أي دور لـ "لجنة أهالي الموقوفين الإسلاميين" بعد محاولة الهروب من رومية؟!
فادي شامية
قبل أكثر من عامين وبعد ورورد معلومات مؤكدة عن عمليات تعذيب وسوء معاملة داخل السجون اللبنانية، ولا سيما رومية، تشكّلت لجنة من المحامين والمهتمين بقضية "الموقوفين الإسلاميين" لمتابعة شؤونهم، بإشراف دار الفتوى.
نجحت اللجنة في إثارة مظلومية هؤلاء الموقوفين؛ لجهة عدم معاملتهم بصورة إنسانية، وتحميل بعضهم تهماً لأفعال لم يرتكبوها تحت تأثير التعذيب، وإطالة أمد المحاكمات.
وفي العام الماضي عقدت اللجنة مؤتمراً تدارست فيه أوضاع "الموقوفين الإسلاميين"، وطالبت الإسراع بإجراءات التقاضي، وتعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لجهة حرمان الموقوفين من حقهم في إخلاء سبيلهم ريثما يبت القضاء في قضاياهم وإلغاء التوقيف الاحتياطي، واعتبار النيابة العامة التمييزية هي المرجع الصالح في التعاطي مع هذا الملف، لا المحاكم العسكرية أو الاستثنائية.
وقبل أيام من الآن عقدت اللجنة اجتماعاً حضرته 16 شخصية إسلامية لتفعيل مطالبها، وكان مقرراً أن تنتقل هذه الشخصيات إلى سجن رومية، لولا محاولة الفرار الأخيرة.
هل تتحمل اللجنة مسؤولية معنوية عما جرى؟!
نتيجة لمحاولة الفرار الأخيرة من رومية، طُرح في الإعلام تساؤلات بريئة وغير بريئة حول تدخل شخصيات ومرجعيات إسلامية لصالح تحسين وضع السجناء و"الموقوفين الإسلاميين"، ما حمّل بشكل مباشر أو غير مباشر هذه الشخصيات والمرجعيات -الداعمة أيضاً للجنة "أهالي الموقوفين الإسلاميين"- مسؤولية ما عما جرى، فضلاً عن دعوة البعض للتضييق على الموقوفين في سجن ذوي الخصوصية الأمنية. لكن إنصاف اللجنة المذكورة يفترض الاطلاع على مسارها ومواقفها، فاللجنة أسهمت في حل العديد من المشاكل داخل سجن رومية وغيره من السجون، وخففت الكثير من الاحتقان ذي الطبيعة المذهبية، نتيجة تواصلها مع الموقوفين وذويهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يُسجل لها إقناع الموقوفين بوقف إضرابهم عن الطعام في تشرين أول العام 2007، وتبريد الأجواء التي نتجت عن اعتداء أحد الضباط على حرمة المصاحف داخل سجن رومية، وردود الفعل التي خلفها ذلك خارج السجن.
ثمة أمر آخر ظل خافياً إلى فترة طويلة وهو نجاح اللجنة المذكورة في معاونة إدارة سجن رومية في إحباط محاولة فرار دموية كان تحضر لها مجموعة من "فتح- الإسلام". كان ذلك قبل نحو عام، حيث أعلم أحد المساجين الإسلاميين (و.ع) الرائد المسؤول عن السجن بخطة يعدها البعض للفرار من السجن، فاتخذ الضاط المعني إجراءاته وأبعد هؤلاء عن بقية المساجين، ونالوا نصيبهم من "العقاب" (شهر كامل في الانفرادي إضافة إلى الضرب).
لكن التفكير في الهروب استمر، وقد عاود بعض موقوفي "فتح-الإسلام" التفكير في محاولة الهروب من المبنى (ب) المحاط أمنياً بشكل جيد، وقد علمت "لجنة أهالي الموقوفين الإسلاميين" بما يجري التحضير له عبر أحد السجناء، فتعاونت مع إدارة سجن رومية في إحباط ما كان يخطط له هؤلاء على وجه التحديد، وقد تدخلت فرقة من الفهود يومها لنقلهم على غرف ومبانٍ أخرى.
وفي الواقع فإن "لجنة أهالي الموقوفين الإسلاميين" معنية بالدرجة الأولى بالسجناء الإسلاميين الذين لم يتورطوا في قتال الجيش اللبناني، وهم الأكثر عدداً على كل حال، وهؤلاء بعضهم موقوف احتياطياً بجنحة فيما أمضى حتى الآن فترة توقيف تزيد عن الحد الأقصى من فترة السجن الذي سيحكم به فيما لو أدين!. كما أن العديد من المصنفين على أنهم من "فتح –الإسلام" يرجّح أن لا تكون لهم علاقة بالتنظيم الإرهابي المذكور. أما المرتبطون حقيقة بهذا التنظيم فإنهم لا يتعاونون أصلا مع اللجنة، وبعضهم يعتبر أفرادها ومن يتعامل معهم مرتداً!.
أوضاع شاذة داخل رومية
لعل في الوقائع المثبتة أعلاه ما يدعو إلى فتح نقاش أعمق في أوضاع السجون عموماً، لجهة الاكتظاظ الناتج عن التعسف في استعمال القضاة حقهم في التوقيف الاحتياطي في أحيان كثيرة، وسوء أو حسن معاملة المساجين والموقوفين بناءً للنفوذ والمال، وفقدان السجون وظيفتها الإصلاحية، ودخول الممنوعات ولا سيما المخدرات إليها، وهذه "العيوب" إن كانت تنطبق على رومية باعتباره السجن الأكبر، فإنها تنطبق أيضاً على سجون أخرى.
يضاف إلى هذا الواقع المزري أن المساجين والموقوفين في السجون الكبرى يتأثرون بالانقسامات الطائفية والمذهبية والسياسية ما يؤدي إلى مشاحنات بينهم، وأحياناً إلى تضارب. ففي مطلع العام الجاري تعرض عدد من السجناء للضرب من قبل سجناء آخرين من طائفة أخرى في مبنى الأحداث، أثناء دخولهم إليه، في إطار خطة لجأت إليها إدارة السجن لإحباط إمكانية التحضير لفرار ما، لكن وبما أن الأمر أخذ أبعاداً طائفية، فقد اضطرت الإدارة إلى وضعهم في المبنى (د) الذي لا يتمتع بحماية أمنية كافية.
كما أن نقص العديد، والاعتماد على مجنّدين، سهّل أكثر من مرة إمكانية الإخلال بأمن السجن، فقد تمكن السجين فوزي شحرور، المحكوم بجرائم سلب ومخدرات، مع تسعة موقوفين آخرين، بيتارخ 9/8/2009 من قيادة عملية شغب "بعدما استدرج أحد المجندين وهدده بوضع آلة حادة على رقبته من داخل زنزانته عبارة عن مسكة ركوة قام شحرور بسنّها جيداً، ثم عمد الى سحب مفاتيح الزنزانات من المجند، وأقدم على فتح 21 زنزانة"، ثم عمد إلى إضراب النيرن في الطايق المذكور. (وقد ادعى على المشاغبين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية قبل يومين)، وتكفي زيارة واحدة لسجن رومية لاكتشاف سيطرة فئات محددة على طوابق في السجن، تحت غطاء نظام الشاوشية المعمول به في السجون.
باختصار أوضاع السجون سيئة، وهي تتطلب علاجاً سريعاً، لكنها تتطلب أولاً إبعاد العامل السياسي عن الموضوع، وتأمين العدالة للجميع، عندها لن تكون ثمة حاجة إلى "لجنة أهالي موقوفوين إسلاميين" ولا غير إسلاميين.