حملة "النظام من الإيمان" في الضاحية بعد تفاقم الفوضى والعنف:
توقف التعبئة ضد مؤسسة "الأمن الداخلي" الشرط الأول للنجاح!
المستقبل - السبت 31 تشرين الأول 2009 - العدد 3469 - شؤون لبنانية - صفحة 5
فادي شامية
خلال السنوات التي أعقبت حرب تموز 2006 حاولت اللجنة الأمنية في "حزب الله" القيام بدور القوى الأمنية الرسمية، لاعتبارات عديدة، أهمها عدم الثقة بأيٍ من الأجهزة الرسمية، سيما في مرحلة إعادة بناء الضاحية وترتيب أوضاعها، باعتبارها معقلاً لقيادات الحزب وكوادره ومراكزه. ترافق ذلك مع تحريض ضد مؤسسة قوى الأمن الداخلي بقيادة اللواء أشرف ريفي، وسط خلاف سياسي حاد أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، الأمر الذي أدى في تلك المرحلة إلى إعاقة عمل قوى الأمن بالكامل في هذه المنطقة.
تفاقم الفوضى والعنف
أدى هذا الواقع إلى تزايد غير طبيعي في المشكلات الأمنية والاجتماعية في الضاحية، لدرجة غير قابلة للإخفاء أو التبرير. والأهم بالنسبة لـ"حزب الله" أن هذا الواقع بات يشكل عبئاً عليه، نتيجة تزايد الظهور المسلح واستخدامه في الإشكالات المختلفة، وتحوّل بعض هذه الإشكالات إلى صراع حزبي بين "حزب الله" و"حركة أمل" رغم أن الأسباب في الغالب فردية، (آخر هذه الإشكالات وقع مساء الخميس في حي ماضي، وسبقه بثلاثة أيام اشتباك مسلح في الشياح أسقط 3 جرحى). كما أدى أيضاً إلى استخدام السلاح في عمليات ثأر عشائرية، خصوصاً بين الآتين من بعلبك- الهرمل (العمليات الثأرية المتبادلة منذ أيلول الماضي بين آل المولى وآل العزير على سبيل المثال).
فضلاً عن تزايد السرقات، وانتشار المخدرات، والأعمال المنافية للحشمة، والخطف (خطف المواطن علي محمد السيد لعدة أيام في أيلول الماضي على سبيل المثال لا الحصر). وقد شكل ذلك كله عبئاً ليس بمقدور "حزب الله" من الناحية العملية تحملّه من جهة، وشكّل خطراً أمنياً من جهة أخرى، لأن البيئة التي تكثر فيها الفوضى تكثر فيها حالات الاختراق الأمني.
كما أن انفلات بعض الشباب اعتقاداً منهم أنهم يتمتعون بغطاء سياسي من قبل القوى المسيطرة على الأرض (خلافاً للواقع في كثير من الحالات) كاد أن يُدخل البلاد في فتنة كبيرة أكثر من مرة. (كان آخرها حادثة عين الرمانة، وقد سبقتها محاولة التعرض لوزير على طريق المطار)!
"حزب الله" يطالب بتعزيز دور القوى الأمنية!
دفع هذا الواقع قيادة "حزب الله" إلى إعادة مقاربة العلاقة مع القوى الأمنية بطريقة مختلفة، بعدما ثبت أن هذا الواقع غير الطبيعي بات يضر بـ"حزب الله" بشكل كبير، وذلك على المستويات الشعبية، والاجتماعية، والسياسية، والأمنية. وقد عُقدت اجتماعات تقويمية عدة بعد حادثة عين الرمانة، بين قيادات سياسية وأمنية وبلدية في "حزب الله" خلصت إلى ضرورة "مواجهة الانفلات الأمني والفوضى القائمة من خلال الأجهزة الأمنية الرسمية، ورفع الغطاء عن أي مخل بالأمن". وذلك خلافاً للتوجه السابق.
وكتعبير عن هذا التوجه الجديد بدأ التفكير في مواكبة المرحلة الجديدة بحملة توعية عنوانها: "النظام من الإيمان"، وذلك بالتعاون مع البلديات المعنية. ومن المقرر أن تعقد هذه الحملة مؤتمراً في التاسع من الشهر القادم، للإعلان عن المحاضرات والإعلانات التي تتضمنها الحملة.
ويوم الخميس الماضي قام وفد من "حزب الله " ضم النائب علي عمار، ومسؤول "لجنة الارتباط والتنسيق" في الحزب وفيق صفا، ورئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد سعيد الخنسا، بزيارة إلى وزير الداخلية زياد بارود، لهذه الغاية.
ولما سُئل النائب عمار عن الهدف من الزيارة قال: "لقد أكدنا على ضرورة بسط الدولة سيطرتها، وتعزيز الأمن في الضاحية، وضرورة تعاون الأهالي مع القوى الأمنية، ولإطلاعه (الوزير بارود) على الحملة الأهلية المزمع إطلاقها تحت عنوان: النظام من الإيمان، بما ينعش ثقافة القانون ويعزز دور المؤسسات والقوى الأمنية".
وقف التعبئة ضد قوى الأمن الداخلي شرط أول للنجاح
يمكن اعتبار هذه الحملة التي يستعد "حزب الله" لإطلاقها نقلة نوعية في مجال "تعزيز ثقافة القانون ودور المؤسسات" بالفعل، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، بعد تجربة مساوئ غياب القانون والمؤسسات عن بقعة هامة ومكتظة من الوطن، لكن نجاح هذه الحملة مشروط أولاً بوقف التعبئة ضد قوى الأمن الداخلي، وإطلاق تعبئة مضادة لإزالة آثار الحملات السابقة التي شُنت على قوى الأمن، ووصلت إلى حدود التخوين أحياناً، ما أدى إلى استقواء أهالي الضاحية، ومناصري قوى 8 آذار عموماً على هذه المؤسسة الوطنية.
وكي يكون الأمر أوضح فإنه ينبغي لفت النظر إلى أن قوى الأمن الداخلي غير قادرة للآن على إيقاف مخالفات البناء في الضاحية وجوارها، إذ في الغالب تواجه بتجمهرات أهلية، يطلق خلالها النار أحياناً (كما حصل في 16 و17 أيلول على سبيل المثال في بئر حسن). كما تتعرض دورياتها للاعتداء في أحيان أخرى (في 28 آب الماضي مثلاً تعرضت دورية لقوى الأمن الداخلي في محلة الرحاب للرشق بالحجارة وقد طُلب إليها مغادرة المكان). كما لا يزال تدخل قوى الأمن في الأحداث الجنائية - في حي السلم تحديداً - محل خطر كبير.
وقد انعكس هذا الواقع على مناطق أخرى تتمتع فيها قوى 8 آذار بغالبية شعبية (حادثة اقتحام معهد الخيام الفني الرسمي والاعتداء على مديره في 29 أيلول، وحادثة الاعتداء على المعاونين في قوى الأمن في 7 تشرين الأول في النبطية أثناء تحريرهما محضر مخالفة سير، وحادثة اقتحام مخفر رميش في 17 تشرين الأول، وذلك على سبيل المثال لا الحصر) .
وفي السياق عينه ينبغي التخفيف من حدة الشحن السياسي المتمثلة بالكثير من اللوحات والصور المنتشرة في الضاحية، والمذيلة بعبارات حادة.
كل النجاح والتوفيق لحملة "النظام من الإيمان"، على أمل أن يعم النظام والإيمان والاطمئنان... كل لبنان!.