أزمة قوى الأمن الداخلي: إشكالات قانونية وتدخلات سياسية!
فادي شامية – خاص الأمان
خلال فترة الوصاية السورية على لبنان، كانت التعيينات في قوى الأمن الداخلي تتم عبرالسوريين وبموافقتهم. المثال الأوضح في هذا الشأن تمثل بتعيين العميد علي الحاج، قائد منطقة البقاع، -بعد ترفيعه إلى رتبة لواء-، مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، بدلاً من اللواء مروان زين، متجاوزاً العديد من الضباط الذين يعلونه رتبةً، وبالتوازي مع الإطاحة بالمقدم منذر الأيوبي من على رأس فرع المعلومات، وبتهميش كل الضباط القريبين من الرئيس رفيق الحريري.
الانقسامات داخل مؤسسة قوى الأمن الداخلي
بعد خروج الجيش السوري من لبنان حلت القوى السياسية محل المخابرات السورية في تدخلها بالتعيينات. وأكثر من ذلك فقد "ورثت" هذه القوى ضباط قوى وعناصر قوى الأمن الداخلي تبعاً لطوائفهم ومذاهبهم، فانقسم المسيحيون بين ميشال عون ومسيحيي 14 آذار، وانتقل الشيعة إلى الثنائي "أمل"- "حزب الله"، وصار ولاء غالبية الضباط السنّة للنائب سعد الحريري، شأنهم شأن الدروز الذين صار غالبيتهم "عند" النائب وليد جنبلاط.
على هذا الأساس، وخلال فترة التجاذب السياسي الحاد، تعطل مجلس القيادة عن الانعقاد، باعتباره مجلساً يضم هذا الخليط المتنوع من الولاءات السياسية. وتالياً تعذر على هذا المجلس أخذ القرارات المناسبة لأنه واعتباراً من 6ـ 9ـ1990، بات محكوماً بآلية اتخاذ قرار تتطلب موافقة ثمانية أصوات من أصل أحد عشر صوتاً في مجلس القيادة، خلافاً لكل الأجهزة الأمنية. (وقد كان الهدف من ذلك إعاقة عمل قوى الأمن الداخلي في كل مرة لا يحظى فيه القرار برضى سوري).
ورغم أن مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي قد أثار هذه الإشكالية أكثر مرة مع وزراء داخلية الحكومات التي تشكلت بعد خروج السوريين من لبنان، إلا أن الموضوع لم يعط الأولوية اللازمة، وربما فضّلت بعض الحكومات تجنب وقوع إشكال في البلد حول هذا الموضوع.
أمام هذا الواقع بات على اللواء أشرف ريفي أن يصدر قرارات "فصل" للضباط من وحدة إلى أخرى، تجدد دورياً، بدلاً من إصدار تشكيلات جديدة، لأن الأخيرة تحتاج لقرار مجلس القيادة، خلافاً للأولى. كما بات عليه تعليل واقع "شعبة" المعلومات بالظروف الاستثنائية، لأنه غير قادر على انتزاع موافقة أغلبية 8/11 عضواً في مجلس القيادة، لتحويلها من فرع إلى شعبة. وقس على ذلك...
تمرد قائد الدرك!
في هذا الجو من الانقسام وجد قائد الدرك، العميد إنطوان شكور، من يحميه من عواقب "معارضته" للمدير العام لقوى الأمن الداخلي، فهو "اعتكف" اعتباراً من تشرين الأول 2007 عن حضور جلسات مجلس القيادة، ثم بدأ يسوّق نفسه لدى قوى 8 آذار، لا سيما المسيحية منها، بأنه المدافع عن المسيحيين في قوى الأمن الداخلي، وأن التوازن الطائفي غير مؤمّن في هذه المديرية، على مستوى الضباط والعناصر.
عارض شكور تصحيح أوضاع "شعبة" المعلومات. وعارض مكافأة الضباط الذي كشفوا جريمة عين علق بمنحهم أقدمية استثنائية. واعتبر تنفيذ قرارات فصل الضباط من وحدة إلى أخرى غير قانونية، وتالياً فهو "غير مجبر على تنفيذها". وفي 12-10-2009 أصدر العميد شكور، مذكرة خطيرة، منع بموجبها المخافر من تلقي بريد "شعبة" المعلومات. الإجراء؛ شكّل مساً خطيراً بأمن الناس، لأن "شعبة" المعلومات، وبغض النظر عن معالجة الوضع القانوني لها، باتت المصدر الأول للمعلومات الأمنية في البلاد.
في الأسبوع الماضي وصل الخلاف بين ريفي وشكور إلى الذروة، وذلك عندما أصدر ريفي أمراً إلى شكور لـ"فصل" ضباط من وحدة إلى أخرى. رفض شكور التنفيذ، وكتب بخط يده عبارات تفيد رفضه تنفيذ أوامر "غير قانونية". وعندما وصلت البرقية إلى ريفي "طار عقله"، وبعث برسالة طلب فيها التنفيذ تحت طائلة العقوبة، لأن مرحلة "سعة الصدر" قد انتهت، وأن مهلة التنفيذ تنتهي الساعة الخامسة من يوم الخميس 19-11، ولما لم ينفذ شكور، أصدر ريفي مذكرة توقيف شكور عن العمل مدة 15 يوماً وعزز مقر المديرية بسرية من القوى السيارة لمنع شكور من دخول مقره، الأمر الذي أدى إلى اتصالات رفيعة المستوى، اضطر على إثرها شكور إلى الحضور إلى المديرية الساعة الثانية من فجر يوم الجمعة 20-11 لتوقيع قرارات النقل، مقابل أن يتراجع ريفي عن مذكرة العقوبة.
التوتر ينتقل إلى السلطة التنفيذية!
التوتر لم يقتصر على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بل انتقل إلى السلطة التنفيذية نفسها، فقد اعتبر وزير الداخلية زياد بارود أن اللواء ريفي قد أحرجه، باختياره التوقيت غير المناسب لهذه "المعركة"، فضلاً عن أنه لم يأخذ بـ "تمنياته" بعدم التصعيد، ولم ينتظر تطبيق الخطة الإصلاحية لبارود.
على هذا الأساس قرر بارود الاعتكاف عن ممارسة مهامه، لكن هذا الاعتكاف لم يستمر طويلاً إذ اضطر بارود لنفيه، ومعاودة حضوره جلسات البيان الوزاري، لأن رئيس الجمهورية الذي ينتمي بارود إلى فريقه، كان موقفه إلى جانب ريفي، وقيل إن الضباط المنقولين، كان رئيس الجمهورية قد سماهم أصلاً، وعلى هذا الأساس "مرر" الرئيس ميشال سليمان في دردشة مع الصحفيين رسالة تغطية لريفي عندما اعتبر أن "ما يجري في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أمر عادي بين رئيس ومرؤوسه". وهي الرسالة نفسها الذي أعلنها وزير الدفاع عبر شاشة تلفزيون ال بي سي صباح الثلاثاء 24-11 خلال برنامج صباحي.
وهكذا وجد بارود نفسه وحيداً، بينما امتنع ريفي- الذي يحظى بثقة النائب سعد الحريري أيضاً- على الإدلاء بأي تعليق، معتبراً أن ما جرى إجراء تأديبي يتيحه له القانون، بعدما تمادى العميد شكور في تمرده، وأن هذا الإجراء انتهى عندما نفّذ شكور القرارات مجبراً، وأن هذا الأمر كان لا بد منه حتى لا يشكل سابقة جديدة.
الواضح الآن أن أوار الأزمة قد هدأ، وأن اتصالات تجري لمعالجة ذيولها، ريثما يعاد فتح ملف قوى الأمن الداخلي برمته. ولكن ثمة من يتساءل: هل سيحتاج كل قرار يصدره مدير عام قوى الأمن الداخلي إلى "واسطة" أو إلى "لجنة أمنية" كي يصار إلى تنفيذه؟ وأي مؤسسة أمنية يمكن أن تدار بهذا الشكل؟! وأي أمن توفره الطبقة السياسية -التي تحمي الضباط المتمردين- للناس؟!