من أجل مواجهة أمثل للمشروع الصهيوني بعيداً عن المزايدات والأوهام؟!
هل من سبيل لتلاقي مشروعي السلام والمقاومة؟!
اللواء- الجمعة,30 تشرين الأول 2009 الموافق 11 ذو القعدة 1430 هـ
فادي شامية
تآمر المشروع الصهيوني على المنطقة العربية ليس بجديد، فمنذ مؤتمر بازل في سويسرا، عام 1897 والصهاينة يسعون، وفق برنامج واضح، لتمكين وجودهم في المنطقة العربية، عبر إقامة كيان يهودي في فلسطين، والعمل على توسيعه لاحقاً، وربط يهود العالم به، بالتوازي مع سعيهم الحثيث لتفتيت المنطقة العربية وإضعافها.
نجاحات المشروع الصهيوني وثغراته
في العام 1917 نجح الصهاينة بالحصول على ما أُطلق عليه اسم "وعد بلفور" لـ "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين"، وفي العام 1948 وبتواطؤ من الإنكليز صار هذا الكيان حقيقة، ومنذ ذلك الحين بات للمشروع الصهيوني رقعة ارتكاز توسعت في العام 1967 لتشمل كل فلسطين، وبعضاً من الأراضي المصرية والسورية.
وعلى مدى أكثر من ستين سنة أعقبت قيام دولة "إسرائيل" استطاع المشروع الصهيوني تحقيق نجاحات واضحة، إذ بات له دولة عضو في الأمم المتحدة، ومعترف بها من معظم دول العالم، وتملك أقوى جيش في المنطقة، تدعمه أكبر إمبراطورية عرفها العالم؛ هي الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا المشروع اليوم شبكة "لوبيات" في مراكز القرار في العالم، وسيطرة ملحوظة على وسائل الإعلام العالمية الكبرى، وقدرات اقتصادية وتكنولوجية هائلة في "إسرائيل" وخارجها.
وقد استطاع هذا المشروع ربط نفسه بالمشروع الأميركي وتجديد نفسه عدة مرات، فبعدما تمكن على مدى سنوات من لعب دور "جماعة ضغط" في أميركا، استطاع في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون أن يتحول إلى "جماعة تنظير"، وفي عهد الرئيس جورج بوش الابن، وسيطرة المحافظين الجدد، استطاع اللوبي الصهيوني أن يتحول إلى "جماعة صناعة قرار"، آخذاً المشروع الأميركي إلى حيث يريد، لا سيما بعد أحداث 11 أيلول 2001.
ومع ذلك فإن هذا المشروع يعاني اليوم من تضاؤل تأثير الإيديولوجيا التي سيطرت على أذهان المؤسسين الصهاينة، كما يعاني في بنيته الداخلية من هشاشة اجتماعية ملحوظة، وثمة تراجع في معدلات الهجرة إلى "أرض الميعاد". وقد فشل المشروع الصهيوني أيضاً في قتل الهوية الفلسطينية على مدى ستين عاماً، لا سيما لدى عرب 48، الذين سيصبحون مع إخوانهم في الضفة وغزة لأول مرة عام 2010 مساويين لعدد اليهود في كل فلسطين. كما فشل المشروع الصهيوني سياسياً في فرض الحل الأحادي، الذي رفعه أرئيل شارون، وكانت تجارب انسحابه من جنوب لبنان ومن غزة مريرة.
طريقان للتعامل مع المشروع الصهيوني
بعد أعوام من تصميم العرب على اقتلاع "إسرائيل" من الوجود، وخوضهم حروباً نظامية معها، وبعد رفع اللاءات العربية الثلاث في قمة الخرطوم عام 1967؛ لا صلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف، وبعد هزائم عربية متلاحقة أمام الجيش الإسرائيلي، سلك العرب طريقين في مواجهة "إسرائيل":
وكلا الخطين له وعليه؛ فمشروع النظام العربي الرسمي للسلام يمكن نظرياً أن ينهي صراعاً دام لأكثر من ستين سنة، لكنه لا يحظى بتأيد شعبي راجح، وهو يتنازل عن الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخية، وهو فضلاً عن ذلك يواجه تعنتاً إسرائيلياً يعيق تحقيقه. أما مشروع المقاومة الذي يمكن نظرياً أن يفرض نفسه، ويستعيد الأرض والكرامة العربية المهدورة، فإنه يعاني بدوره من إشكاليات جدية، نتيجة تحوّله إلى معبر للمشروع الإيراني إلى قلب العالم العربي من جهة، واصطدامه بباقي المكونات الوطنية في لبنان وفلسطين من جهة ثانية، وعجزه عن تحقيق نصر حاسم يغير المعادلات من جهة ثالثة.
هل من سبيل لتلاقي خطي السلام والمقاومة؟!
من الناحية المبدئية فإن فشل جهود السلام من شأنه أن يؤدي مع الوقت إلى حرب بين الجهتين المتصارعتين أي العرب و"إسرائيل". ولكن نظراً إلى الكلفة الباهظة لهذه الحرب، وضبابية النتيجة التي ستسفر عنها، فإن النظام العربي الرسمي مستمر منذ العام 1973 على اعتبار أن حرب تشرين 73 هي آخر حرب للجيوش العربية النظامية مع "إسرائيل"، وعلى رغم أن هذه الحرب حملت نصراً عزيزاً للعرب، إلا أنها جعلت الأنظمة العربية تقتنع أن إزالة "إسرائيل" من الوجود هدف غير ممكن التحقيق في المدى المنظور عى الأقل. ويتساوى في ذلك الجميع؛ دول "الاعتدال" كما "الممانعة"، لأن دولة "الممانعة الكبرى"، أي سوريا، لم تعلن قط رفضها الاعتراف بـ"إسرائيل" إذا أعادت لها الجولان، كما أنها من المشاركين في إطلاق "المبادرة العربية للسلام"، وهي فوق ذلك فاوضت "إسرائيل" مباشرة في مدريد، وغير مباشرة بعد ذلك بوساطات متعددة، كان آخرها عبر تركيا.
وإزاء تعثر "السلام"، وتعذر الحرب، أليس ثمة سبيل يحفظ البيت العربي، ويحد من الاختراق الإيراني، ويجمع بين الطموح الشعبي والموقف الرسمي؟! إن إيجاد هذا السبيل ضرورة حتمية، لأن صلاحية "المبادرة العربية للسلام" لا يمكن أن تكون للأبد، في الوقت الذي تعمل فيه "إسرائيل" ليل نهار على فرض الوقائع على الأرض، وتصفية ملفات الحل النهائي، لا سيما، ملف اللاجئين، وملف القدس.
وإذاً، فإن استيعاب النظام العربي الرسمي لحركات المقاومة يصبح ضرورة أيضاً، بدل أن تلجئها ضرورات المحافظة على الذات إلى التوجه لإيران، فتتحول إلى أحد مفردات المشروع الإيراني رغماً عنها.
وخلافاً لحالة "حزب الله" في لبنان، فإن حركات المقاومة الفلسطينية كافة لا تربطها بإيران علاقات وجودية، وهي لا تؤمن بولاية الفقيه أصلاً، والحضن العربي أولى لها. وعندما يكون النظام العربي مجمعاً على دعم حركات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، فإنه سيسهل حتماً من مصالحة حركات التحرر الفلسطينية مع بعضها البعض، وسيمنع إيران من استعمال القضية الفلسطينية معبراً لها إلى قلب المنطقة العربية، وستصبح الأنظمة العربية نفسها اللاعب الأبرز في الإقليم -خلافاً للواقع الحالي-، كما من شأن ذلك أن يعيد لها بعضاً من احترام قومي مفقود.
لعل في مد الملك عبد الله يده إلى سوريا بعض الأمل في تظهير صورة عربية موحدة بالحد الأدنى في نظرتها إلى المخاطر التي تهدد العرب، وفي معطيات الواقع في حالة اللاحرب ولا سلم الراهنة.