المهدوية> تحرّك النظام الإيراني وتوتّر علاقاتها بالعالم الإسلامي!
فادي شامية- اللواء- 23-12-2009
تتزايد هذه الأيام التصريحات <الغريبة> الواردة من إيران· وعلى الأرجح فإنه لن يكون آخرها تصريح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في 3/12/2009 أثناء زيارته أصفهان، وإلقائه خطاباً <عللّ> فيه سبب الهجمة الأميريكة على المنطقة·
الهجمة الغربية سببها منع ظهور المهدي!
وفق تحليل نجاد فإن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها يعلمون بأنه سيظهر الإمام المهدي <في هذه المنطقة ويقضي على جميع الظالمين في العالم، وأن الشعب الإيراني سيكون من بين أنصار هذا الرجل الربّاني>· أضاف: <إن السبب الذي دفعهم إلى شن هذا الهجوم، والذي لم يصرّحوا به، هو علمهم بأنه سيأتي يوم يظهر فيه رجل من نسل آل محمد (ص)··· وإيران لديها وثائق تثبت ذلك>!· ولم يوضّح نجاد ماهية هذه <الوثائق>؛ هل هي كتب المراجع الشيعية في قم؟! أم أنها محاضر حصلت عليها المخابرات الإيرانية، تتعلق بمداولات دول <الاستكبار العالمي>، التي باتت تعتقد فجأة بالإمام المهدي، وتعمل على منع ظهوره!·
ليس سراً في هذا السياق أن المسلمين على جميع مذاهبهم يؤمنون بظهور رجل في آخر الزمان يصلح حال الأمة، على خلاف بينهم في طبيعته ونسبه ودوره، - وهي فكرة تجد مثيلاتها في كثير من الأديان- لكن لم يقل أحد من المسلمين ?قبل أحمدي نجاد-بأن هدف أميركا وحلفائها من حربها على العراق وأفغانستان هو منع ظهور المهدي، فهذه نظرية جديدة يوظّفها نجاد في إطار شد عصب جمهوره داخلياً وخارجياً، والأهم أنه لم يجعل أحد من قادة العالم الإسلامي هذا الاعتقاد عاملاً مفسراً لـ <الجيو استراتيجيا> على هذا النحو· فحتّى أسامة بن لادن الذي قسّم العالم إلى فسطاطين على أساس ديني، لم يقل مرةً إن <هجوم الغرب على الأمة الإسلامية> سببه منع ظهور المهدي!·
ركنيّة <المهدوية> في إيران
خطاب نجاد، على غرابته، ليس معزولاً في الفكر السياسي الذي يتحكّم بالجمهورية الإسلامية، فالمهدوية ركن ركين في مفهوم الحكم في إيران، ولعلنا لا نجافي الصواب إذا قلنا إنها الركن الأهم في المنظومة السياسية لإيران، ففي 13/11/2009 أعلن ممثل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية لدى الحرس الثوري مجتبى ذو النور أن <اختيار وإقالة المرشد الأعلى للجمهورية تأتي من الله والنبي (ص) والأئمة الشيعة، وليس الأشخاص>· أضاف أمام حشد طالبي: <إن مجلس الخبراء الذي اختار خامنئي للمنصب لا يستطيع إقالته، لأن شرعيته تكون من أعلى (السماء) وقبوله يكون من الناس، وأعضاء المجلس (مجلس الخبراء) لا يعينون المرشد الأعلى لكنهم يكتشفونه اكتشافاً>·
وفي 2/11/2009 قال الجنرال يحيي رحيم صفوي، القائد العام السابق للحرس الثوري، والمستشار العسكري للمرشد الأعلى آية الله خامنئي: <إن الولي الفقيه هو خليفة المهدي المنتظر، وهذه المسألة جادة ولا تقبل المزاح>· أضاف في كلمة له أمام منتسبي قوات الحرس الثوري في معسكر مدينة كرج غربي طهران: <إن من يقف أمام الولي (الفقيه) مصيره السقوط والهزيمة··· لقد كانت جبهات القتال (مع العراق) مواقع لنزوله، ولقد حظينا به أثناء حربنا مع العراق>·
أما القائد الحالي للحرس الثوري الإيراني، الجنرال محمد علي جعفري، فقد قال في 31/10/2009 خلال اجتماع للحرس الثوري في مدينة أورمية: <إن الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية أكثر أهمية من فريضة الصلاة>!·
ويظهر من هذه التصريحات التي أدلت بها أرفع الشخصيات في الجمهورية الإسلامية، الأهمية القصوى التي تحتلها المهدوية في النظام، لدرجة أن الحروب بين المسلمين ?إيران والعراق- باتت بأمر المهدي وبمباركته، و>تجليه> الجسدي أيضاً· كما أن التغيير في النظام بات كفراً· وأكثر من ذلك، فقد أصبح التغيير في شخص القائد غير ممكن لأنه يأتي باختيار إلهي، يكتشفه مجلس الخبراء ولا يمكنه حياله فعل أي شيء!·
كيف توتّر هذه العقيدة العلاقة مع الدول الإسلامية؟!
بدايةً، ومع أن المسلمين السنّة يؤمنون بالمهدي إنساناً سيولد لاحقاً و>يملأ الدنيا عدلاً>، فإن ثمة خلاف شاسع في النظرة إلى المهدي بينهم وبين المسلمين الشيعة، أهمها مبدئياً أن المهدي لدى الشيعة مولود موجود منذ العام 874م ولكنه مختفٍ وسيظهر بعد تحقق علامات معينة، ذات صلة بواقعة استشهاد الإمام الحسين·
هذه الخلفية الدينية مهمة للولوج في الجانب السياسي ? موضوع المقال- ذلك أن ثمة تعبئة سياسية مبنية على أسس دينية تقول إن من علامات ظهور المهدي تغير النظام الحاكم في المملكة العربية السعودية، حتى أن المرجع الشيعي الإيراني حسين الخراساني يقول في كتابه <الإسلام على ضوء التشيع>: <إن كل شيعي على وجه الأرض يتمنى فتح وتحرير مكة والمدينة وإزالة الحكم الوهابي النجس عنها>· ولا داعي هنا للإفاضة كثيراً في استعراض الشواهد من الكتب والمجلات الحديثة المطبوعة في إيران حول هذه النقطة بالتحديد، حتى لا نغوص بفتنة وخلافات دينية ليست هي موضوع المقال·
لكن، وبما أن ثمة تعبئة معينة ضد الدولة الدينية الأهم في العالم الإسلامي، أي المملكة العربية السعودية، فإن الأمر ينعكس توتراً في العلاقة بين إيران والدول الإسلامية الأخرى، خصوصاً أن ثمة من يعتبر في إيران أن تصدير الثورة ونجاح المشروع الإيراني أحد أهم الممهدات لظهور المهدي·
وكان فيلم سينمائي أنتج في باكستان، عرف بـ 313، وحظي مؤخراً باهتمام كبير، (كما يحظى باهتمام الآن فيلم 2012 المبني على <نبوءة> مفادها نهاية العالم في العام الميلادي 2012) لأنه استوحى موضوعه من فكرة ظهور الإمام المهدي، رابطاً ذلك بعلامتين؛ تدمير العراق، وحدوث فوضى ودماء في مكة المكرمة، بعدها يقود 313 عالماً شيعياً العالم· وخطورة الفيلم أنه يزيد من حالة التوتر بين المسلمين·
وهنا يمكن التوقف أمام مسيرة <البراءة من المشركين في الحج> كأحد عوامل التوتر أيضاً بين إيران وجيرانها، خصوصاً أن ثمة خطابات ومواقف حادة ألقيت قبل موسم الحج الحالي من الجانبين الإيراني والسعودي، أوحت بما لا يحمد عباه··· لكن الله سلّم·
إنه لأمر يدعو للتبصّر أن تتوتر علاقة دولة معينة مع دول العالم كله بسبب مشروعها، لكن أن يكون جانب كبير من أسباب التوتر متعلقاً باعتقادات دينية، لا تتناسب مع طروحات الوحدة الإنسانية أو حتى الإسلامية التي تطرحها هذه الدولة، فالأمر يدعو إلى القلق الجدي!·