تزايد المؤشرات السياسية والأمنية المقلقة في الشمال:
طرابلس في دائرة الاستهداف!
المستقبل - الجمعة 11 أيلول 2009 - العدد 3420 - شؤون لبنانية - صفحة 5
فادي شامية
بالتزامن مع عودة الاحتقان السياسي إلى البلاد، بدأت تظهر مؤشرات أمنية مقلقة في أكثر من مكان في لبنان، ولا سيما في شماله، حيث القاعدة الشعبية الأضخم لـ "تيار المستقبل". وبطبيعة الحال فإن هذه الوقائع الأمنية الظاهرة حالياً ليست وليدة ساعتها، إنما هي نتاج جهد مستمر، يعود بعضه إلى ما بعد اتفاق الدوحة مباشرة، حيث بدأ تحضير بعض الجماعات والأجواء إلى حين الحاجة إليها!. الوقائع المقلقة في عاصمة الشمال تنقسم إلى ثلاثة محاور:
المجموعات المسلحة داخل طرابلس
ثمة حركة ملحوظة في إعادة تأهيل وتجهيز المجموعات المسلحة التابعة لفريق الثامن من آذار في الشمال، ومن المعطيات البارزة في هذا الإطار:
1ـ إعادة تأهيل بعض المجموعات التابعة لـ"حركة التوحيد" بجناحيها، منقارة وشعبان، وهي مجموعات تتلقى تمويلها من إيران (وقع إشكال بين الشيخ عمار شعبان ومرافقي شقيقه قبل عشرة أيام أدى إلى إصابة مواطن).
2ـ زيادة المتفرغين من مسلحي "الحزب السوري القومي" في طرابلس، وتأمين العتاد والحاجات العسكرية اللازمة لهم في المدينة، بإشراف مباشر من عميد الدفاع في الحزب المذكور وائل حسنية، الذي زار طرابلس قبل أيام لرفع جهوزية مسلّحيه هناك.
3ـ تأطير مجموعات مسلحة في المدينة، تابعة مباشرة لـ "حزب الله"، وهي بإمرة سمير الحسن، المقيم حالياً في الضاحية الجنوبية. وكانت القوى الأمنية قد داهمت مؤخراً منزل مجند في الجيش اللبناني من آل يازباشي، في حي الزاهرية في طرابلس، حيث صادرت كمية من الأسلحة تقدر بحمولة جيب، وقد تبيّن أنها لوالد زوجة المجند المذكور، أحمد الحسن، وهو شقيق سمير الحسن.
4ـ محاولات تأطير مجموعات من الشباب العاطلين عن العمل لصالح "المقاومة" في محلتي القبة والتبانة في طرابلس، بإشراف المدعو محمود الأسود. علماً أن الأخير على علاقة راهناً بمسؤولين في المخابرات السورية.
إعادة إنتاج الفتنة السنية العلوية
ضمن المسلسل نفسه لإرباك الساحة في الشمال، ثمة سعي حثيث لإعادة إنتاج الفتنة السنية ـ العلوية، فعلى مدى الشهرين الماضيين تعرّضت طرابلس لأكثر من محاولة توتير بين جبل محسن وجواره، وقد تبيّن أن عناصر في التبانة وفي جبل محسن مرتبطة بفريق الثامن من آذار، هي المسؤولة عن التوتير المقصود، وقد ألقي القبض على بعضهم بسبب إلقائهم عبوات وقنابل صاروخية في المنطقة. وقبل أيام حاولت إحدى هذه المجموعات زرع عبوة قرب مجمع صبح في طرابلس، لكن المحاولة لم تنجح.
ورغم معرفته بأن المتضرر الأكبر من التوتر في طرابلس هو "تيار المستقبل"، لا يترك المسؤول في "الحزب العربي الديموقراطي" رفعت علي عيد مناسبةً، سعيدةً أو حزينةً، إلا ويحرّض فيها على النائب سعد الحريري بدعوى أنه حرم العلويين من حقهم في التمثيل النيابي. علماً أن الخطاب المباشر للرجل مع مسؤولي التيار مختلف، وهو يتهم "جهات أخرى من خارج طرابلس بالتوتير".
وبعد إطلاق سراح ثلاثة شبان في جبل محسن كانوا قد أصيبوا بانفجار مواد متفجرة كانت بحوزتهم (أطلقوا بعد 12 يوماً من اعتقالهم)، بات رفعت عيد أكثر هدوءاً وقد نقل عنه بعض الذين التقوه مؤخراً أن "الأيام المقبلة ستشهد فتنة سنية ـ سنية داخل طرابلس، وليس سنية ـ علوية"، و"أن العلويين لن يتدخلوا بالأمر".
محاولة تفجير مخيم البداوي والعلاقة مع جواره اللبناني
المحور الأخطر لاستهداف طرابلس يتمثل بتحويل مخيم البداوي إلى قنبلة موقوتة تنذر بانفجار يدمر المخيم، ويوتّر العلاقة مع جواره. وفي هذا الإطار تسجل حركة متزايدة لعناصر مرتبطة بالمخابرات السورية داخل المخيم، إضافة إلى دخول وخروج عناصر مشبوهة.
ومع أن اللجنة الأمنية في المخيم متعاونة إلى حد كبير مع قيادة الجيش اللبناني إلا أن الوضع ليس على ما يرام، وثمة معلومات على ما يبدو لدى مخابرات الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية عن تسلل عناصر إرهابية إلى المخيم، ومحاولات إنتاج مجموعات متطرفة جديدة، تارة تحت عنوان الانتقام من قيادات حمساوية رداً على تصفيتها لجماعة "جند أنصار الله" في غزة، (تقوم قيادة "حماس" في لبنان بجولة على المسؤولين السياسيين والأمنيين لـ "تطوير العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية وتقديم رؤية قائمة على احترام سيادة الدولة ودعم مسيرة الاستقرار") وتارة تحت عنوان إعادة إحياء تنظيم "فتح الإسلام" (راجت إشاعة بعد محاولة الفرار من رومية أن المجموعة كانت على تواصل مع أشخاص داخل البداوي).
وفي ظل هذه الأجواء يحكم الجيش اللبناني طوقه الأمني حالياً حول المخيم، بعد استحداثه نقاط تفتيش جديدة، حيث يمتد الطوق الأمني من منطقة المنكوبين المحاذية للمخيم وصولاً إلى حدود مدرسة النور جنوباً.
وتعمل جهات سياسية داخل مخيم البداوي للتحريض على الحكومة (حكومة تصريف الأعمال) بدعوى أن الرئيس فؤاد السنيورة نكث بوعده ولم تحصل العودة إلى نهر البارد، علماً أن الجهة التي أثارت موضوع الآثار في البارد واستعملته لمنع العودة هي "التيار الوطني الحر"، وهي الجهة نفسها التي تتعامل مع الملف الفلسطيني بشكل عنصري، تحت شعار منع التوطين، في حين أن المتضرر الأكبر من تردي العلاقة مع الفلسطينيين هو الجوار اللبناني، وتحديداً السني، وقد كان لافتاً قبل أيام تصريح رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني السفير خليل مكاوي عندما رد على "التيار الوطني الحر" بالقول: "حماية الآثار أولوية، كذلك إعادة إعمار مخيّم نهر البارد". وثمة قناعة حالياً لدى قيادات سياسية وشعبية عديدة أن موضوع الآثار (الذي لا خلاف على أهميته والحفاظ عليه وتحييده عن عمليات البناء الجارية) ليس إلا قناعاً لإعاقة العودة إلى نهر البارد وخلق المزيد من المتاعب للرئيس السنيورة ولـ "تيار المستقبل".
على ضوء هذه الوقائع، السياسية والأمنية، وفي ضوء الأزمة الحكومية المتصاعدة، يصبح مفهوماً ما كتبته صحيفة "الوطن" التابعة للنظام السوري قبل أيام، نسبةً إلى تقارير أمنية "كشفت عن تحركات لمجموعات أصولية في محاولة لاستغلال الفراغ السياسي لتنفيذ عمليات تستهدف الاستقرار الأمني... وإمكان حصول تحرك داخل المخيمات الفلسطينية وربما خارجها نتيجة التطورات السلبية على الساحة الفلسطينية الداخلية وتداعياتها لبنانياً". كما يصبح مفهوماً تهديد الوزير ماريو عون من أن ما يحصل (في الشأن الحكومي) هو "تعدٍ وهم يدركون الثمن المتأتي عن مثل هذه السياسة"... ويصبح مفهوماً كذلك تهديد البعض بما يشبه 7 أيار جديد!.