انقسامات طائفية ومذهبية حتى في السجون
فادي شامية- المستقبل - الاربعاء 25 تشرين الثاني 2009 - العدد 3493 - شؤون لبنانية - صفحة 5
أوضاع السجون الشاذة لا تتحمل مسؤوليتها القوى الأمنية المولجة بتنظيم شؤون السجون وأمنها فقط، ولا القوانين التي تحتاج إلى تحديث، ولا الأعراف القائمة في السجون والتي يجب مراجعتها، وإنما أيضاً الانقسام السياسي في البلد، لا سيما في بعديه الطائفي والمذهبي.
وخلافاً لما يظن البعض، فإن هذا الواقع سحب نفسه على السجون أيضاً، مساجين وسجانين، وخلافاً لمنطق الأمور القاضي بأن يكون المسجونون كتلة واحدة مقابل إدارة السجن، فيما خص مطالبتهم بحقوقهم، أو بتحسين أوضاعهم، فإن الواقع داخل السجون ينبىء بأمر مختلف، إذ أن الانقسام السياسي، والعِراك الطائفي والمذهبي لا يكاد يتوقف داخل السجون، وهو يعتبر أحد العوامل التي لا يمكن لأية إدارة سجن أن تغفله، لا سيما في سجن رومية.
مشاحنات وتضارب ومحاولات فرار!
في مطلع العام الجاري تعرّض عدد من السجناء للضرب من قبل سجناء آخرين من طائفة أخرى في مبنى الأحداث في رومية، وذلك أثناء نقلهم من القسم الذي كانوا فيه إلى مبنى الأحداث، في إطار خطة لجأت إليها إدارة السجن لإحباط إمكانية التحضير لفرار ما، لكن وبما أن الأمر أخذ أبعاداً طائفية (بين المسلمين والمسيحيين)، فقد اضطرت الإدارة إلى وضع المنقولين من الموقوفين في المبنى (د) الذي لا يتمتع بحماية أمنية كافية.
في 9/8/2009 أقدم السجين فوزي شحرور، المحكوم بجرائم سلب ومخدرات، على قيادة عملية شغب في رومية، وبالتعاون مع تسعة موقوفين آخرين، ناصروه على أساس مذهبي، بعدما استدرج أحد المجندين وهدده بوضع آلة حادة على رقبته من داخل زنزانته، هي عبارة عن مسكة ركوة قام شحرور بسنّها جيداً، ثم عمد الى سحب مفاتيح الزنزانات من المجند، وأقدم على فتح 21 زنزانة، ثم عمد إلى إضرام النيران في طابق المحكومين بجرائم السلب والمخدرات.
في 18/8/2009 نجح السجين السوري طه أحمد الحاج، من تنظيم "فتح- الاسلام"، في الفرار من سجن رومية، بمشاركة سبعة مساجين آخرين، عبر تسلق الحائط على أكتاف بعضهم البعض، وقد فشلت المحاولة، وتمكنت "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي ووحدات خاصة من الجيش اللبناني من إلقاء القبض على السجن الهارب.
عملية الفرار هذه وقعت من المبنى (د) الضعيف أمنياً، علماً أن السبب الذي دفع إلى وضع مجموعة من "فتح –الإسلام" في هذا المبنى كانت في الأساس المشاحنات بين السجناء، وورود معلومات عن محاولات فرار، اقتضت تفرقة موقوفي من "فتح- الإسلام"، ونقل بعضهم من قسم ذوي الخصوصية الأمنية في سجن رومية، وهو القسم الذي أنشىء لسببين: الأول هو أن عدد الموقوفين "الإسلاميين" زاد كثيراً، ونظام السجون يقضي بتجميع الموقوفين ذوي القضايا المتشابهة مع بعضهم البعض. أما الأمر الثاني فهو كثرة المشاكل بين الموقوفين "الإسلاميين" وبين بقية الموقوفين والسجناء، لا سيما الموقوفون بجرائم جنائية.
إشكال على قاعة الصلاة!
بعد الفرار الفاشل من رومية في آب الماضي، عُيّن العقيد غابي خوري، قائداً لسرية السجون. خوري معروف عنه الحزم من جهة، وحسن التعامل من جهة أخرى، وقد واجه فور تسلمه مهامه جملة من المشاكل كانت قد تفاقمت بعد محاولة الفرار الأخيرة، وكان أبرزها إضراب المساجين "الإسلاميين" عن الطعام، نتيجة ما وصفوه بسوء معاملة، بعد إحباط الفرار الأخير، خصوصاً في مبنى الأحداث حيث تعرضوا للضرب من قبل خدم الإدارة هناك (معظمهم مسيحيون)، لكن خوري نجح بإقناعهم بالتوقف عن الإضراب متعهداً لهم بحسن المعاملة إن هم التزموا القانون، وعلى الأثر نقل مجموعة منهم إلى المبنى (د) مع مجموعة من المساجين من جنسيات عربية أخرى، وقد بلغ عدد هذه المجموعة (55) سجيناً (كلهم من المسلمين السنّة).
يوم الثلاثاء 10/11/2009 وقع إشكال بين هؤلاء المساجين وبين مجموعة أخرى من المحكومين بجرائم مخدرات (من المسلمين الشيعة) في المبنى المذكور حول قاعة الصلاة، حيث كان اتفاق سابق يقضي بتقسيم المكان زمنياً بحيث يصلي السنة أولاً ثم الشيعة، على اعتبار أن وقت الصلاة عند السنة يسبق الشيعة بدقائق.
على الأثر استخدم العقيد خوري حزمه، فتدخلت فرقة من الفهود ضد المشاغبين، وأُعيد توزيع المساجين "الإسلاميين" على المبنى (ب)، ومبنى الأحداث حيث تجدد تعرضهم للإهانة فقاموا بإثارة مشاغبات جديدة اضطرت العقيد غابي خوري لاستقدام فرقة من الفهود مرة ثانية قامت بنقل مجموعة منهم إلى سجن المعلومات (حيث كان يسجن الضباط الأربعة)، كما فُتح تحقيق في الحادث لمعرفة ما إذا كان الإشكال الذي حصل كان بخلفية مذهبية، أم أنه كان غطاءً لمحاولة هروب جديدة.
ومن المتوقع أن تستكمل معالجة ذيول الموضوع من خلال وفد من دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية في الأيام القليلة القادمة، لاستتاب الوضع في رومية، وللتخفيف من الاحتقان بين المساجين والمحكومين السنة والشيعة، بعدما كانت أخبار الإشكال الأخير قد انتقلت إلى جميع "نزلاء" سجن رومية، وأثرت على علاقتهم ببعضهم البعض.
يعلق أحد المتابعين: "من أراد أن يتعرف على طبيعة العلاقات التي باتت تحكم مكونات الوطن الواحد، فعليه أن يزور سجن رومية، فهناك تظهر الأمور كما هي... بلا قفازات". لكن الحقيقة، أنه إذا كانت السجون تؤشر إلى واقع مؤلم بات يحكم علاقات اللبنانيين ببعضهم البعض، فإن ثمة عوامل التقاء وتفاهم بين اللبنانيين، -ممن هم أفضل من المساجين بالتأكيد- تبدو ناصعة، وقابلة للبناء عليها، سيما إذا استـُفيد من فرصة تشكيل الحكومة الجديدة، ولم تترك الفرصة تضيع كما ضاعت الفرص من قبلها، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه في علاقاتنا البينية.