حادثة طيرفلسيه: قراءة منطقية هادئة
فادي شامية
سلّطت حادثة الإثنين الماضي الأضواء على قرية طيرفلسيه الجنوبية· ملابسات عديدة ما زالت بحاجة إلى توضيح مقنع، والتباسات كثيرة بحاجة إلى قراءة مجردة عن العدائية السياسية أو التعبئة غير المنطقية التي يبررها أصحابها بشعار نصرة <المقاومة>·
والحقيقة أن مغالطات إعلامية كثيرة وقعت، لدى عدد غير قليل من وسائل الإعلام، كما صدرت روايات غير قابلة للتصديق:
1- قالت بعض وسائل الإعلام إن القرية المذكورة تقع شمال نهر الليطاني خلافاً للواقع، إذ أوردت صحيفة الأخبار ما نصه: <طيرفلسيه تقع في آخر منطقة شمالي الليطاني بمحاذاة النهر، وبالتالي لا تخضع للقرار 1701> (وهو ما أعلنه النائب في <حزب الله> حسين الحاج حسن أيضاً)· بينما قال العميد أمين حطيط لقناة المنار: <إن القرية تقع في المنطقة الرمادية ولا تخضع تالياً لقوات الطوارىء>!· (مع ملاحظة أن تعبير المنطقة الرمادية جديد في تقسيم القرى الجنوبية)· ولا يبدو أحد اليوم متمسكاً بهذا <الخطأ الجغرافي>·
2- قالت وسائل إعلامية أخرى (وكالة الأنباء الرسمية- صحيفة اللواء···) إن الانفجار أدى إلى <تدمير المبنى المذكور بالكامل>، بينما اكتفت وكالة رويترز بالإعلان عن احتراق المبنى، وقد تبين أن الوصفين غير دقيقين، وأن أحداً لا يمكنه -بعد رؤية صور المبنى- أن يتمسك بهذا <الخطأ التوصيفي>·
3- قالت وسائل إعلامية محلية ودولية إن الانفجار أدى إلى وقوع عدد من القتلى والجرحى، وأن صاحب المبنى المسؤول في <حزب الله> ناصر عيسى قد قتل في الانفجار، وقد اعتمدت هذه الوسائل على مصدر أمني لبناني، وقد تبين لاحقاً أن صاحب المبنى وابنه مازالا حيين، وأنه على فرض وقوع إصابات أخرى ?كما ذكرت صحيفة الحياة نقلاً عن شهود عيان يوم الأربعاء الماضي- إلا أن أحداً لا يتمسك اليوم بهذا <الخطأ التقديري> في عدد القتلى والجرحى·
4- تبنت بعض وسائل الإعلام المؤيدة لـ <حزب الله> في اليوم التالي على وقوع الحادثة رواية غير منطقية جاء فيها أن المسؤول في <حزب الله> ناصر عيسى عثر قرب نهر الليطاني على قذيفة من مخلفات حرب تموز فأحضرها إلى منزله وحاول تفكيكها، فانفجرت!· وفيما بعد غابت هذه الرواية عن التداول·
5- لاحظ صحافيون زاروا المنطقة لاحقاً أن ثمة رغبة لدى عدد غير قليل من السكان في إخفاء ما جرى، لدرجة تدفعهم إلى التطوع بإعطاء إفادات غير متماسكة، يتخللها عبارة أن <الحادث محدود>، وأن بعضهم، بمن فيهم رئيس البلدية، قال إن ما جرى <نتج عن احتكاك في الأسلاك الكهربائية> أو بسبب <وجود بعض المواد القابلة للاشتعال داخل المستودع>، علماً أن بيان الجيش اللبناني كان واضحاً لجهة وقوع <إنفجار قذيفة>· وأن صوت الانفجار كان قوياً بما يكفي لجذب الأنظار إليه·
6- شكّلت الصور التي بثها جيش العدو الإسرائيلي دافعاً لـ <حزب الله>، كي يعطي المزيد من التفاصيل حول الانفجار، إذ قالت قناة المنار إن ما صوره الجيش الإسرائيلي كان الجرار الحديدي للمستودع، وأن عدداً من الشبان حضروا إلى المكان لنقله إلى قرية أخرى، بعدما لفوه بشرشف أبيض، لكن هذه الرواية لا تبدو مقنعة أبداً، إذ في العادة عندما يقع إنفجار لا يلف أحد جرار الكاراج بشرشف أبيض وينقله إلى قرية أخرى، على وجه السرعة الظاهرة في الشريط، وقبل أن يحضر الجيش واليونيفيل!· مع الإشارة إلى أن الصور التي بثتها المنار ليست من مكان وقوع الإنفجار وإنما من المكان الذي انتقلت إليه الصواريخ أو الجرار وبعد مرور أكثر من يوم كامل على بث الجيش الإسرائيلي لشريطه· علماً أن النائب نواف الموسوي كان قد أوحى قبل صدور رواية المنار أن الصور الإسرائيلية قديمة، دون أن ينفي صحتها!·
7- إن من حق لبنان الاحتجاج أمام مجلس الأمن على اختراق أجوائه وتصويرها من قبل العدو الإسرائيلي، (خصوصاً أنه ليس الانتهاك الإسرائيلي الأول للسيادة اللبنانية) لكن على لبنان أن يأخذ بعين الاعتبار أن ما جرى، بغض النظر عن تفاصيله، يعتبر خرقاً للقرار 1701، وأنه ليس مناسباً أن يقدم لبنان رواية متناقضة مع رواية اليونيفيل مرة جديدة، كما حصل مؤخراً في الرواية التي قدمها لبنان حول حادثة خربة سلم، وتبين أنها مغايرة لرواية اليونيفيل، لأن من شأن ذلك أن ينال من صدقية الجيش اللبناني والدولة اللبنانية، وهي تتأهب لدخول مجلس الأمن لشغل موقع العضوية غير الدائمة فيه·
8- تلقت أوساط إعلامية وسياسية الحملة العنيفة التي شنها إعلام <حزب الله>، عقب الحادثة، على الإعلام غير الموالي لخطه السياسي، باستغراب شديد، خصوصاً أن صحيفة السفير استبقت أمس التحقيقات وقدمت رواية مغايرة لبيان مديرية التوجيه في الجيش الذي تحدث عن <انفجار قذيفة>، حيث قالت الصحيفة: <بانتظار أن تضع اليونيفيل والجيش اللبناني تقريرهما المشترك حول الحادث، تفيد الرواية الرسمية اللبنانية، أن ما حصل في كاراج مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق في طيرفلسيه هو احتكاك اسلاك كهربائية بمواد سريعة الاشتعال>، جازمة بأن لا وجود لقذائف أو صواريخ في المكان·
سوف ينضم انفجار طيرفليسه على الأرجح إلى قائمة الأحداث الغامضة، التي تجري في الجنوب، فبين من يعتبر أن الواجب يدعوه لطمس الحقيقة دفاعاً عن <المقاومة>، وبين العدو الإسرائيلي الذي له مصلحة أكيدة في تكبير الموضوع، فإن الصورة ستبقى ضبابية لدى المواطن اللبناني، ما يدفعه لقراءة الأمور بناءً على انتمائه، لا بناءً على الوقائع.