خلايا "حزب الله" في الخارج: ملفات في دائرة التحقيقات... والقضاء! (1/2)
فادي شامية- اللواء- 12-12-2009
تتكاثر مؤخراً المعلومات المنشورة عن خلايا "حزب الله" في الخارج. الموضوع ليس جديداً، لكنه أصبح في الأشهر القليلة الماضية أكثر "جدية"، وذلك بعد انتقاله من إطار التحقيقات الصحفية إلى إطار التحقيقات الأمنية، فالمحاكمات القضائية، في عدد ليس بالقليل من بلدان العالم.
ما يرصده التحقيق الآتي هو مجموعة من الملفات المفتوحة لـ "حزب الله" في الخارج، على الصعيدين الإعلامي والقضائي. وإذا كانت سياسة "حزب الله" قد درجت على عدم التعليق، أو توضيح، أو تناول مثل هذه القضايا في الإعلام، فإن ذلك لم يمنع من إثارة أكثر من ملف من هذا النوع إعلامياً، في غير دولة من الدول ذات الصلة، وتالياً فإن حق الرأي العام اللبناني الاطلاع على هذه المعلومات، دون أن يعني ذلك بالضرورة تبنيها جملةً أو نفيها جملةً.
خلية سامي شهاب في مصر
تعتبر خلية اللبناني يوسف منصور في مصر (اسمه المزيف سامي شهاب وهو –بالمناسبة- موجود على السجلات اللبنانية في دائرة نفوس بيروت)، الخلية الأشهر لـ "حزب الله" في الخارج. ليس فقط لأنها أثيرت بقوة شديدة في الإعلام المصري، بـ "مباركة" من السلطات المصرية، في ربيع العام الجاري، وإنما لأن "حزب الله" نفسه، -خلافاً لباقي الملفات المشابهة- وعلى لسان أمينه العام، اعترف بوجودها، وتبنى فعلها، وتالياً أرسل محامين لبنانيين إلى المحاكم المصرية للدفاع عن الموقوفين فيها، لا سيما منهم اللبناني يوسف منصور. (ثمة موقع على الإنترنت اليوم اسمه "موقع المجاهد يوسف شهاب ورفاقه" لمتابعة قضيته).
مهمة هذه الخلية وفق "حزب الله" هي "نقل الدعم اللوجستي إلى المقاومة الفلسطينية من عتاد وأسلحة إلى داخل فلسطين"، هذا هو النص الحرفي لتصريح السيد حسن نصر الله بخصوص هذا الموضوع. أما السلطات المصرية فتضيف إلى هذه المهمة، مراقبة قناة السويس، ومصالح إسرائيلية في مصر، والتخطيط لتنفيذ هجمات تستهدف الأمن القومي المصري.
وعلى كل حال، ولو اعتبرنا أن باقي التهم غير مثبتة، فإن السلطات المصرية تعتبر مجرد وجود خلية تعمل لصالح تنظيم خارجي على أراضيها انتهاكاً للسيادة المصرية، خصوصاً مع استعمالها وثائق وأسماء مزورة، واعتراف "سامي شهاب" نفسه بأنه تعاون مع اللبناني محمد قبلان، والسوداني "خليل" ومع البدو وآخرين، لتنفيذ مهامه في مصر.
خلية "حزب الله"- "الحرس الثوري" في أذربيجان
ثمة ملف مشابه، مفتوح في أذربيجان منذ مطلع العام الجاري، وقد أثير إعلامياً بعد أن أجرت السلطات الأذرية تحقيقاتها، وأحالت المتهمين إلى القضاء.
وكان هذا الملف قد وصل إلى خواتيمه بهدوء مع مطلع شهر تشرين الأول الجاري، عندما أدان القضاء الأذري لبنانيين إثنين هما؛ علي كركي وعلي نجم الدين، إضافة إلى أربعة مواطنين أذريين، بتهمة التخطيط لتنفيذ هجوم على السفارتين الإسرائيلية والأميركية في باكو، ورادار غابالا الإستراتيجي شمال البلاد. وقد قضى الحكم بسجنهما خمسة عشر عاماً على اعتبار أن العمل لم يصل إلى مرحلة التنفيذ.
وقد ربط حكم المحكمة بين المجموعة، التي ألقي القبض عليها في أيار 2008، وبين "حزب الله" والحرس الثوري الإيراني، بناءً على اعترافات المجموعة. ومن المعروف أن النظام في أذربيجان على خلاف مع النظام في إيران، بسبب الخلاف على إقليم ناغورني كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، حيث تناصر إيران أرمينيا على حساب أذربيجان، لأسباب سياسية (مرتبطة بالمشروع الإيراني في المنطقة)، وإثنية (خوفاً من دعم أذربيجان للأقلية الأذرية في إيران نفسها).
خلية داني طرّاف في أميركا
في 24 تشرين الثاني الماضي أعلن مكتب التحقيقات الفدرالية في الولايات المتحدة الأميركية عن إحباط مخطط يهدف إلى تهريب أسلحة مختلفة، من بينها أسلحة مضادة للطائرات إلى كل من؛ إيران وسوريا ولبنان، وإلقاء القبض على المواطن اللبناني داني نمر طرّاف في مدينة فيلادلفيا الأميركية بعد أن وصل اليها لتفحص صواريخ مضادة للطائرات وأسلحة آلية أخرى.
وقد ذكرت صحيفة "فيلادلفيا إنكوايرر" نقلاً عن الـ"إف.بي.آي" ووكالة "الأسوشيتدت برس" يوم الإثنين 23 تشرين الثاني الماضي أن "التحقيق في القضية بدأ منذ شهر حزيران 2007 بعد أن عرض أحد العملاء الفدراليين المتخفين على اللبناني حسن محمد قميحة شراء أجهزة كومبيوتر محمولة وهواتف خليوية وألعاب فيديو وبيعها في أميركا وفي الخارج... لكن العملية اتخذت طابعاً خطيراً حين بدأ قميحة وأصدقاؤه الكلام عن أسلحة قادرة على اصابة المقاتلات الجوية... وأنه قد دفع مبلغ 20 ألف دولار نقداً للعميل كدفعة أولى مقابل أسلحة آلية وصواريخ من طراز ستينغر". وقد وجهت تهم أخرى إلى 8 اشخاص على صلة بالخلية.
من جهتها ذكرت وكالة "أ.ف.ب"، يوم الثلاثاء 24 تشرين الثاني أن عدد المتهمين قد ارتفع، وأن البضاعة كانت ستشحن إلى "حزب الله"، وأن من بين المتهمين ثلاثة يحملون إقامات مزدوجة في لبنان وسلوفاكيا. أما الباقون، فقد وجهت إليهم اتهامات منفصلة لبيع بضائع مسروقة.
بدورها زعمت صحيفة "الواشنطن بوست" في 25 تشرين الثاني الماضي أن أحد أعضاء المجلس السياسي لـ"حزب الله"، وصهره هاني حرب، مرتبطان بهذه الخلية، وأنهما حاولا تهريب ما يقارب من 1200 بندقية رشاشة من الولايات المتحدة الأمريكية لصالح "حزب الله" عبر سوريا، وذلك وفق لوائح الاتهام التي أعلنت يوم الثلاثاء 24 تشرين الثاني أمام المحكمة الفدرالية في مدينة فيلادلفيا. وقد كشفت الصحيفة أسماء المتهمين، ومن بينهم اللبنانيان حسن عنتر كركي، وموسى علي حمدان (الأخير لبناني من بروكلين)، إضافة إلى المسؤول في "حزب الله" وصهره، وحسب الناطقة بإسم المدعي العام، باتريشيا هارتمان، فإن الولايات المتحدة لا تحتجز الآن أياً من هذه الشخصيات.
ووفق الصحيفة فإن الدليل الأساسي لدى المحكمة ضد المسؤول في "حزب الله" جاء من خلال حديث مسجل له بتاريخ 23 حزيران الماضي مع هاني حرب، تناقشا فيه حول شحنة البنادق الرشاشة الهجومية من طراز كولت M4، والتي قالت الحكومة الأمريكية إنها نالت موافقة مسؤول من "حزب الله" يعمل من إيران، لم يجر الكشف عن هويته.
هذه الملفات المثارة إعلامياً (وغيرها مما سيرد في الحلقة القادمة) ترتكز على معطيات قضائية، لذا فإن من واجب الدولة اللبنانية متابعة السلطات في البلدان ذات الصلة، لمعرفة حقيقة ما جرى، فإذا كان ثمة افتراءات – وهذا وارد بشدة- فإن عليها أن تتحرك للدفاع عن اللبنانيين الموقوفين أو الصادرة بحقهم مذكرات توقيف، وإن كانت الوقائع متينة، فإن على الدولة أيضاً أن تتابع هذه الموضوعات إلى النهاية في لبنان، وأن تتعاون مع السلطات في البلدان ذات الصلة بشأنها، كما عليها رعاية اللبنانيين الموقوفين بالخارج، حتى ولو كانوا مدانين، لأن لهؤلاء حقوقاً يجب أن تحترم. (مثلاً يجب أن تتحرك الخارجية اللبنانية للتثبت من واقعة تعرض اللبناني يوسف منصور للتعذيب في مصر بغض النظر عن إدانته من عدمها).
في الحقة التالية: خلية الباراغوي، والصفقة الأوكرانية، ولغز الأموال الإيرانية.