في ذكرى أحداث 11 أيلول:
كيف السبيل لمواجهة التطرف في لبنان؟!
المستقبل - السبت 12 أيلول 2009 - العدد 3421 - شؤون لبنانية - صفحة 5
فادي شامية
بعد أحداث 11 أيلول 2001 جمع الرئيس الشهيد رفيق الحريري العلماء والمشايخ السنة، شارحاً لهم مخاطر المرحلة، وطالباً منهم بذل المزيد من الجهود لمحاصرة أي فكر متطرف يمكن أن يتسرّب إلى لبنان. كان الحريري يدرك أن ثمة من يستغل حماسة وتهور وتطرف البعض في لبنان لحسابات سياسية محلية وإقليمية، فأراد أن يحمي لبنان واللبنانيين من هذا الشر المتعاظم.
وكان الحريري على حق. فقد استعملت هذه المجموعات المتطرفة كقرابين في مسرح تبادل الرسائل، لا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، كما استعمل بعضها لتخويف اللبنايين بعضهم من البعض، واستعمل أيضاً لتخويف الحريري نفسه، وصولاً إلى اغتياله، ونسبة هذا الاغتيال إلى مجموعات أصولية.
ولم يتوقف استغلال "التطرف الإسلامي" لأهداف سياسية بعد اغتيال الحريري، إذ جرى تصدير المجموعات "الجهادية" من سوريا إلى لبنان، بعد "تقنين" الأعداد الوافدة منها إلى العراق عبر سوريا. وهكذا ظهر تنظيم "فتح الإسلام" المتطرف في لبنان، حيث كان ينذر بفتنة كبيرة لولا نزع سعد الحريري أي غطاء سياسي أو مذهبي عنه، ومواجهة الجيش والأجهزة الأمنية للتنظيم المذكور.
ما هو حجم الفكر "القاعدي" في لبنان؟
بعد ثماني سنوات على أحداث 11 أيلول، وبعيداً عن الكلام التطميني الذي يلجأ إليه المسؤولون في أحيان كثيرة، فإن الواقع يشير إلى الحقائق الآتية:
1ـ وجود مجموعات منظمة وغير منظمة تحمل فكر "القاعدة" المتطرف، لكن أعداد هؤلاء تبقى محدودة للغاية مقارنة مع عموم الإسلاميين، ومن باب أولى مع عموم السنّة في لبنان.
2ـ استفادة هذه العناصر والمجموعات من الوضع دائم الاضطراب في لبنان، سياسياً وأمنياً، ومن وجود جزر أمنية لا سيما في المخيمات الفلسطينية، ما يسهل حرية الحركة لهؤلاء.
3ـ سعي جهات مخابراتية بشكل دائم، لاستغلال هذه الحالات وتوجيهها بما يخدم أهدافها، وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية نشاطاً متزايداً في هذا الاتجاه، ما ينذر بعودة أحداث أمنية ازدهرت قبل نحو عامين.
4ـ تأثُّر الكثير من الحالات الموصوفة بالعنف والإرهاب بتوجهات دينية "أكثر عقلانية"، نتيجة سيادة الخطاب المعتدل للقوى الإسلامية الفاعلة في الشارع السني، و"المراجعات الفكرية" الجارية بعمق، منذ العام 2002، لدى الجهات التي تمثل المنابت الفكرية للتيارات التي أنتجت أيمن الظواهري وأشباهه، ولا سيما "الجماعة الإسلامية المصرية"، التي أصدر قادتها من السجون أربعة كتب حتى الآن لـ "تصحيح المفاهيم". ويشار هنا إلى تغيرات إيجابية طرأت على أداء "عصبة الأنصار"، الجماعة العقائدية المسلحة الأكبر في مخيم عين الحلوة، ما سمح بقيامها بدور في استقرار المخيم في منعطفات أمنية كثيرة.
كيف السبيل لمحاصرة التطرف؟
بات بحكم الواضح اليوم لجميع الدول التي اكتوت بنار "القاعدة" والجماعات المتطرفة، أن المسار الأمني لا يكفي منفرداً، وأن المواجهة الفكرية، وسياسة "تجفيف منابع التطرف"، ومعالجة حالاته، ضرورية لمساعدة رجال الأمن على الحد من خطر المتطرفين على الوطن والمواطنين، سيما أن هؤلاء عقائديون غُلاة، يكفّرون الناس ويسفّهون العلماء، وهم مستعدون لقتل أنفسهم وقتل وإيذاء الآخرين وترويعهم في ما يسمونه جهاداً.
وفي العموم فإن محاورات أهل الاختصاص، والحملات الإعلامية التي تُظهر خطر التطرف والمتطرفين، وفتح أبواب التوبة للعائدين إلى الصواب، وتطوير الخطاب الديني، واستحداث التشريعات الجنائية المناسبة، ومراقبة مواقع الإنترنت المشبوهة... أساليب معتمدة في العديد من الدول لمواجهة التطرف والإرهاب، ومن المفيد الاستفادة منها في لبنان أيضاً، لكن الخصوصية اللبنانية تدعو للانتباه إلى بعض النقاط ذات الصلة:
1ـ يؤدي الاحتقان المذهبي في لبنان منذ اغتيال الرئيس الحريري وحتى اليوم إلى زيادة عوامل نشوء جماعات متطرفة من النوع الذي قاده أبو مصعب الزرقاوي في العراق، حيث كان يساوي بين الخطر الشيعي، والخطر اليهودي، و"الخطر الصليبي" على المسلمين. ومن المفارقات في لبنان أن سياسة استهداف السنّة المعتمدة من قبل ميشال عون، تزيد من الاحتقان المذهبي بين السنة والشيعة، أكثر من الاحتقان الطائفي بين المسلمين والمسيحيين!.
2ـ ما تزال سياسة ربط المجموعات المتطرفة بالتيارات الكبرى في لبنان، وخصوصاً "تيار المستقبل" هي السائدة من قبل قوى الثامن من آذار، ما يؤدي لإعاقة مواجهة هذه الجماعات التي تجد في كل مرة من "يبرر لها" أو "يحمل عنها" خطاياها، والمفارقة في هذا المجال أن العدو الأول لهذه الجماعات ـ لو تفلتت من عقالها ـ سيكون الجهات التي تحاول الربط بينها وبين القوى والتيارات الأكثر تمثيلاً لدى السنة في لبنان، وليس أدل على ذلك أن الكثير من عناصر هذه المجموعات يدعي لدى المحاكم أنه يقاتل من أجل حماية السنة!.
3ـ لا يزال سلاح "حزب الله" عاملا منشّطا لوجود جماعات متطرفة في لبنان، من باب المحاكاة، والحاجة إلى الانتماء إلى العصبة المسلحة، والرغبة الصادقة لدى البعض في قتال إسرائيل، وإذ تفشل هذه الجماعات في إشباع هذه الرغبات، تشعر بالمرارة التي تتحول إلى تطرف موجه نحو الشريك في الوطن!.
4ـ في المقابل، تشكل سياسة الانفتاح التي يعتمدها سعد الحريري على الحركات الإسلامية السلفية وغير السلفية، عاملاً حاسماً في سيادة لغة الاعتدال في الشارع السني ومحاصرة التطرف الذي يتغذى بشكل مَرَضي من حالة المد الإسلامي المتعاظم، والمفارقة هنا أن الحريري "متهم" من بعض قوى 8 آذار في هذه العلاقة، التي هي أساساً لحماية لبنان!.
5ـ في الوقت الذي تلعب فيه دار الفتوى وحركات الاعتدال الإسلامي عاملاً مساعداً في منع تحوّل السجون اللبنانية إلى محاضن للتكفير والإثارة، يُدخل البعض موضوع الإسلاميين في السجون اللبنانية في البازار السياسي، دون إدراك لخطورة المسألة، ودون إعطاء أهمية لشريحة واسعة من الإسلاميين تشعر بالإجحاف من تعامل المحاكم العسكرية معها، وبأن كثيرين من أبنائها يعانون من سوء المعاملة والتعذيب، لا سيما في مراحل التحقيق، وللاعتقال لفترات طويلة دون محاكمة، في الوقت الذي "ترتّب" فيه ملفات الآخرين لدى المحاكم العسكرية بطريقة مختلفة!.