إسرائيل تقرصن باخرة تجاريّة: سلاح إيـراني إلى حزب اللّه!
برز تضارب في المعلومات عن نوعية السلاح الموجود على متن السفينة (تسافرير أبايوف ــ أ ب)
سمحت إسرائيل أمس لنفسها بأن تقرصن باخرة تجارية معلنة أنها تنقل سلاحاً من إيران إلى سوريا أو حماس أو حزب الله. وبالرغم من أن ما حصل يفصح عن استعداد إسرائيلي مبرمج لإنجاز استخباري وسبق إعلامي، إلا أن الأداء الاستخباري والإعلامي لم يخلُ من تناقض وارتباك
مهدي السيد
استحوذت عملية اعتراض الجيش الإسرائيلي لسفينة تجارية، بحجة نقلها أسلحة من إيران إلى حزب الله، على اهتمام بالغ في الأوساط الإسرائيلية، حيث برز ميل إسرائيلي منذ اللحظة الأولى لاستغلال حقيقة أن السفينة تحمل أسلحة، من أجل تأكيد خرق إيران للقوانين الدولية، وخرق حزب الله للقرار 1701، بادّعاء أن السلاح مرسل إليه، رغم أن وجهة السفينة كانت سوريا. وكان من الصعب التحرر من الانطباع الذي أكده العديد من المعلّقين، بأن ثمة علاقة واضحة بين العملية وتقرير غولدستون، لجهة التوقيت من ناحية، وخط الدفاع الإسرائيلي تجاه التقرير من ناحية ثانية.
وعلى الرغم من أن مجرد ضبط سفينة تحمل أسلحة مصدرها إيران، ووجهتها سوريا أو إيران، يُثمر إنجازاً أمنياً وسياسياً وإعلامياً لإسرائيل، إلا أنه في حقيقة الأمر ظهرت «خيبة أمل» إسرائيلية جرّاء نوعية السلاح المضبوط، ذلك أنه بعدما سُوّق أن الأمر يتعلق بسلاح «نوعي وكاسر للتوازن»، استقر الأمر على أسحلة عادية، يُجمع كل المسؤولين الإسرائيليين على أن مخازن حزب الله تفيض بمثلها، الأمر الذي ترك علامات استفهام عديدة بشأن حقيقة الادّعاء الإسرائيلي بأن السلاح مرسل إلى حزب الله، على الرغم من أن السفينة متجهة إلى سوريا، وعلى الرغم من أن طاقمها لا يعرف شيئاً عن طبيعة حمولتها.
كذلك كان لافتاً أيضاً محاولة أوساط إسرائيلية إظهار هذه العملية كما لو أنها تنسجم مع القانون الدولي، تارة عبر الحديث عن أن ما حصل يدخل ضمن الهامش الذي يتيحه القانون الدولي للقيام بعمليات استباقية، وأن الأمر لا يتعلق بعملية مصادرة بالقوة، بل بعد موافقة طاقم السفينة، وتارة عبر محاولة إيجاد ربط بين قرارات صادرة عن الأمم المتحدة، مثل القرار 1747، والقرار 1701، وما قامت به البحرية الإسرائيلية.
وعلى خلفية هذه العملية، اجتمع أمس المجلس الوزاري المصغر من أجل تلقّي التقارير الاستخبارية والعملانية من رئيس الأركان ومن رؤساء الأجهزة الأمنية. وذكرت هآرتس أنه عند الدعوة إلى الجلسة أُبلغ الوزراء بأن موضوع البحث هو مسائل مختلفة متعلقة بالسلطة الفلسطينية، لكن في نهاية الأمر تناولت الجلسة سفينة السلاح. وأضافت هآرتس، يبدو أن قرار العملية لم يتخذ في المجلس الوزاري المصغر، بل في إطار طاقم مقلّص جداً من الوزراء. كذلك بادرت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى القيام بمشاورات بشأن السياسة الإعلامية التي ستنتهجها إسرائيل في العالم بخصوص سفينة السلاح.
وفي أعقاب الهرج والمرج الإعلامي الذي ساد إثر الكشف عن ضبط السفينة، والتضارب في المعلومات، عقد رئيس أركان سلاح البحرية الإسرائيلية، راني بن يهودا، مؤتمراً صحافياً قال فيه إن السفينة كانت محمّلة بما يقرب من أربعين طناً من الوسائل القتالية، من بينها صواريخ 107 ملم وقذائف هاون من عيار 106 ملم وقنابل يدوية وكميات كبيرة جداً من الرصاص، وأكد أنه لا شك لدى إسرائيل في أن السفينة جاءت من إيران، وكانت وجهتها إلى حزب الله.
وقال بن يهودا إن كمية السلاح التي وجدت على متن السفينة يمكن أن يستخدمها حزب الله في أي مواجهة مع إسرائيل لمدة شهر واحد، فهي كمية تزيد عشرات الأضعاف عما اكتُشف في سفينة كارين إيه، عام 2002.
تابع بن يهودا أن «الأسلحة التي بلغت زنتها مئات الأطنان خُبّئت في الحاويات»، مضيفاً أن السفينة أبحرت أول من أمس من ميناء دمياط في مصر وكانت متوجهة إلى ميناء قبرص ومن ثم إلى ميناء اللاذقية في سوريا، حيث كانت ستفرغ شحنة الأسلحة هناك لتُنقل لاحقاً إلى حزب الله في لبنان، بحسب ادّعائه.
علمنا ولم نعلم، ضبطنا ولم نضبط
في ظل ذلك، برزت في التغطية الإعلامية جملة من التناقضات، والتسرّع، والتناقض في الروايات، التي كادت أن تختلف باختلاف المراسلين والمعلّقين الإسرائيليين... وقد مرّت الرواية الإسرائيلية بمحطات عديدة.
مع بداية التغطية، شددت المصادر العسكرية على أن سفينة السلاح كانت متجهة إلى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، ثم تغيّرت الرواية مع شبه إجماع لدى المصادر على أن الوجهة «في أغلب الظن والاعتقاد»، هي لبنان أو سوريا، لتستقر أخيراً على أنها معدّة، «دون شك»، للوصول إلى حزب الله.
وراح المراسلون العسكريون يتحدثون عن أن السفينة متابعة بدقة من قبل الاستخبارات الإسرائيلية. بعضهم تحدث عن متابعة امتدت أشهراً، وبعضهم تحدث عن متابعة لأسابيع، واقتصر البعض الآخر على أيام... وبعدما حرص المراسلون على إفهام الإسرائيليين والرأي العام العالمي أن إسرائيل تابعت عن كثب السفينة ومساراتها، بدءاً من انطلاقها من ميناء بندر عباس الإيراني، مروراً باليمن والسودان ومصر، إلى أن «ضبطتها»، تعدّلت الرواية، لتستقر على وجود سفينة أخرى هي التي حملت الأسلحة من إيران، وأفرغتها في ميناء دمياط المصري، وما السفينة التي ضبطت سوى سفينة أخرى قدمت من بيروت بعد أيام ونقلت الأسلحة من الميناء المصري، وكانت تتجه إلى ميناء اللاذقية في سوريا، قبل أن «تضبطها» البحرية الإسرائيلية. ومع ذلك، صرّح رئيس أركان البحرية، راني بن يهودا، بأن «ضبط» السفينة كان مجرد صدفة.
وبالرغم من «عرض العضلات الاستخبارية» الإسرائيلية في معظم التقارير الصادرة أمس، أقرّ عدد من المراسلين بأن ما حصل لا يغيّر شيئاً في موازين القوى القائمة بين إسرائيل وحزب الله. وأشاروا إلى إمكان أن تسبّب السفينة بعض الإزعاج لسوريا وإيران، لكنّها قاصرة عن أن تسبّب تغيير مسارات ومواقف. وفي هذا الإطار، قال مراسل القناة العاشرة الإسرائيلية، ألون بن دافيد، إن كل ما حصل في هذه المسألة أننا «اكتشفنا نقطة في بحر من التهريب».
وتحمّس أحد المراسلين الإسرائيليين وسأل نائب وزير الدفاع الإسرائيلي متان فيلنائي عن السبب الذي يمنع الجيش من مهاجمة حزب الله نتيجة «تهريبه للسلاح»، فكان جوابه على الشكل الآتي:
«إن الجيش الإسرائيلي يتابع كل ما يجري من حوله في المنطقة، والمؤسسة الأمنية تعمل باجتهاد دائم وتقوم بنشاطات كالذي حصل أمس (الاستيلاء على السفينة)، وهذا أمر اعتيادي يقوم به الجيش»، مضيفاً أنهم «يهرّبون السلاح دائماً، ونحن نعمل بدورنا على إحباط ما يقومون به، وأحيانا ننجح كما حصل الآن، وأحياناً لا ننجح».
هجوم الكوماندو
وقد ذكر موقع يديعوت أحرونوت الإلكتروني أن إشارة الانطلاق لتنفيذ عملية «الأجناس الأربعة» أعطيت قبل منتصف الليل (ليل الأربعاء) في أعقاب مسار استخباري متواصل، حيث كانت السفينة متابعة من قبل الجيش الإسرائيلي وجهات استخبارية وتجسسية إسرائيلية منذ وقت طويل، وفي هذه المرة، على عكس المرات السابقة، كان هناك علم مسبق بما تحمله السفينة منذ انطلاقها من إيران، وفق ما أدلى به مراسل القناة الأولى للشؤون العسكرية في التلفزيون الإسرائيلي، يؤاف ليمور.
تضيف يديعوت أن طواقم وحدة الكوماندو البحري، «الشييطت» وصلت إلى قلب البحر بواسطة قوارب خفيفة، وصعدت على سفينة الشحن فرانكوب FRANCOP التابعة لشركة السفن UFS، التي تحمل علم أنتيجوا. وبعد توقيف السفينة في البحر المتوسط، بعد عبورها قناة السويس، على بعد 100 ميل تقريباً من الشواطئ الإسرائيلية، صعد جنود الشييطت إليها، فيما لم يظهر طاقم البحارة أية مقاومة، وقال إنه لا علم له أبداً بما هو موجود في الحاويات الضخمة. إثر ذلك، قام عناصر الكوماندو البحري بفتح الحاويات ووجدوا فيها أنواعاً مختلفة من الأسلحة: صواريخ، قاذفات، مدافع هاون، قنابل، أسلحة خفيفة. وعلى الفور نُقلت السفينة إلى قاعدة سلاح البحرية في أشدود الملاصقة للمرفأ المدني، وأُقفل المرفأ بسبب أعمال الجيش وسلاح البحرية في ما يتعلق بتوقيف السفينة وتفريغ حمولتها.
وتطرّقت التقارير الإعلامية الإسرائيلية إلى مسار السفينة، حيث برز تناقض في بعض الروايات بشأن وجهة السفينة، بيروت أم سوريا. فبحسب رواية القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي، فقد أبحرت السفينة من إيران إلى اليمن والسودان ومصر وعبرت قناة السويس، والفرضية تشير إلى أنهم في إسرائيل خططوا لكيفية السيطرة عليها في البحر المتوسط لا كما حدث مع سفينة «كارين إيه» التي جرت السيطرة عليها في البحر الأحمر، حيث عبرت السفينة هذه المرة قناة السويس وجرت السيطرة عليها في البحر المتوسط بسبب القرب من المرافئ والسهولة النسبية في السيطرة، فالبحر الأحمر أبعد وأعقد بالنسبة إلى القوات الإسرائيلية، وهناك عدد أقل من المعدات في البحر الأحمر.
في المقابل، قال المراسل العسكري للقناة العاشرة، ألون بن ديفيد، إن السفينة بدأت رحلتها من ميناء بندر عباس الإيراني، وهي انطلقت صباح الثلاثاء من ميناء دمياط في مصر في طريقها إلى ليماسول في قبرص. وكان من المفترض أن ترسو اليوم الخميس في ميناء بيروت، ومن هناك تكمل إلى ميناء اللاذقية في سوريا، حيث كان من المخطط أن ترسو هناك نهاية الأسبوع. أما صحيفة هآرتس، فرأت، انطلاقاً من التقديرات، أن المسار التخميني للسفينة بدأ من إيران مروراً باليمن، فالسودان، فمصر وصولاً إلى سوريا أو لبنان.
إلى جانب التضارب في تحديد الوجهة الحقيقية للسفينة، برز تضارب أيضاً في المعلومات عن نوعية السلاح الموجود على متن السفينة وطبيعته وكميته، حيث تراوحت المعلومات بين حديث عن سلاح تقليدي، مقابل الحديث عن سلاح نوعي لا مثيل له لدى حزب الله، وخارق للتوازن. وهكذا، تحدثت يديعوت وهآرتس عن أن السلاح الموجود على متن السفينة عبارة عن صواريخ كاتيوشا، أسلحة خفيفة وقنابل يدوية، فيما نقلت معاريف عن محافل في المؤسسة الأمنية تقديرها أن السلاح المصادر «يخرق التوازن» بين حزب الله وإسرائيل، وهو ما أشارت إليه أيضاً القناة العاشرة في حديثها عن سلاح «متطور لم يكن موجوداً لدى حزب الله من قبل ومن المفترض أن يمنحه قدرات لم تكن موجودة لديه سابقاً»، وقول مراسلها العسكري، ألون بن ديفيد، إن «السؤال المركزي الذي لا جواب رسمي عنه حتى الآن هو هل على متن السفينة سلاح خارق للتوازن بين حزب الله وإسرائيل؟». هذا التضارب انتهى بحسم الموضوع رسمياً بالحديث عن قذائف بقطر 106 ملم، صواريخ بقطر 107 ملم، 122 ملم، قنابل يدوية، قذائف هاون، صواريخ مضادة للدروع، وذخيرة لبنادق كلاشنيكوف.
وفي ما يتعلق بكمية السلاح، أوردت الصحف الإسرائيلية، بداية، أرقاماً متضاربة عن عدد الحاويات التي تحمل الأسلحة على متن السفينة، تراوحت بين الحديث عن خمس حاويات، بحسب هآرتس، وثماني حاويات بحسب معاريف، و36 حاوية في نهاية المطاف، من بين مجمل الحمولة البالغة 400 حاوية، بحسب يديعوت، الأمر الذي يجعل عملية تفريغ حمولة السفينة تستغرق الكثير من الوقت، حتى مساء اليوم.
وفي سياق تداعيات العملية الإسرائيلية، برزت بوضوح محاولات ربطها بتقرير غولدستون واستغلالها من أجل حرف النظر عنه أو التقليل من أهميته خلال مناقشته أمس في الأمم المتحدة، وهو ما أكده مراسل القناة الأولى للشؤون العسكرية في التلفزيون الإسرائيلي، يؤاف ليمور، بقوله إن هذا الحادث دراماتيكي من الناحية الإعلامية والدعائية لمصلحة إسرائيل في اليوم الذي يُعدّ إشكالياً جداً، حيث إن إسرائيل أصبحت قادرة اليوم على القول «إليكم ما نواجهه وهو معدّ للمس بمواطنينا. قولوا لنا أنتم العالم كيف نواجه هذا بغير الطرق العسكرية». وأضاف أنه «بسبب فارق التوقيت مع الولايات المتحدة، سيكون هناك وقت لتفريغ السفينة ولعرض السلاح لكي تستطيع سفيرتنا في الأمم المتحدة أن تأتي إلى مناقشة تقرير غولدستون وهي مسلّحة بالصور والمعلومات، فتقدر على أن تغيّر كل مسار اتجاه هذا النقاش في الأمم المتحدة».
وأكدت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أن الجيش الإسرائيلي يستعد الآن للقيام بحملة إعلامية ودعائية لاستغلال قضية السفينة في مواجهة تداعيات تقرير غولدستون، الذي تنظر فيه الأمم المتحدة، والذي يتهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب خلال عدوانه على غزة. وهو ما أكده أيضاً معلّق الشؤون الأمنية في يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي، بقوله إنّ من المعقول أن تحقق إسرائيل، جرّاء هذه العملية، جدوى دبلوماسية معينة خلال مناقشة تقرير غولدستون في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
المعلّم: السفينة تحمل بضائع سورية
أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أن الأسلحة المضبوطة في السفينة التي أوقفها سلاح البحرية الإسرائيلي كانت غايتها ضرب مدن في إسرائيل. ورأى وزير الدفاع إيهود باراك في السيطرة على السفينة أنه جرى «منع دخول أسلحة وصواريخ إلى حلبة الإرهاب الشمالية».
أضاف باراك أن الاستخبارات الإسرائيلية تعقّبت السفينة منذ انطلاقتها، وقد توقفت في محطات عدة، وحاولت تغيير هويتها «في محاولة للتهرّب من التعرّف إليها وإلى حمولتها».
من جهته، وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أكد أن السفينة کانت تحمل بضائع من سوريا إلى إيران ولم تحمل السلاح او معدات لإنتاج الأسلحة. وقال إن بعض القراصنة يتدخلون بذريعة التفتيش ويحولون دون عبور السفن التجارية.
أما رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون فرأى «أننا أحرار، سواء أكان أمر السفينة صحيحاً أم خطأً، وإذا لم نأت بالسلاح من إيران يمكن أن نشتريه من الصين أو من كوريا، وربما نشتريه أميركياً من تجار السلاح». وقال: «لو أمكنني لاشتريت السلاح للقضية الفلسطينية لا للداخل اللبناني».
في السياق ذاته، نفت شركة الشحن القبرصية المشغّلة للسفينة علمها بوجود سلاح على متن السفينة، مشددة على أن علاقتها بالقطعة البحرية علاقة إجارة لا ملكية. وقال رئيس قسم السفن التجارية في الشركة، بنياتويس أميراس، لموقع «يديعوت أحرونوت» إن UFS تقوم بتسيير الرحلات، «ولم نعلم بوجود سلاح عليها».
وأضاف «كنا نعلم أننا نحمل حاويات، إلا أننا غير مخوّلين وفقاً للقانون الدولي بفحص محتواها، فهذه مسؤولية السلطات الجمركية في المرافئ التي نرسو فيها». وأكد أميراس أن شركته لا تعلم حتى الآن بما كان على ظهر السفينة «ونحن ننتظر مثلكم الأجوبة».