14 آذار: قصة الثورة التي لم تكتمل!

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
14 آذار: قصة الثورة التي لم تكتمل!

   الكاتب :

 

 الزوار : 2966   الإضافة : 2009-08-09

 

أنجزت الكثير وما زال الطريق أمامها طويلاً:

"14 آذار": قصة الثورة التي لم تكتمل!

فادي شامية

ثمة إرهاصات كثيرة كانت تنبىء بتفجر الغضب اللبناني بعد أكثر من 25 سنة من الوصاية السورية على لبنان. لم يقرأ النظام السوري المتغيرات الدولية والمحلية جيداً، ولم يدرك أنه لن يكون قادراً على الاستمرار في السياسات نفسها دون أن يدفع الثمن، وقد حاول وأد حركة لم تـُرد الصدام معه في الأساس، رغم أن مطلبها في تحقيق السيادة كان واضحاً منذ البداية.

ارهاصات الولادة

أصر النظام السوري على التمديد لرجله في لبنان الرئيس السابق إميل لحود، رغم معارضة رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ومعه غالبية الشعب اللبناني، ورغم صدور القرار 1559 الذي يدعو في أحد بنوده "لإجراء انتخابات رئاسية من دون تدخل خارجي". 29 نائباً من أصل نواب البرلمان اللبناني سجلوا رفضهم الصريح للتمديد الذي استوجب تعديلاً دستورياً في 3 أيلول من العام 2004، وقد عُرفت اللائحة التي تضم أسماء هؤلاء لاحقاً باسم لائحة الشرف. 4 وزراء في حكومة الحريري استقالوا احتجاجاً على انتخاب لحود -3 منهم من كتلة وليد جنبلاط-. وسرعان ما أتى الرد السوري، في الأول من تشرين الأول باستهداف النائب والوزير المستقيل مروان حمادة، فدفع الرجل ثمن الحركة الاستقلالية، من قبل أن تولد رسمياً في 14 آذار 2005.

في 20 تشرين أول من العام نفسه قدّم الرئيس الحريري استقالة حكومته للرئيس لحود، الممدة ولايته قسراً، معتذراً عن تشكيل حكومة جديدة، في بيان مقتضب ومؤثر قال فيه: "إنني استودع الله هذا البلد الحبيب لبنان، وشعبه الطيب". لم ينسحب الحريري من الحياة السياسية كما توقع له خصومه، ولم يغادر لبنان كما نصحه أصدقاؤه، بل استمر في قلب المعادلة السياسية، متوثباً لتحقيق نصر انتخابي كبير، كانت مؤشراته واضحة، خصوصاً بعد ارتكاب خصومه بعض الحركات السياسية الغبية.

حتى ذلك الحين كان الصوت المسيحي هو الأبرز بالمطالبة برحيل القوات السورية عن لبنان. بعد المواقف الجريئة التي اتخذها وليد جنبلاط، وما تعرّض له الرئيس الحريري من مضايقات و"إذلال"، بات السنّة والدروز أقرب إلى هذا الموقف المسيحي. لكن الانصهار الإسلامي-المسيحي، خلف شعار: "الحرية، السيادة، الاستقلال"، لم يتجسد إلا "بـ" دم و"على" دم الرئيس الحريري.

"14 آذار": الولادة المنقوصة!

في 14 شباط 2005 انفجر بركان الغضب المكبوت، بوجه النظام السوري. وبعد ذلك بأسبوعين استقال الرئيس عمر كرامي تحت ضغط الشارع. لكن "شعب" هذه الحركة المبهور بإقفاله سجل مرحلة الانقسام الإسلامي-المسيحي وجراحاتها، سواء في مرحلة الحرب أو ما بعدها، صُدم بانفتاح سجل جديد من الجراح عندما شارك مئات آلاف اللبنانيين، غالبيتهم الساحقة من الشيعة، في "تظاهرة الوفاء لسوريا" في 8 آذار 2005، فكانت ولادة الحركة التي أطلق عليها الأميركي بول دوبريانسكي اسم ثورة الأرز، بعد ذلك بأسبوع واحد، في واحدة من أضخم التجمعات في تاريخ لبنان.

وعلى وقع شعارات؛ السيادة والحرية والاستقلال والحقيقة والوحدة الوطنية... تحركت الثورة وانسحب الجيش السوري من لبنان، وكان آخر الجنود المنسحبين في 26 نيسان 2005. وعلى وقع هذه الثورة أيضاً خرج الدكتور سمير جعجع من سجنه، وعاد العماد ميشال عون من منفاه، وأجريت الانتخابات النيابية في موعدها وفازت فيها قوى 14آذار، وبفضلها تفكّك النظام الأمني السوري اللبناني المشترك، وعلى هديرها جاءت لجان التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الحريري. وقد توالت انجازات هذه الثورة بإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب، وبقيام المحكمة الدولية، وبإقامة علاقات دبلوماسية ندية مع سورية... لكن هذه الثورة ظلت منقوصة منذ انطلاقتها، لغياب أحد أهم المكونات الوطنية؛ ألا وهم الشيعة. ونتيجة لانخراط غالبية السنّة في فريق 14 آذار، وانخراط غالبية الشيعة في فريق 8 آذار، فإن ثمة انقساماً يزداد تعمقاً بين الشيعة والسنّة في لبنان، بحيث بات البلد بأسره يعيش على وقع هذا الصدع المذهبي، الذي تزيده عمقاً أجواء انقسام مذهبي في المنطقة ككل.

انسحاب عون وانضمامه لاحقاً إلى تحالف "8 آذار"

لم تكد الثورة الأرز تكمل شهرها الثاني حتى برز خلاف بينها وبين العماد ميشال عون العائد من فرنسا في 7 أيار 2005، على مشارف الانتخابات النيابية التي جرت على مراحل اعتباراً من 29 أيار. فقد أراد أقطاب ثورة الأرز استيعاب الانقسام الإسلامي- الإسلامي المستجد بحلف انتخابي رباعي يضم "تيار المستقبل" إلى ثنائي "أمل"- "حزب الله"، إضافة إلى "الحزب التقدمي الاشتراكي"، فاستغل عون هذا الموضوع في الجانب المسيحي ونال على نحو 70% من أصوات هذا الشارع. وعلى أساس هذا النصر الانتخابي راح عون يطالب بحصة كبيرة في الحكومة، الأمر الذي تحوّل إلى ذريعة لعدم دخوله إليها، ولتوقيع تفاهم مار مخايل في 6 شباط 2006 مع "حزب الله"، العمود الفقري لفريق 8 آذار!.

شكّل هذا الانسحاب من فريق 14 آذار أولى الضربات الشعبية المؤثرة، إذ لم يتخيل أحد أن يسير شطر من الجمهور المسيحي عكس السياق التاريخي لشعاراته التقليدية، وبعد كل المعاناة التي عاناها من النفوذ السوري، وفي اللحظة التي بدأ فيها لبنان باستعادته لاستقلاله!.

"14 آذار": التضحيات والآلام!

على الرغم من غياب المكوّن الشيعي عنها، وانسحاب العماد ميشال عون منها، فقد سارت حركة الرابع عشر من آذار خطاها حثيثاً نحو تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها، وفي الطريق توالت الضربات؛ فقد اغتيل الصحفي سمير قصير في 2 حزيران 2005، تبعه المناضل جورج حاوي في 21 حزيران، ثم وزير الدفاع الياس المر في 12 تموز، لكنه نجا، ثم الإعلامية مي شدياق في 25 أيلول، وقد نجت أيضاً، ثم النائب والصحفي جبران تويني في 12 كانون الأول، ثم نائب رئيس "شعبة" المعلومات في قوى الأمن الداخلي سمير شحادة في 5 أيلول 2006، وقد نجا بأعجوبة، ثم النائب والوزير بيار الجميل في 21 تشرين الثاني، ثم النائب وليد عيدو في 13 حزيران 2007، ثم النائب انطوان غانم في 19 أيلول 2007، ثم الضابط في قوى الأمن الداخلي الممسك بملف الاتصالات في جريمة اغتيال الحريري وسام عيد في 25 كانون ثاني 2008، فضلاً عن العميد فرانسوا الحاج ومئات الشهداء والجرحى من الجيش اللبناني الذين تصدوا لتنظيم "فتح- الإسلام" الذي جرى تصدير معظم قياداته من سوريا إلى لبنان بقصد توريطه في صراع لا ينتهي.

ليس هذا فحسب فقد تعرّض لبنان إلى موجة من الانفجارات استهدفت في معظمها ضواحي بيروت الشرقية، حيث وقعت انفجارات في مناطق؛ الجديدة (19/3/2005)، الكسليك(23/3/2005)، البوشرية(26/3/2005)، برمانا(1/4/2005)، جونية(6/5/2005)، الزلقا(22/8/2005)، النقاش(23/8/2005)، الجعيتاوي(16/9/2005)، عين علق(13/2/2007)، الأشرفية(20/5/2007)، فردان(21/5/2007)، عاليه(23/5/2007)، البوشرية(4/6/2007)، ذوق مصبح(7/6/2007)، الكرنتينا(15/1/2008)، شارع المصارف في طرابلس(13/9/2008)، البحصاص في طرابلس(29/9/2008). فضلاً عن عمليات التفجير التي استهدفت قوات اليونيفيل.

مخاض المحكمة الدولية

وإذا كان ثمن؛ السيادة والحرية والاستقلال، مكلفاً -كما هو واضح-، فإن ثمن؛ المحكمة والحقيقة والعدالة، لم يكن أقل كلفة، ليس في الشق المتعلق بالاغتيالات والتفجيرات فحسب، وإنما في المخاض العسير الذي سلكته المحكمة الدولية، وقد تجلى ذلك عندما استقال الوزراء الشيعة من الحكومة في 11 تشرين ثاني 2007 لإفقادها ميثاقيتها بغياب المكوّن الشيعي، في محاولة لتعطيل المصادقة على مشروع المحكمة الدولية، الذي تم -رغم ذلك- في 25 تشرين ثاني من العام نفسه، إلا أن الرئيس السابق إميل لحود رفض توقيع المرسوم.

وبناءً لهذا الخلاف، ونتيجة لاعتبار فريق 8 آذار الحكومة فاقدة للميثاقية والدستورية والقانونية، فقد بدأ مشروع إسقاطها باعتصام جماهيري في الأول من كانون الأول 2006، تخلله إشكالات في الشارع، في 23 و 25 كانون الثاني 2007، ولم ينته ذلك الاعتصام إلا بعد مواجهات 7 أيار 2008 المأساوية، وتوقيع اتفاق الدوحة، الذي سمح أيضاً بانتخاب الرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.

خلال هذه الفترة أُقفل مجلس النواب بوجه الحكومة بدعوى فقدانها للشرعية، ورفض رئيسه نبيه بري عدة مرات تسلّم مشروع المحكمة الدولية، إلى أن قام مجلس الأمن نفسه في 30 أيار 2007 باعتماد القرار 1757 لإنشاء المحكمة الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 حزيران من العام نفسه. وما تزال المحكمة الدولية إلى اليوم موضوعاً إشكالياً من قبل فريق 8 آذار بحجة الخوف من التسييس!.

... وسلاح "حزب الله"

شكّل سلاح "حزب الله" واحدة من أصعب الملفات التي واجهت حركة 14 آذار منذ قيامها، ففيما رأى هذا الفريق أنه آن الأوان لجعل هذا السلاح تحت مظلة السلطة السياسية، رفض "حزب الله" أي بحث بتسليم سلاحه، أو جعله تحت سلطة الدولة. وبهدف حل هذا الإشكال ابتدع الرئيس نبيه بري فكرة طاولة الحوار الوطني، التي بحثت في كل النقاط التي كانت مدرجة على جدول أعمالها، ولما وصلت إلى بند السلاح، نفذ "حزب الله" عملية خطف جنديين للعدو الإسرائيلي على الحدود مع فلسطين المحتلة، فنشبت حرب تموز 2006 بكل مآسيها المعروفة، ما زاد من حدة الخلاف بين اللبنانيين.

وبعد انتخاب الرئيس ميشال سليمان تولى بنفسه، بدلاً من بري، قيادة طاولة الحوار بنسختها الجديدة، بهدف مناقشة ما اصطلح على تسميته "الاستراتيجية الدفاعية"، ورغم مضي سنوات أربع تقريباً على طاولة الحوار منذ قيامها الأول، فلا تقدماً ملموساً في هذا الملف، بل النتيجة التي تكوّنت لدى الجميع أن هذا الموضوع، بالظروف الحالية، غير قابل للحل، وأن أي خطوة في هذا المجال ستقود إلى حرب أهلية.

المكوّن الدرزي

في 2 آب الجاري، وبعد مواقف كثيرة ممهدة، أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ما يشبه انسحاباً ضمنياً من فريق 14 آذار، وقد أثار هذا الموقف جدلاً سياسياً واسعاً، وفي 5 آب وضّح جنبلاط موقفه، بأنه لم يقصد "الخروج بل ايجاد شعارات جديدة"، داعياً إلى احترام الخصوصية الدرزية، ومذكراً بأن "كل ما أفعله وسأفعله كان وسيبقى لمعالجة رواسب السابع من أيار"!.

مع الموقف الجنبلاطي الأخير بدا أن المكوّن الدرزي في ثورة الأرز بات في وضع إشكالي، فهذا المكوّن قلبه-كما قلب زعيمه جنبلاط- مع 14 آذار، لكن عقل زعيمه يقول إن لا مصلحة للدروز في الاستمرار في الخط نفسه، بعد جملة من المتغيرات الدولية، وبعد الذي حدث في 7 أيار، سيما أن ذلك الذي حدث يمكن أن يتكرر في أي وقت، خصوصاً إذا ما أظهرت المحكمة الدولية تورطاً لأحد الأطراف الداخلية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.

طريق 14 آذار لم يُستكمل بعد، وإنجازاتها بحاجة إلى رعاية لئلا تذهب أدراج الرياح، والمسار على ما يبدو سيكون أطول بكثير مما هو متوقع.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


7 + 3 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع