بعد تحقيق مخابرات الجيش مع طاقمها في بيروت:
هذه هي قصة السفينة فرانكوب!
فادي شامية
اللواء: الخميس,12 تشرين الثاني 2009 الموافق 24 ذو القعدة 1430 هـ
في الرابع من تشرين الثاني الجاري، أعلنت "إسرائيل" أن قوة "كوماندوس" تابعة لبحريتها اعترضت فجر اليوم نفسه "سفينة محملة بالأسلحة ترفع علم انتيغوا على بعد 100 ميل بحري (185 كلم) عن سواحل إسرائيل". وقد قال نائب قائد البحرية الإسرائيلية، راني بن يهودا، للصحافيين في ميناء أشدود في فلسطين المحتلة، حيث اقتيدت السفينة: "عثرنا على عشرات الحاويات التي فيها مئات الأطنان من الأسلحة المرسلة من إيران إلى حزب الله".
اعتبرت "إسرائيل" أن ما حققته عبر مخابراتها وجنودها يشكل نصراً لها، فيما وصفت كل من إيران وسوريا ما جرى بالقرصنة، واعتبر "حزب الله" في بيان له أن لا علاقة له بالموضوع، أما الرئيس نبيه بري فقد وصف الأمر بـ"الاعتداء الإسرائيلي الجديد" مشتمّاً "من مزاعم العدو الإسرائيلي حول سفينة الأسلحة المزعومة محاولة لتوريط لبنان بأمر لا ناقة له فيه ولا جمل".
بعد نحو ستٍ وثلاثين ساعة على احتجازها، أطلقت السلطات الإسرائيلية سراح السفينة، بعدما صادرت الأسلحة من على متنها، وعرضتها على وسائل الإعلام، بحضور عدد من الملحقين العسكريين التابعين لسفارات دول كبرى، دعتهم السلطات الإسرائيلية لمعاينة السفينة والتأكد من وجود السلاح ومن منشئه، في محاولة لإعطاء روايتها صدقية مقبولة، بحيث يمكن استغلالها لاحقاً.
في السادس من الشهر الجاري رست السفينة المذكورة في مرفأ بيروت، وفق خط سيرها المحدد أساساً، فتولّت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني التحقيق مع طاقمها.
بيانات السفينة ومسارها
اتضح من خلال التحقيق مع الربان أن اسم السفينة "فرانكوب"، وأنها مصنوعة في العام 2003، طولها 138 متراً وعرضها 22 متراً، وهي تعمل في نقل البضائع البحرية، لا سيما في البحر الأبيض المتوسط، وأنها مملوكة لشركة ألمانية تدعى: "ريديري غيرد باركز" للشحن البحري، ومقرها هامبورغ، وأن الشركة التي تديرها هي شركة "فيدير" المتحدة، ومقرها قبرص، وأن طاقمها بولندي الجنسية، وأنها كانت ترفع العلم القبرصي (سلطات العدو كانت قد أعلنت أن السفينة ترفع علم "انتيغوا وبربودا"، وهي دولة صغيرة تتألف من جزيريتين، وتقع بين الجمهورية الدمينيكية وفنزويلا، شرق البحر الكاريبي!).
كما عُلم أن الهجوم على السفينة من قبل البحرية الإسرائيلية، حصل في نقطة بحرية قريبة من قبرص، حيث كانت تنوي السفينة التوجه إلى ميناء ليماسول، للرسو فيه ساعاتٍ قبل أن تتوجه إلى بيروت واللاذقية لإفراغ حمولتها.
وعن حمولة السفينة، أفاد الربان لدى التحقيق معه في بيروت، أنه لم يكن يعلم بوجود أسلحة على متن سفينته، وأن أفراد الطاقم لم يقاوموا البحرية الإسرائيلية خلال إغارتها على السفينة، وأن الحاويات التي فتشتها البحرية الإسرائيلية ووجدت فيها أسلحة عددها 36، -وذلك على ذمة الجيش الإسرائيلي-، وأن هذه الحاويات قد صودرت.
كما أفاد الربان بأن الحاويات التي كانت على متن سفينته، قد حُمّلت بالكامل في ميناء دمياط المصري، وأن خط سيره أساساً هو: دمياط- ليماسول- بيروت- اللاذقية، وأن الحاويات التي من المقرر تنزيلها في مرفاً بيروت، تحتوي مواد غذائية، لصالح إحدى الشركات (رفضت المصادر الأمنية اللبنانية إعطاء معلومات عن الشركة التي كانت "فرانكوب" تنقل البضاعة لحسابها)، وأن قسماً منها كان سيفرغ في ميناء اللاذقية السوري.
لغز "فرانكوب": استنتاجات أقرب إلى الحقيقة
إزاء المعلومات الصادرة عن العدو، وبعد البيانات التي أدلى بها ربان السفينة "فرانكوب" في بيروت، وبالاستناد إلى ما أعلنته مصادر معنية بالموضوع، يمكن التوصل إلى الاستنتاجات الآتية:
-
لا خلاف على أن السفينة "فرانكوب" كانت تنقل بضائع من إيران إلى كل؛ سوريا ولبنان، يؤكد ذلك أنها دخلت بعد احتجازها في "إسرائيل" إلى ميناء بيروت لتفريغ حمولتها المتبقية، وأن سوريا قد أعلنت أن السفينة تحمل بضائع من إيران إلى سوريا ( علماً أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم بدا مضطرباً لدى التعليق على الخبر فاتهم "إسرائيل" بالقرصنة لأن "الباخرة تحمل منتجات من سوريا الى ايران"، وذلك على عكس مسارها الحقيقي).
-
ثمة مؤشرات جدية على أن السفينة كانت تحمل أسلحة مخبأة داخل عدد من حاوياتها (قالت المصادر الإعلامية الإسرائيلية إنها 40 حاوية) إذ لا يمكن للسلطات الإسرائيلية أن "تفبرك" القضية، ثم تدعو هذا الكم الكبير من الصحفيين والملحقين العسكريين لعدد من السفارات الكبرى، وبعضهم ذوو خبرة عسكرية عالية، لمعاينة الأسلحة المكتشفة، والتأكد من مصدرها. علماً أن طاقم السفينة "فرانكوب" لم ينفِ وجود السلاح، وإنما نفى علمه به، وقد كان متعاوناً مع السلطات الإسرائيلية، وتالياً لم فهو يدّعِ لدى السلطات القبرصية أو الألمانية أو البولندية أو أية دولة أخرى على "إسرائيل" بسبب مهاجمتها سفينة لا تحمل سلاحاً!.
-
اعتبرت "إسرائيل" أن السفينة خرقت بنقلها السلاح قرارين دوليين؛ القرار الأول هو القرار 1747 الذي يحظّر على إيران تصدير الأسلحة، والقرار الثاني هو القرار 1701 الذي يحظر إدخال الأسلحة إلى "حزب الله". علماً أن القرار 1747، الصادر عام 2007، يتيح لأية دولة تابعة للأمم المتحدة أن تفتش أي سفينة يُشتبه بنقلها أسلحة إيرانية، لكنه لا يجيز لهذه الدولة أن تعتقل ركابها أو تصادر حمولتها. ولهذا السبب لم تقم "إسرائيل" باحتجاز طاقم السفينة، لكنها خالفت القرار المذكور بمصادرة الأسلحة. (اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية لاحقاً أن اقتيادها للسفينة إلى ميناء أشدود مبرر بموجب القرار 1701 الذي يمنع "حزب الله" من التزود بالسلاح).
-
أفاد طاقم السفينة لدى التحقيق معه في بيروت أنه قد تم تحميل الحاويات بشكل كامل في ميناء دمياط المصري، على أنها مواد غذائية إيرانية المنشأ، فيما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن المخابرات الإسرائيلية تلقت معلومات حول احتمال وجود أسلحة إيرانية داخل حاويات -نقلتها سفينة ترفع العلم الإيراني- من ميناء بندر عباس في إيران، إلى ميناء دمياط في مصر بعد عبور قناة السويس، وأن الحمولة أفرغت هناك لنقلها عبر سفينة النقل "فرانكوب"، دفعاً للشبهات خلال انتقالها في البحر المتوسط، وأن هذه العملية استغرقت خمس ساعات فقط، وأنها قد تمت دون علم السلطات المصرية.
-
عندما دخلت السفينة "فرانكوب" المياه الإقليمية اللبنانية بعدما أطلقت السلطات الإسرائيلية سراحها، طلبت اليونيفيل البحرية تفتيشها من خلال الجيش اللبناني، لأن القرار 1701 لا يعطي اليونيفيل البحرية حق تفتيش السفن، وإنما الطلب من الربان التعريف عن نفسه وعن حمولته عبر الراديو، وفي حال الشك في الحولة تعاين القوات البحرية السفينة، أما التفتيش فيتم من خلال الجيش اللبناني وفي أحد المرافىء اللبنانية في حال حامت الشكوك حول السفينة، وهذا نادراً ما يحصل. وكان نائب الناطقة الرسمية باسم "اليونيفيل" أندريا تنينتي أعلن قبل أيام رداً على تساؤلات الرئيس نبيه بري أن "القوى البحرية التابعة للقوات الدولية تتواصل مع كل السفن الوافدة إلى لبنان، لكنها بالطبع لا تفتشها فهذا الأمر مسؤولية الجيش اللبناني".
-
رغم زعم "إسرائيل" أن السفينة كانت تحمل صواريخ تكسر التوازن، في إشارة إلى صواريخ أرض-جو إلى أن ما عرضته -على ما أكد ملحقون عسكريون لبعض الصحف- لا يُظهر ذلك، وإنما يظهر صواريخ بقطر 122 ملم و107 ملم، وأسلحة للمواجهات البرية، وذخائر.
-
أفاد طاقم السفينة فرانكوب في بيروت، أن الحاويات التي صودرت من سفينته كان من المفروض تفريغها في ميناء اللاذقية السوري، وهذا يعني أن وجهة السلاح سوريا-على افتراض صدق إفادة ربان السفينة- لكن سوريا ليست بحاجة إلى استقبال السلاح بهذه الطريقة، وبإمكانها استيراد سلاح "عادي" من هذا النوع بشكل رسمي، ودون حاجة إلى تخبئته داخل حاويات لمواد غذائية، ما يرجّح أن السلاح كان معداً للانتقال براً إلى لبنان بعلم السلطات السورية، إذ ربما كان هذا أكثر أمناً من إدخاله عبر مرفأ بيروت.
-
اختارت البحرية الإسرائيلية المكان الأفضل لمهاجمة السفينة في المياه الدولية، بعدما راقبتها مطولاً، بالاستعانة بمخابرات صديقة، -كما ذكرت بعض الصحف العبرية-، علماً أن هذه العملية ليست الأولى من نوعها، ففي أيار 2001 هاجمت البحرية الإسرائيلية سفينة "سانتوريني" التي كانت ترفع العلم اللبناني، وقالت "إسرائيل" حينها إنها كانت تحمل أسلحة لفصائل المقاومة الفلسطينية. وفي شباط 2002 هاجمت البحرية الإسرائيلية سفينة "كارين إي" في البحر الأحمر حيث وجدت على متنها أسلحة، قالت إنها موجهة إلى السلطة الفلسطينية. وفي شهر شباط من العام الجاري قالت "إسرائيل" إن سفينة احتُجزت في قبرص كانت تحمل أسلحة إيرانية المنشأ مرسلة لـ "حماس". وفي آذار من العام الجاري نشرت وسائل إعلام عبرية ودولية أنباء عن مهاجمة الطائرات الإسرائيلية، ثلاث شحنات أسلحة إيرانية، الأولى في كانون الأول 2008 عندما قصفت قافلة من 17 شاحنة على الأراضي السودانية، والثانية في آذار 2009 عندما أغرقت سفينة في ميناء بور سودان، والثالثة لم يكشف تفاصيلها.
قبل أيام قال قائد هيئة الأركان في جيش العدو غابي أشكنازي إن "حزب الله بات يمتلك عشرات آلاف الصواريخ". في الغالب فإن "حزب الله" لا يعلق على مثل هكذا تصاريح، لكنه لا ينفي بالمقابل تعاظم قوته وومضاعفة عدد صواريخه، وهذا يعني أن الأسلحة ما زالت تدخل إلى لبنان، بطرق مختلفة، وذلك بمعزل عن "لغز" السفينة "فرانكوب"، وما إذا كانت حمولة الأسلحة التي كانت على متنها وجهتها النهائية سوريا أو "حزب الله".