بعد حجبها الثقة عن الحكومة
كيف هي علاقة "تيار المستقبل" بـ "الجماعة الإسلامية"
المستقبل - الجمعة 1 كانون الثاني 2010 - العدد 3526 - شؤون لبنانية - صفحة 5
فادي شامية
لم ينزل موقف "الجماعة الإسلامية" برفضها التصويت بالثقة للحكومة، برداً وسلاماً على "تيار المستقبل". الامتعاض كان واضحاً على وجه الرئيس سعد الحريري أثناء استماعه للجملة الأخيرة من كلمة النائب عماد الحوت تحت قبة البرلمان. احتاج الأمر إلى توضيحات لاحقة لطي صفحة الالتباس هذا.
خلفية عدم التصويت بالثقة
قبيل بدء جلسات مناقشة البيان الوزاري، عرض المكتب السياسي في "الجماعة الإسلامية" لموضوع منح الحكومة الثقة. المناقشة كانت مستفيضة لا سيما في جانب الأسلوب الذي اتبع في عملية تشكيل الحكومة. الرأي الغالب رأى أنه إذا كان "الآخرون" مضطرين لدواعي الحفاظ على السلم الأهلي، أو لأسبابهم الخاصة، بأن يقبلوا بالطريقة التي تشكّلت الحكومة وفقها، فليس ثمة موجب على "الجماعة" كي تقبل؛ فلا هي ملزمة بما يتخذه حلفاؤها من مواقف، ولا هي مشاركة في الحكومة أصلاً حتى يكون صعباً عليها تخطي الاعتراض الكلامي إلى موقف عملي.
لم يشأ المكتب السياسي أن يزايد بهدف الكسب في الشارع -كما يقول مصدر في "الجماعة"-، لكن المكتب اعتبر أن "الجماعة" ربما تكون الوحيدة القادرة على الامتناع عن التصويت بالثقة، على اعتبار أن حلفاء "تيار المستقبل" الآخرين مشاركون في الحكومة. الهدف من القرار كان مبدئياً - وفق المصدر دائماً- "إذ كان يجب أن يُخرق الإجماع في المجلس النيابي بصوت يحجب الإجماع عن نتائج آلية غير دستورية يفرضها الواقع وبالتالي يبقيها على إستثنائيتها، بحيث لا تصبح عرفاً مجمَعاً عليه من خلال التصويت في المجلس النيابي".
في ضوء هذا القرار صاغ النائب عماد الحوت كلمته مسجِّلاً ملاحظتين: أن "الحكومة تشكلت على قاعدة بدعة لا دستورية هي الثلث المعطل، وأن تسمي القوى السياسية وزراءها لاغية بذلك الحق الدستوري للرئيس المكلف باختيار وزرائه". والملاحظة الثانية؛ "أنه لم تعد من أهمية لإجراء الانتخابات النيابية والاحتكام إلى الشعب، إذا كانت أغلب القوى السياسية ستنضم إلى الحكومة، وبالتالي يتخلى المجلس النيابي عن دوره الرقابي".
ومع أن عدداً كبيراً من مانحي الثقة قد أثاروا هذه الملاحظات من الزاوية نفسها، إلا أن موقف "الجماعة" بعدم التصويت بالثقة للحكومة، اعتُبر لدى "تيار المستقبل" وكأنه موجّه ضد الرئيس سعد الحريري مباشرة، سيما ان رئيس الحكومة لم يُحَط علماً من "الجماعة" بأنها ستتخذ هذا الموقف. كما اعتبر بعض أركان التيار أنه كان بمقدور "الجماعة" إثارة "ملاحظاتها المحقة" ثم منح الحكومة الثقة، كما فعل كثيرٌ من النواب الذين تناوبوا على الكلام في البرلمان.
اجتهادات مضللة
بعد هذا الموقف راج الكثير من الكلام، في الوسطين السياسي والإعلامي حول علاقة "الجماعة" بـ "التيار". ثمة اجتهادات غير بريئة عبّرت عن نفسها بالحديث عن تململ "الجماعة" من العلاقة بالحريري بعد الانتخابات الأخيرة، نتيجة "خذلان الجماعة في الانتخابات التشريعية، ثم النكث بوعد توزير أحد مرشحيها". بينما ذهب البعض أبعد من ذلك باعتبار موقف "الجماعة" نابعاً من "طروحاتها الإسلامية"!
في الواقع فإن العازفين على وتر التراجع في العلاقة بين "الجماعة" و"التيار" هم أنفسهم الذين ما فتئوا يحاولون "اختراق" الشارع السني بقوى موالية لهم، وهم أنفسهم الذي يروّجون اليوم لـ"تضعضع" في جمهور "تيار المستقبل" بعد زيارة الرئيس سعد الحريري إلى دمشق، ويقسّمون الناس في هذا الإطار بين "منخدعين مصدومين"، و"نفعيين يميلون وفق الاتجاه"!.
والواقع أيضاً، أنه وإن كان موقف "الجماعة" قد أثار التباساً محدداً، إلا أنه لا يمكن أن يصب -بوضوحه وصرامته من الأعراف الدستورية المفروضة-، في خانة الذين يراهنون على أن تلعب "الجماعة" دور حصان طروادة في الشارع السني، بعدما تحطّم مشروعهم أو كاد، في إنشاء وتسمين واجهات إسلامية أخرى، كان أهمها "جبهة العمل الإسلامي".
يستفيض مصدر مسؤول في "الجماعة" في توضيح الأمر، فيقول: "لطالما انطلقت مواقفنا من قناعاتنا. كنا أول من طالب برحيل الرئيس السابق إميل لحود. لم نكن ننتظر طوال السنين الماضية جائزة على مواقفنا من أحد، وإنما كنا حريصين على الوطن وعلى ساحتنا على وجه التحديد... عندما جاءت الانتخابات الأخيرة، رفضنا أن نكون تحت عباءة أحد، وأبرمنا تفاهماً مع تيار المستقبل، يشمل كلاً من بيروت وصيدا فقط، وبقينا في بقية المناطق منفردين، ولم يخذل أحدنا الآخر، ولم نطلب أو نأخذ وعداً من الحريري بتوزير أحد منا. هذا الكلام غير صحيح وهو محاولة للاصطياد في الماء العكر".
لعله من المثير للدهشة أن يجد موقف الجماعة هذا وهو معبّر عنه بتصاريح علنية متفرقة للدكتور عماد الحوت أصلاً- من يزايد عليه من خارج "الجماعة"، فيعتبر -رغماً عن "الجماعة"- أنها "تشعر بالمرارة" حيناً، أو أنها كانت مضطرة في السابق للتماشي مع "المزاج السني" حيناً آخر... سيما أن مواقف رئيس المكتب السياسي السابق علي الشيخ عمار (انتخبت الجماعة قبل أيام رئيساً جديداً للمكتب السياسي هو عزام الأيوبي) كانت ساطعة في دعمها الحكومة، (وهي سمّت الحريري أصلاً لرئاسة الحكومة)، وفي اعتبارها الاستنابات القضائية السورية "مسرحية تثير الاشمئزاز من أجل إشغال الناس عن المحكمة الدولية"، وفي تأييدها زيارة الحريري إلى سوريا... وهذا كله جاء بعد الامتناع عن التصويت للحكومة.
تفاهم وتنسيق
يوم الأربعاء 30/12/2009 زار وفد من "الجماعة الإسلامية" السرايا الحكومية وقد ضم النائب عماد الحوت، ورئيس المكتب السياسي (الجديد) عزام الأيوبي، والشيخ أحمد العمري. كان الاتفاق تاماً على كل شيء، وثمة نقاط هامة طرحت، وتتطلب عملاً مشتركاً لتحقيقها، وهو ما سيتطلب تكثيفاً في التواصل اللاحق.
لم يكن هذا الاجتماع هو الأول بالحريري مذ أصبح رئيساً للحكومة، فقد سبقه اجتماع بالنائب الحوت، واتصالات هاتفية لم تنقطع معه، بما فيها اتصال عشية نيل الحكومة الثقة، شرح فيه النائب الحوت موقف "الجماعة"، معتبراً أنه "لمصلحة الحريري وليس ضده، كما أنه لمصلحة أي رئيس حكومة قادم".
يقول النائب الحوت لـ"المستقبل": "إن العلاقة بتيار المستقبل ليست تكتيكية أو عابرة، إنما هي علاقة استراتيجة، وتتخطى المكاسب والمصالح بالمفهوم الضيق للكلمة". يضيف: "لنا ملء الثقة بالرئيس سعد الحريري وهو ما عبّرنا عنه في أكثر من لقاء معه، وهو يعرف ذلك". وإذ يرفض الحديث عما دار في اجتماعهم الأخير به يعقّب بالقول: "نعمل بشكل مشترك على تحقيق بعض المكاسب الوطنية، وعلى مستوى الساحة الإسلامية التي تتطلب العمل الكثيف في المرحلة القادمة لتحصينها، وسيُعلن عن خطوات عملية في هذا المجال في حينه".