دليل على ذلك، إذ سيلعب سعد دور "حصان طروادة" لمد نفوذ بري إلى داخل عاصمة الجنوب، خلافاً لرغبة غالبية التجار والمواطنين في المدينة.
وكان سعد قد أطلق قبل أيام "قنبلة دخانية" لتغطية هذا الدور ـ غير الشعبي ـ بإعلانه أن ثمة فريقاً في صيدا "يعمل منذ سنوات على تسييس وتطييف ومذهبة وتشويه المسائل والعمليات الانتخابية للهيئات وللجمعيات حتى لو كانت انتخابات جمعية لدفن الموتى"!. وهو خطاب يشبه كثيراً خطابه عشية الانتخابات النيابية عندما "حذّر" التجار من مغبة "القطع" مع "الجنوب الشيعي" بانتخاب الرئيس فؤاد السنيورة نائباً عن المدينة، في تلويح واضح بالمقاطعة الاقتصادية ضد أبناء مدينته، إذا هي اختارت بحرية ـ وبتأكيد على الوصل مع الجميع ـ من تراه الأجدر لتمثيلها.
من شبه المؤكد الآن أن الرئيس بري سيفعل ما يراه منصفاً لطائفته، دون مراعاة للمزاج الشعبي في صيدا. لن يستطيع تجار وصناعيو وزراعيو صيدا تغيير إرادته، لكن صيدا على استحقاق مع انتخابات بلدية قادمة، ومن حق أبنائها أن يعبّروا عن موقفهم أيضاً، وقد بات واضحاً من يرفع شعارات ويمارس عكسها، ومن يصدقهم في القول والفعل... من يعمل لصالح مدينتهم من أبنائها، وبين من يستقوي على أبنائها بمن يكسر لهم إرادتهم!.