جماعة "جند الله" البلوشية وازدواجية المعايير في إيران ولبنان!
اللواء- الثلاثاء,27 تشرين الأول 2009 الموافق 8 ذو القعدة 1430 هـ
فادي شامية
من حيث المبدأ فإن من حق الشعوب والإثنيات والمذاهب المقهورة أن تناضل لتحصيل حقوقها. ومن حيث المبدأ أيضاً فإن كل استهداف للأبرياء مدان بغض النظر عن المبررات. وفق هذين الضابطين يمكن مقاربة مشكلة الأقلية البلوشية في إيران، والمقارنة بينها وبين مشكلات أخرى، وملاحظة ازدواجية معايير النظام الإيراني وتوابعه في العلم إزاءها.
البلوش المقهورون
البلوش واحدة من الإثنيات الكثيرة التي تتشكل منها إيران (الفرس، والأذريون، والأكراد، والتركمان، والعرب، والبلوش...). هذه الأقلية السنية المتدينة تسكن في إقليم سيستان- بلوشستان، جنوب شرق إيران، وبالقرب من الحدود مع أفغانستان وباكستان. وقد ظل هذا الإقليم موحداً جغرافياً لقرون خلت، قبل أن يقسم بين إيران وباكستان وأفغانستان، بعد احتلاله من قبل الإنكليز في القرن الماضي. وتشعر قومية البلوش (ناطقة باللغة البلوشية) بالقهر في إيران، سواء في قوميتها أو مذهبها.
بناءً على هذه المعطيات قامت عدة محاولات سلمية للتعبير عن حقوق البلوش، لكن السلطات الإيرانية واجهتها بالقمع، بل إن جماعة "جند الله" نفسها بدأت سلمية، حيث ركزت على الجانب الإعلامي للفت النظر إلى ما يتعرض له البلوش، ولكن بدل أن تعالج السلطات الإيرانية المشكلة –ولو جزئياً- قامت باعتقال وإعدام كل من له صلة بالحركة، الأمر الذي دفع الحركة -التي تأسست على يد الشيخ عبد الملك ريغي عام 2002-، إلى اللجوء إلى السلاح، واتخاذ الجبال الوعرة في الإقليم موئلاً لها. ومؤخراً غيّرت الحركة اسمها إلى "حركة المقاومة الشعبية" لنفي صفة السلفية الجهادية عنها، وقد أعلن زعيمها قبول حركته بـ "نظام ديمقراطي علماني يحترم اعتقادات الشعب ومذاهبه".
العملية التي نفذتها الحركة يوم الأحد الماضي (18/10) والتي راح ضحيتها العشرات، بينهم نائب قائد القوات البرية في الحرس الثوري الجنرال نور علي شوشتري، وقائد الحرس الثوري في إقليم سيستان وبلوشستان الجنرال رجب علي محمد زاده، وقادة آخرون، هي الأعنف للحركة، لكنها لم تكن الأولى، إذ هاجمت الحركة قبل خمسة أشهر تجمعاً للحرس الثوري وقوات الباسيج داخل حسينية في مدينة زاهدان. ونصبت كميناً في آذار الماضي لقافلة حكومية وهاجمتها، ما أدى إلى مقتل حاكم إقليم بلوشستان وآخرين. كما حاولت الحركة اغتيال الرئيس أحمدي نجاد في إقليم بلوشستان. وعموماً فإن الحركة قتلت اعتباراً من العام 2005 العشرات من عناصر الحرس الثوري. وذلك رداً على اضطهاد السلطات الإيرانية للبلوش وتهجيرهم، وقتل علمائهم، وهدم أو إغلاق مساجدهم، ومحاولة فرض المذهب الشيعي عليهم، وتغيير الطابع الديمغرافي لمناطقهم.
الخطاب الإيراني المزدوج
في الغالب فإن إيران تتعامل بتجاهل مع كل الدعوات الإصلاحية الداخلية، وتعاملها مع قادة "الدرب الأخضر" الإصلاحية بقيادة حسين موسوي -أحد رموز الثورة-، فيه من القسوة ما يغني عن الحديث عن كيفية تعاملها مع أقلية غير فارسية سنية في أطراف البلاد. وإذا كان سلوك النظام مع الداخل يتسم بالقسوة والتخوين، فإنه يعتبر أي دعوة خارجية للإصلاح، واحترام حقوق الأقليات، وتحقيق الإجماع الوطني، "تدخلاً وقحاً" في الشأن الإيراني الداخلي.
في الغالب أيضاً فإن النظام الإيراني يربط أي حدث أو حراك داخلي بالخارج، ويضعه في خانة "استهداف النظام"، لكنه إزاء التفجير الأخير لجماعة "جند الله" انتقل خطوة إلى الأمام مع إعلان قائد الحرس الثوري رغبته بتجاوز الحدود مع باكستان لملاحقة "جند الله"، علماً أن باكستان نفسها تحاول منذ سنوات محاصرة البلوش في أرضها أيضاً، كما أنها تعاني من "الإرهاب"، ومن مصلحتها القضاء على أتباع عبد الملك ريغي، لكن العنجهية الإيرانية لم تر ذلك، ولم تأبه لسيادة باكستان، فاتهمتها بالتواطؤ، كما اتهمت بريطانيا وأميركا أيضاً، نافية أي عوامل داخلية لما يجري، خصوصاً المذهبية منها. (ادعت السلطات الإيرانية بدايةً أن التفجير وقع خلال جلسة حوار بين السنة والشيعة خلافاً لما أكدته التحقيقات التي أجرتها السلطات الإيرانة لاحقاً حول ظروف الحادث).
أهم ما يعنينا في ذلك كله، ازدواجية المعايير الإيرانية، ففي حين تتدخل إيران في اليمن، من خلال دعمها الواضح والمثبت للحوثيين، نراها تهدد باكستان لمجرد شبهة وجود عبد الملك ريغي على أراضيها، وفي حين يعتبر إعلامها الرسمي أن جماعة الحوثي في اليمن يناضلون من أجل حقوق مشروعة، ينزع هذا الإعلام عن جماعة ريغي في إيران أية صفة مطلبية، ويصفهم بـ"البغاة" و"عملاء الغرب". وفي حين يدعم النظام الإيراني "حزب الله" في لبنان في كل سياساته الداخلية، مالياً وسياسياً وإعلاماً، ويعلن وقوفه إلى جانب "الإجماع اللبناني الوطني"، يرفض بالمقابل أي حديث عن وجود أزمة داخل إيران، سواء ما يتعلق منها بإصلاحيي "الدرب الأخضر"، أو بحقوق الأقليات، لا سيما البلوش في بلوشستان والعرب في الأهواز، ويعتبر أي دعوة إلى تحقيق "مصالحة وطنية إيرانية" من قبيل إعلان الحرب.
ازدواجية "حلفاء" إيران في لبنان
هذه الازدواجية نفسها نراها لدى "حلفاء" إيران في لبنان، فهؤلاء سارعوا بإدانة "الهجوم الإرهابي" في بلوشستان، وأرسلوا رسائل العزاء إلى قائد الثورة الإمام الخامنئي، وإلى الرئيس نجاد، على اعتبار أن الهجوم نفذه "عملاء" للخارج، وعبر حركة تهدد وحدة النظام، وتزرع "الفتنة" فيه، لكن هؤلاء أنفسهم يصمتون منذ عدة أشهر على ما يجري في اليمن، رغم أن جماعة الحوثي مرتبطة بالخارج، وتحديداً بإيران، وهي تهدد جدياً وحدة اليمن، فضلاً عن كونها تمزق نسيجه الاجتماعي والمذهبي.
أنكى من ذلك أن كثيراً من المنساقين وراء ازدواجية المعايير الإيرانية هم من التيار القومي، والغريب أن هذا التيار بات في حضن غير عربي، وأنه يدافع عن وحدة إيران واستقرارها، وينسى وحدة اليمن واستقراره!. وأنه يحامي عن الشعب الإيراني ويترك إخوته في العراق الذي يعاني شعبه من الاستكبار الإيراني ومن جرائم الميلشيات التي نشأت وترعرعت في إيران.
أما الواجهات الإسلامية التي أنشأها "حزب الله" وسمّنها خلال الأعوام الماضية، فقد باتت تتبع الحزب المذكور ومرجعيته شبراً بشبر، فتارة تتحدث عن "الوحدة الإسلامية"، لكنها تغمض عينيها عن القهر المذهبي في إيران، وتارة تتهم الولايات المتحدة بإثارة الفتنة المذهبية وتتغاضى عن سياسات إيران التشييعية، ودورها التخريبي الطائفي في العراق، ومحاولاتها الدؤوبة للتدخل في دول المنطقة، وإلحاق الشيعة العرب بها، -خلافاً لتاريخهم-، ما يثير حساسياتٍ وفتناً لا تنتهي. ألا تكفي هذه الازدواجية لكشف زيف "الممانعين" في لبنان وخارجه، وفضح ارتباطهم الأعمى بالمشروع الإيراني؟!