بعدما انسحبوا من "جبهة الخلاص" ويئسوا من الوساطات مع النظام السوري:
"الإخوان" السوريون يصّعدون ويعتُبون على باقي التنظيمات "الإخوانية"!
فادي شامية
يعيش تنظيم "الإخوان المسلمين" في سورية، منذ سبعينيات القرن الماضي، محنة كبيرة تتمثل قمتها في صدور القانون 49/1980 الذي يحكم بالإعدام على كل من ينتمي، ولو بالشبهة، إلى هذا التنظيم، ما خلّف آلاف الأسر المنكوبة، في سورية وفي الخارج، ما زالت تعيش محنة الاعتقال أو الإبعاد أو التشريد أو الحرمان من الحقوق المدنية.
"الإخوان السوريون" يستجيبون لرغبة مكتب الإرشاد
في 5/4/2009، أعلن "الإخوان المسلمون" في سورية انفصالهم عن "جبهة الخلاص الوطني"، التي تأسست في 17/3/2006 في بروكسل، من شخصيات وتنظيمات سورية، عربية وكردية معارضة، تصدّر فيها مكونان رئيسان؛ "الإخوان المسلمون" في سوريا، والنائب السابق لرئيس الجمهورية السورية عبد الحليم خدام، وذلك بعد نحو شهرين ونصف على إعلان الأخير انشقاقه عن النظام السوري.
وبُعيد إعلان التحالف الجديد بين "الإخوان" وخدام، تلقى "الإخوان السوريون" انتقادات من مكتب الإرشاد في مصر، ومن فصائل إخوانية أخرى، لا سيما؛ "حماس" والإخوان الأردنيون"، إذ اعتبر هؤلاء أن هذا التحالف يتساوق مع الرغبات الأميركية، فضلاً عن أنه يعطي صك براءة لعبد الحليم خدام عن ممارساته السابقة عندما كان جزءاً من النظام السوري.
ومع أن "الإخوان السوريون" طمأنوا المعترضين بموقف معلن، رفضوا فيه "الاستعانة بالخارج لتغيير النظام" (وذلك في عهد الرئيس الأميركي السابق جوج بوش)، إلا أن الضغوط عليهم استمرت، حتى أن المرشد العام لـ"الإخوان المسلمين" محمد مهدي عاكف، دعاهم مرة في الإعلام لـ "الانضمام إلى صف الممانعة"!. وقد رد "الإخوان السوريون" يومها بأن "أهل مكة أدرى بشعابها"، ما استدعى عقد لقاء مغلق، طالب فيه أحد قيادات "الإخوان" في سوريا المرشد باحترام "خيار الإخوان في سوريا"، مذكراً المرشد بأن "إخوان سوريا لم يطالبوا إخوانهم في مصر عندما كانوا يخوضون مواجهة قاسية مع الرئيس عبد الناصر بالعودة عن ذلك، مع أن عبد الناصر كان يعتبر في العالم العربي يومها رمزاً لمقاومة الأمة العربية"!.
في 27/12/2008 وقع العدوان الإسرائيلي على غزة، فاستنفر "الإخوان المسلمون" أنفسهم في العالم كله لدعم حركة "حماس"، وقد تحوّلت أنظار العالم إلى قادتها المقيمين في دمشق، وقد زاد من تعقيد المشهد أن "حماس" نفسها امتدحت "ممانعة" النظام السوري. في هذا الجو أعلن مراقب الإخوان في سوريا (مقيم في بريطانيا) علي صدرالدين البيانوني "التوقف عن أي نشاط معارض للنظام السوري"، معتبراً أن "هذه الهدنة جاءت في سياق الأحداث والظروف التي فرضها العدوان الصهيوني الذي يتعرض له إخوتنا في قطاع غزة، توفيراً لكل الجهود للمعركة الأساسية".
أدى هذا الموقف الذي أخذه "الإخوان السوريون"، من دون موافقة "جبهة الخلاص الوطني"، إلى تفجر الخلاف في الجبهة، وتالياً إعلان "الإخوان" انفصالهم عنها، وقد تبعهم بعد مدة يسيرة انفصال المكون الكردي، ما أدى إلى فرط عقد هذه الجبهة.
ويصعّدون ضد النظام
كان يأمل "الإخوان السوريون" أن تجد هذه "الخطوة الكبيرة"، صدى لدى النظام في دمشق، سواء من تلقاء نفسه، أو بناءً على الوساطات، التي تولاها على الفور عدد من التنظيمات والشخصيات "الإخوانية"، كان آخرهم الإسلاميون الأتراك. لكن ذلك لم يحصل، سيما أن النظام السوري شعر مؤخراً بأنه قد تخطى مرحلة الخطر، وأن انفتاح العالمين الغربي والعربي عليه-كما تطورات الأحداث في لبنان-، جعله في وضع مريح.
وهكذا لم يرض النظام السوري تسهيل الحل، ولم يبد أية رغبة لإلغاء القانون رقم 49، ما لم تحل "جماعة الإخوان المسلمين" في سوريا نفسها، كما لم يقبل بعودة "الإخوان السوريين" وعائلاتهم إلى سوريا إلا على صعيد فردي، مع تعهد بعدم ممارسة العمل السياسي. وبالمقابل زاد النظام السوري من تقييده للحريات العامة، وملاحقته للنشطاء الحقوقيين، وقام باعتقال المئات من الأشخاص لأسباب سياسية.
وإزاء اليأس من الوساطات مع النظام، أعلن "الإخوان السوريون" انتهاء الهدنة مع النظام، بعدما منحوا الوساطات وقتاً من أجل تحقيق تسوية معقولة، وقد أبلغوا موقفهم هذا للتنظيمات "الإخوانية" في أقطار العالم، بعدما جرى إقراره في مؤتمر شورى "الإخوان السوريين" الذي انعقد في مدينة اسطنبول التركية في شهر آب الماضي.
وفي رسالة داخلية وجهها المراقب العام لـ "الإخوان السوريين" علي صدرالدين البيانوني لمكتب الإرشاد وللتنظيمات "الإخوانية" في العالم، قال: "إنه وعلى الرغم من مرور قرابة عام على مبادرة جماعتنا بتعليق الأنشطة المعارضة، لم يصدر عن النظام الحاكم في سورية، أيّ إشارةٍ إيجابيةٍ ذاتِ مغزى، لا في السرّ ولا في العلن. وإنه ما تزال معاناة شعبنا في سورية بكل فئاته - لا سيما بطيفه السنّي الذي يشكل الشريحةَ الأكبر من أبناء شعبنا - مستمرةً بأبعادها الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل إن قاعدة المحنة تتسع لتشملَ المزيدَ من أبناء المعتقلين والمفقودين والمشردين وأحفادهم... وما تزال سياسات العسف الأمني تطال أبناء الإسلام في سورية، دون مراعاة لأيّ حق من حقوق المواطنة، ليكون آخرَ ضحايا هذه السياسات الأستاذُ الحقوقيّ الكبيرُ هيثم المالح (ثمانون عاماً) الذي اعتقل بسبب حديثٍ أدلى به إلى إحدى الفضائيات".
... ويعتبون على "إخوانهم"
بالتوازي مع تصعيد الموقف من النظام، أبدى "الإخوان السوريين" في أكثر من اجتماع مغلق عتباً على عدد من التنظيمات "الإخوانية"، لا سيما التي امتدحت النظام السوري، دون مراعاة لمحنة "إخوانهم" المستمرة منذ أكثر من ثلاثين سنة، رغم أن الجماعة في سورية "تتفهم ظروف الإخوة الفلسطينيين الذين ألجأتهم الحاجة إلى اتخاذ دمشق مقراً لحركتهم".
وقبل أيام تسرّب إلى الإعلام نص الرسالة التي أرسلها البيانوني إلى مكتب الإرشاد تحت عنوان: "إهابة ورجاء"، طالب فيها بمقاطعة التنظيمات "الإخوانية" في العالم لمؤتمر الأحزاب العربية، بسبب انعقاده في دمشق (انعقد يوم الأربعاء ولغاية 13 تشرين ثاني الجاري)، تضامناً منهم مع إخوانهم السوريين. ومما جاء في الرسالة: الأخ الكريم... إن إخوانكم في جماعة الإخوان المسلمين في سورية، مع دعمهم وتأييدهم لحق إخوتنا في فلسطين أو في العراق أن يستفيدوا في سورية من المفارقات السياسية لخدمة مشروعهم وقضيتهم.. إلا أننا في الوقت نفسه ننظر بألم بالغ، لأيّ علاقة بين النظام السوريّ وأيّ تنظيمٍ إخوانيّ أو إسلاميّ أو أيّ شخصية إسلامية، دون مراعاة لأوضاع إخوانهم المضطهدين في سورية. وبالتالي فإنّ رجاءنا الأخويّ أن تعلنَ جميع الجهات الإسلامية مقاطعتها للمؤتمر المذكور، احتجاجاً على موقف النظام من الجماعة. إن دماء الشهداء، ومعاناة الأمهات والزوجات والبنين والبنات، ومأساة المعتقلين والمفقودين والمشردين.. تستحق من إخوة الدين والعقيدة والدرب، النظر والاحترام. فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه".
وأضاف: "إن ما يتردّد في الإعلام السوريّ من شعارات الممانعة والمقاومة ينبغي أن يُعرَضَ على محكّ الحقيقة؛ إذ لا يخفى على أحدٍ أن النظامَ ما زال يستجدي سلاماً رخيصاً من العدو الصهيوني، تارةً عن طريق الغرب، وتارةً عن طريق تركية. وها هو اليوم يلجأ إلى كرواتيا بعد أن أدار الأتراك ظهرهم للإسرائيليين. إنّه لمن المهمّ أن ندركَ أن النظام السوريّ الذي يتذرّعُ بحماية المقاومة أو دعمها، لم يؤسّس خلالَ أكثرَ من أربعين عاماً مضت، أيّ مشروعٍ مقاوم لتحرير الأرض المحتلة، وما يزالُ يرفضُ أيّ مصالحةٍ وطنية، توفّرُ القاعدةَ الضرورية لأيّ خطة تحريرٍ سياسية أو عسكرية".
وفي الواقع فإنه من غير المتوقع الاستجابة لـ "نداء استغاثة" الفرع السوري من تنظيم "الإخوان المسلمين"، رغم إقرار الجميع بمظلمته، لأن همّ القضية الفلسطينية يبقى مسيطراً، ولأن مواجهة المشروعين الصهيوني والأميركي يبقى هو الأساس لدى تشكيلات "الإخوان المسلمين" في العالم، ولدى الشعوب العربية والإسلامية أيضاً، ولو أدى ذلك إلى تناسي محنةً هنا أو هناك، بحق هذا التنظيم أو ذلك الشعب!.