الواقع الصحي للاجئين الفلسطينيين في لبنان: كُربةٌ لا تقل عن الغربة
تقرير :
– خاص المجتمع-
فادي شامية
تزداد مأساة الفلسطينيين في لبنان يوماً بعد يوم، مع ارتفاع تكاليف الطبابة والاستشفاء من جهة، وتقليص وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) خدماتها من جهة أخرى. مسار تقليص خدمات (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن تقديم المساعدة للفلسطينيين لم يتوقف منذ نحو عشرين سنة، في جميع القطاعات؛ في التعليم، والصحة، والإغاثة المعيشية، وغيرها.
الطبابة
مأساة الواقع الصحي للفلسطينيين تبدأ من الطبابة، حيث يبلغ عدد الفلسطينيين في لبنان نحو 450,000 نسمة، - نصفهم يعيشون في المخيمات الضيقة، والمفتقرة إلى البنى التحتية-، ولا يمكن لهؤلاء أن يتلقوا العلاج إلا في العيادات التي تديرها (الأونروا)، وذلك في مجال المعاينة والتصوير الشعاعي، وهذه العيادات قليلة لدرجة أنها في بعض الحالات لا تستطيع استيعاب أعداد المرضى. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن لـ (الأونروا) في عاصمة الجنوب صيدا، -حيث يقع أكبر مخيم للاجئين هو مخيم عين الحلوة – عيادتين فقط، تحتويان على قسم للأمومة، وطب الأسنان، ومختبر، بينما يوجد في إحدى العيادتين قسم للأشعة. ويعمل في كل عيادة من هاتين العيادتين المجانيتين، ثلاثة أطباء فقط، يعاينون يومياً نحو 300 حالة مرضية!. أي أن على كل طبيب أن يعاين 100 حالة يومياً، وإذا ما مرض الطبيب أو تغيب لأي سبب من الأسباب، فإن المرضى هم من يدفع الثمن. ناهيك عن تواضع قدرات هذه العيادات، وانشغال الأطباء بمعاينة أكبر عدد من المرضى على حساب نوعية العلاج.
ولا تقف المأساة عند هذا الحد، فالأدوية التي تؤمنها (الأونروا)، لا سيما المزمنة منها، تنفذ قبل منتصف كل شهر، ما يضطر المرضى إلى الانتظار لحين طلبها من المستودعات في عمان لعدم توفرها في مستودعات الأدوية التابعة لـ (الاونروا) في لبنان، ما يعرض حياة المرضى للخطر.
وفي إطار سياسة تقليص الخدمات التي تعتمدها (الأونروا)، يلاحظ الفلسطينيون منذة مدة اعتماد (الأونروا) لأدوية بديلة عن الأدوية الأصلية لاتفاع ثمن الأخيرة، كما تعمد إلى عدم ملء شواغر الوظائف الطبية التي تشغر، ما يجعل عدد الأطباء في العيادات لا يتناسب أبداً مع عدد اللاجئين. أما بخصوص اللاجئين من فئة N. R وفاقدي الأوراق الثبوتية فقد تخلت الوكالة عنهما تماماً.
وتظهر المأساة بصورة أفظع مع مرضى الكلى والقلب، حيث ترفض (الأونروا) تقديم أي تقديمات صحية في مجال غسيل الكلى، أو عمليات تمييل القلب "القسطرة"، وذلك لأي من اللاجئين الفلسطينيين. كما أدى تقليص الخدمات إلى مشكلات كثيرة في مجال طب العيون، والفحوصات والتحاليل المخبرية.
الاستشفاء
في مجال الاستشفاء وإجراء العمليات الجراحية تقتصر خدمات (الأونروا) اليوم على تغطية نفقات الليالي السريرية، أي تحمل نفقة المبيت في المستشفى فقط، أما تكلفة العمليات الجراحية والأدوية والأمصال التي يتناولها المريض أثناء فترة مكوثه في المستشفى، فلا تتحملها (الأونروا)، وهي الأهم في الفاتورة الاستشفائية، وليس تكلفة السرير، سيما إذا علمنا أن المستشفيات التابعة لـ (الأونروا)، ليس فيها من سرير يراعي المواصفات الطبية!.
ونظراً إلى صعوبة هذا الواقع على الفلسطينيين في لبنان، فإن (الأونروا) تدرس بعض الحالات، بهدف تأمين ما نسبته 20% من قيمة فاتورة الاستشفاء، على أن يدفع المريض نسبة الـ 80% الباقية. ومع ذلك فإن الغالبية الساحقة من المرضى لا تستطيع تحمّل التكلفة المتبقية – هذا إن وافقت (الأونروا) على تحمّل نسبة 20%- فيلجأ الفلسطينيون إلى الجمعيات الخيرية لطلب المساعدة، أو إلى التسول على أبواب المساجد يوم الجمعة!.
وبطبيعة الحال فإن الدولة اللبنانية لا تتحمل أي تكلفة استشفائية للفلسطيني المقيم على أراضيها، لاعتبارات عديدة، من بينها أن الدولة اللبنانية عاجزة عن تحمل الفاتورة الاستشفائية للبنانيين أنفسهم.
الصحة والبيئة
بالانتقال إلى وقع البيئة التي يعيش فيها الفلسطيني داخل المخيمات، فإن لا شيء يمكن أن يصف الحالة المزرية التي يعيشها هؤلاء سوى المعاينة المباشرة، حيث المشاهد البائسة، والروائح الكريهة، ونقص مياه الشفة، واهتراء شبكة جر المياه عموماً، وسوء تصريف المياه المبتذلة (بعضها يجري في أزقة المخيمات). ويزيد على ذلك كله مأساة المهجرين من مخيم نهر البارد في شمال لبنان، حيث يقيمون في مخيم البداوي المجاور، منذ أكثر من سنتين في حاويات حديدية، تحرقهم في الصيف، وتغرقهم في الشتاء.
وقد زاد تقليص (الأونروا) خدماتها من سوء هذا الواقع، إذ بات عدد العاملين في مجال النظافة التابعين لـ (الأونروا) في المخيمات محدود لدرجة أنه لا يقدر على مجرد جمع النفايات من الشوارع، مع ما يعنيه ذلك من أضرار على الصعيد الصحي، لا سيما مرضى الربو والحساسية والقلب والأعصاب.
للتذكير فقط؛ فإن الملف الصحي هو واحد فقط من ملفات البؤس التي تتحكم بحياة الفلسطيني في لبنان، لكن يمكن القياس عليه لمعرفة حجم المأساة التي يعيشها الفلسطيني في لبنان!!.