فى الذكرى الـ71 لاستشهاد الإمام حسن البنا- رحمه الله- الإمام والقائد، ومجدد الإسلام في القرن العشرين، ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين، جمعنا لكم بعض ما قيل عنه.
فكتب الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر- رحمه الله- "إن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور على دينه، يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية، ويفقه أسرار الإسلام، وقد اتصل بالناس اتصالا وثيقًا على اختلاف طبقاتهم، وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي، على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة".
وقال العلامة طنطاوي جوهري: "إن حسن البنا في نظري مزيج عجيب من التقوى والدهاء السياسي، إنه قلب عليّ وعقل معاوية، وأنه رد على الحركة الوطنية عنصر (الإسلامية)... وبذلك يعد الجيل- هذا الجيل الإسلامي الحاضر- النسخة الثانية الكاملة المعالم بعد الجيل الأول في عهد الرسول.
الإمام عبد السلام ياسين- رحمه الله- مؤسس جماعة العدل والإحسان بالمغرب: "الإمام حسن البنا.. مُجدّد جمع بين القرآن والسلطان، ويبقى الإمام البنا غُرَّةً في جبين الدعوة بما جمع الله فيه من خصال الخير. فإن نظرت إلى خشوعه وتبتله وروحانيته فهو قبَسٌ من المشكاة النبوية. وإن نظرت إلى علمه وسَعَةِ أفُقِهِ فهو إمام سنيٌّ ومعلم عبقريٌّ. وإن نظرت إلى شجاعته في الحق وهيبته في صدور من عاشروه فهو أسد من أُسْدِ الله. ناهيكَ عن فصاحته وحكمته وأدبه وصبره. رحمه الله رحمة واسعة.
وتحدث الشيخ حسنين مخلوف، مفتي الديار المصرية في الأربعينيات عن حسن البنا، وأشاد به وبمكانته بين الدعاة، فقال: "الشيخ حسن البنا أنزله الله منازل الأبرار، من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر، بل هو الزعيم الإسلامي الذي جاهد في الله حق الجهاد، واتخذ لدعوة الحق منهاجًا صالحًا وسبيلاً واضحًا استمده من القرآن والسنة النبوية ومن روح التشريع الإسلامي، وقام بتنفيذه بحكمةٍ وسدادٍ وصبرٍ وعزمٍ، حتى انتشرت الدعوة الإسلامية في آفاق مصر وغيرها من بلاد الإسلام، واستظل برايتها خلق كثير".
وكتب عنه مفتي القدس محمد أمين الحسيني- رحمه الله- "بينما كان الملاحدة ودعاة الإباحية ومروجو الفكرة الشعوبية (القومية العلمانية) يهاجمون الإسلام، وينشرون سمومهم وضلالاتهم في مختلف الأوساط في الأقطار المصرية والعربية، وبِخاصة بين طلبة الجامعات والمعاهد العليا، برز المرحوم (إن شاء الله) الشيخ حسن البنا في وسط الشعب المصري المؤمن كما تبرز الشمس من بين السحب الداكنة، داعيا أمته وبلاده والمسلمين جميعا إلى العمل بالقرآن الكريم، وتطبيق أحكامه السامية، وآدابه الرفيعة، والاستمساك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في كل شأن".
المحدّث ناصر الألباني- رحمه الله – "لو لم يكن للشيخ حسن البنا- رحمه الله- من الفضل على الشباب المسلم سوى أنه أخرجهم من دور الملاهي في "السينمات" ونحو ذلك والمقاهي، وكتّلهم على دعوة واحدة، ألا وهي دعوة الإسلام.. لو لم يكن له من الفضل إلا هذا لكفاه فضلا وشرفا.. هذا نقوله معتقدين لا مرائين ولا مداهنين" .
الأمير عبد الكريم الخطابي- رحمه الله - ويح مصر وإخوتي أهل مصر مما يستقبلون جرّاء ما اقترفوا، فقد سفكوا دم وليّ من أولياء الله!! ترى أين يكون الأولياء إن لم يكن منهم، بل في غرتهم حسن البنا الذي لم يكن في المسلمين مثله"!.
يقول المرشد عمر التلمسانى- رحمه الله- "حسن البنا كلما باعدت الأيام بيننا وبين يوم استشهاده ازدادت شخصيته وضوحا وإشراقا وإثارة نورا وبهاء.. إنه كاللوحة الفنية البديعة .. كلما ابتعدت عنها محملقا في روعتها كلما وضح أمام ناظريك رواؤها ودقة الإبداع فيها. وحقا ما مضي عام إلا ازداد تاريخ حسن البنا وضوحا في ميادين الدعوة الإسلامية وظهر ما أجراه الله من خير على يديه للإسلام والمسلمين)".
ويقول الشهيد سيد قطب- رحمه الله- "في بعض الأحيان تبدو المصادفة العابرة كأنها قدر مقدور، وحكمة مدبرة في كتاب مسطور.. حسن "البنا".. إنها مجرد مصادفة أن يكون هذا لقبه.. ولكن من يقول إنها مصادفة، والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي البناء وإحسان البناء ، بل عبقرية البناء، لقد عرفت العقيدة الإسلامية كثيراً من الدعاة .. ولكن الدعاية غير البناء .. وما كان كل داعية يملك أن يكون بنّاء، وما كل بناء يوهب هذه العبقرية الضخمة في البناء.. هذا البناء الضخم.. الإخوان المسلمون".
كتب المرحوم مصطفي أمين عن الإمام الشهيد قبل أن يراه: "أشد ما أعجبني فيه إيمانه بفكرته، كان يؤمن بها بطريقة عجيبة، ويرى أن المستقبل لها، وقد انعكس ذلك على سلوكه، فكان له قدرة فائقة على إقناع الغير بذلك، كان خطيبًا مفوهًا قادرًا على التأثير في آلاف الناس، كما كان شديد التأثير على من يجلس معه أيًّا كان تفكيره، كان يقنع العامل ويحدثه بأسلوبه، وكذلك يفعل مع الطالب، والكبير والصغير، والغني والفقير، وساكن الريف والمدينة وكل طبقات الشعب.
أعجبني كذلك في حسن البنا أن إيمانه بفكرته لم يكن عاطفيًّا فقط، بل كان محسوبَ الخطوات مدروسًا. إيمانه بفكرته، كان يؤمن به بطريقة عجيبة، ويرى أن المستقبل لها، وقد انعكس ذلك على سلوكه، فكان له قدرة فائقة على إقناع الغير بذلك. أعجبني كذلك في حسن البنا أن إيمانه بفكرته لم يكن عاطفيًّا فقط بل كان محسوب الخطوات مدروسًا، ولم يكن متعجلاً رغم حماسه الشديد لما يؤمن به".
ويقول الشاعر المصري الكبير الأستاذ كامل الشناوي: "كان لفضيلة الفقيد “حسن البنا” هدف واحد، هذا الهدف هو خلق جيل كامل من الشباب المثقف القوي المؤمن، وقد كان. وكانت للفقيد غاية واحدة، هذه الغاية هي أن يموت في سبيل الله، إنه مثل من أمثلة التضحية الخالدة، والخلق الكريم، والحكمة المنشودة”.
لقد كان حسن البنا هو الزعيم الوحيد الذي آمن بالفكرة التي جاهد من أجلها، ولقد كان حسن البنا هو القائد الوحيد الذي تلمحه في صفوف الجنود. هذا هو حسن البنا، شخصية نادرة لا يجود الزمن بمثلها إلا كل مائة عام.
يقول محمد زكي عبد القادر- رئيس تحرير الأخبار- "لم يكن إيمان الشيخ حسن البنا بدعوته إيمانًا طارئًا، ولا هو إيمان العاطفة وحدها، ولكنه كان إيمانًا قائمًا على دراسة صحيحة عميقة للتشريع الإسلامي ولتاريخ الدول الإسلامية، وما كان لها من سلطان وعظمة ومُثل وأفكار ودعوات لخير الناس في حياتهم وبعد مماتهم.
نظر- رحمه الله- فيما أصاب الإسلام من تدهور، وأدرك أنَّ السبب فيه يرجع إلى ابتعاد المسلمين عن روحه، فجعل رسالته أن يدعوهم إلى ما ابتعدوا عنه وأن يؤكد في نفوسهم ما اهتزَّ من مثل وأخلاق، فكانت دعوته أشبهَ بالبعث، وأقرب ما تكون لنفوس الناس فأقبلوا عليها مؤمنين أنها وحدها سبيل الخلاص.
ولا شكَّ أنَّ وفاته- وهو لا يزال في سنِّ العقل الراجح والرجولة المكتملة- كانت خسارةً شديدةً، رحمه الله رحمةً واسعةً، وأجزل مثوبته على ما سلف من خير وجهاد وتضحية.
ألَّف الدكتور طه حسين كتاب “مستقبل الثقافة في مصر” وقد أحدث دويًّا، واختلفت الآراء بين مادح وقادح، وقد دُعِي الأستاذ المرشد حسن البنا ليُدلِي بدلوه حول الكتاب وحُدِّد الموعد، ووُزِّعت الدعوات، وقبل الموعد بخمسة أيام، قرأ الأستاذ الكتاب في التزام أثناء ذهابه وإيابه من المدرسة.
وذهب إلى دار الشبان المسلمين في الموعد المحدد، فإذا بها ممتلئةٌ برجالات العلم والأدب والتربية، ووقف الإمام على المنصة، واستفتح بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم بدأ ينتقد الكتاب بكلام من داخل الكتاب، فأخذ يأتي بفقرات ويشير إلى رقم الصفحات، والحاضرون يتعجبون من هذه الذاكرة، وتلك العبقرية، وفي الختام أبلغ السكرتير العام للشبان المسلمين الأستاذَ المرشد بوجود الدكتور طه حسين في مكان خفي، وفي اليوم التالي طلب الدكتور طه مقابلة الأستاذ المرشد، فقابله، ودار حديث أكبر فيه الدكتور طه الأستاذَ المرشد، ثم قال الدكتور طه: “ليت أعدائي مثل حسن البنا، إذن لمددت لهم يدي من أول يوم، يا أستاذ حسن، لقد كنت أستمع إلى نقدك لي وأطرب. وهذا النوع من النقد لا يستطيعه غيرك”.
وكتب الداعية الشيخ عبد الحميد كشك- رحمه الله- "الإمام الشهيد حسن البنا هو الداعية الذي بعث الأمل في قلوب اليائسين، وقاد سفينة العالم الحائر في خضمِّ المحيط إلى طريق الله رب العالمين.هو الرجل الذي كان يقول لأتباعه: "كونوا مع الناس كالشجر؛ يرمونه بالحجر فيرميهم بالثمر"!. عرفتُه من كتاباته، وعرفتُه من مريديه ومحبِّيه، وعرفتُه من آثاره الطيبة وأعماله المجيدة، عرفتُه داعيةً يجمع ولا يفرِّق، يحمي ولا يبدِّد، يصون ولا يهدِّد، يشدُّ أزر الأصدقاء ويردُّ كيد الأعداء. عرفته رجلاً بعيد النظر، قويَّ الحجة، فاهمًا لأحداث عصره، مجدِّدًا رجلا يتلافى الخلاف ويعمل على توحيد الأمة عندما سئل الإمام الشهيد ذات يوم من أحد عشَّاق الفُرقة: لماذا تبني الجمعية الشرعية المساجد وأنتم لا تبنون؟! فقال: عليهم أن يبنوا المساجد، وعلينا أن نملأها".
وكتب الكاتب إحسان عبد القدوس رحمه الله: تحت عنوان (في ذكرى الإمام الشهيد) يقول: لم أقابل فى حياتى الصحفية زعيمًا سياسيًّا متمكنًا من دعوته تمكُّن المغفور له الأستاذ حسن البنا، كنت أقابله دائمًا متحديًا، متعمدًا أن أحطم منطقه بمنطقى، وكنت أفترق عنه دائمًا مقتنعًا بإيمانه وبصدق دعوته وبقوة عزمه على الوصول إلى هدفه، وهو ما دعانى إلى أن أنشر أول تحقيق صحفى عن الإخوان المسلمين، وهو التحقيق الذى نقلته عنى وكالات الأنباء، وأصبح الإخوان من يومها حديث العالم. وكنت أعتقد أن قوة حسن البنا فى عقليته التنظيمية، فقد كان يجلس فى مكتبه بالمركز العام بالقاهرة، وفى ذهنه صورة صحيحة لما يجرى فى شعبة الإخوان فى أسوان، وكان يعرف الإخوان واحدًا واحدًا، ويكاد يعرفهم بالاسم رغم أن عددهم كان يزيد عن نصف المليون، وكان يعد لكل منهم دوره فى الجهاد، وكان يشغل كلا منهم طول يومه بخدمة الجماعة حتى لا يجد ما يلهيه عن مبادئها . ولكن عقلية حسن البنا التنظيمية وحدها لم تكن تكفى، لولا نشاطه الفذ، الذى كان يستعين به على الطواف بالقطر المصرى كله، كل أسبوع تقريبًا، ولولا سرعة خاطره فى الرد على كل ما يعترضه من حالات ولولا قدرته على تفسير القرآن بحيث تنطبق آياته على كل مشكلة من مشاكل الحديث، ولولا أنه كان صورة صادقة للزعيم يمثل شعب مصر، فى قناعته وفى زيه، وفى إيمانه، وفى لغته، وفى تواضعه، وفى إحساسه كان حسن البنا يمتاز بكل ذلك، وقد ذهب حسن البنا، عوَّضنا الله فيه خيرًا ".
وكتبت السيدة بهية نصار- رحمها الله - رئيس مبرة الخدمة الإسلامية: "كان رحمه الله صاحبَ رسالة، وكان موفَّقًا كل التوفيق؛ حيث لمس حقيقة الداء وعالجه بأنجع دواء؛ رأى انهيار الأخلاق وانحراف الناس عن الطريق السوي بتركهم الدينَ وراء ظهورهم، فعمل جاهدًا على تغيير الوضع، وسلك بالإخوان وبشباب الأمة خاصةً السبيل العملي، ليخلق من كل فردٍ المسلمَ الحقَّ والمواطنَ القويَّ الصالحَ، وشقَّ طريقه قُدمًا، عُدَّته الإيمان والإخلاص والعمل، فلازمه النجاح، حتى إذا ما وافاه الأجل المحتَّم كان قد بلَّغ الآلاف المؤلَّفة، وقابل ربه بنفس راضية مطمئنة، أثابه الله بقدر نفعه للوطن الإسلامي وللمسلمين، وأسكنه فسيح جناته، ووفَّق الإخوان إلى ترسُّم خطاه، ونفع بهم وبأمثالهم الوطن المفدَّى وبنيه في ظل العهد الجديد عهد النظام والاتحاد والعمل".
وكتبت السيدة زينب جبارة- رحمها الله- رئيس جمعية السيدات المسلمات في عهد الإمام البنا، فقالت: "إن حسن البنا هو الرجل الذي فقدته مصرُ في مرحلةٍ من أدقِّ مراحل حياتها، كانت في مسيس الحاجة إلى دعوته التي قام بأعبائها، هذا الرجل العظيم الذي قلَّ أن تجود الأيام بمثله، أو أن نجد عوضًا عنه.
وقال الشيخ محمد الحامد- رحمه الله- "كان حسن البنا لله بكليته وروحه وجسده، بقلبه وقالبه، بتصرفاته وتقلبه. كان لله فكان الله له، واجتباه فجعله من سادات الشهداء الأبرار.
ونقل الشيخ سعيد حوى رحمه الله عن الشيخ الحامد أنه كان يعتبر البنا مُجَدَّد القرون السبعة الماضية".
وكتب الدكتور عبد الله ناصح علوان- رحمه الله- "حسن البنا الداعية الرباني بكلمة جامعة
وقال مكرم عبيد المسيحى عنه: "وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حى لدينا جميعا فى ذكراه، بل كيف لا يحيا ويخلد فى حياته رجل استوحى فى الدين هدى ربه، ففى ذكره حياة له ولكم".
ويقول السيد علال الفاسي- رئيس حزب الاستقلال المغربي رحمه الله- "أعظم ما كان بارزا في شخصية حسن البنا هو إيمانه بالله وبصدق الدعوة التي يدعو لها وإيمانه بنفسه أيضا وأعظم صفاته هي قوة الملاحظة وقوة المواظبة، وبهاتين الخصلتين استطاع أن يشق الطريق لدعوته في وسط كان أبعد ما يكون عنها وأعتقد أن الدعوة التي كانت تستفيد من حياة البنا لو لم يوافه الأجل المحتوم، ولكن العشرين سنة التي قضاها دائبا ليلا ونهارا على بذر فكرته وتطعيمها والعناية بها يجعلها في مأمن من أن تطوح بها أيدي الزمان العابثة".
وفي كلمة الرئيس محمد نجيب عن حسن البنا عقب نجاح ثورة 1952، قال: "من الناس من يعيش لنفسه، لا يُفكِّر إلا فيها، ولا يعمل إلا لها، فإذا مات لم يأبه به أحد، ولم يحس بحرارة فقده مواطن، ومن الناس من يعيش لأمته واهبًا لها حياته حاضرًا فيها آماله، مضحيًا في سبيلها بكل عزيزٍ غالٍ، وهؤلاء إذا ماتوا خلت منهم العيون وامتلأت بذكرهم القلوب، والإمام الشهيد حسن البنا، أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم لأنه- رحمه الله- لم يعش في نفسه بل عاش في الناس ولم يعمل لصوالحه الخاصة، بل عمل للصالح العام.
وكتب الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام السابع للإخوان المسلمين: لقد جاء الإمامُ "البنَّا" إلى الدنيا على قدَرٍ مقدورٍ، فإن العصرَ الذي وُلدَ فيه كان عصرًا مليئًا بالتيارات الهدَّامةِ والإلحادِ، والتحدياتِ المعاديةِ، وكان العالمُ الإسلاميُّ يتعرضُ لأبشعِ أنواعِ المخططاتِ الاستعماريةِ؛ نتيجةً لسيطرةِ الاستعمارِ الغربي الصليبي وغارتِه الفكريةِ والحضارية على كثيرٍ من البلدان الإسلامية، ولعل أبشعَ وأشنعَ ما نزل بالمسلمين في تلك الفترة كان إلغاءَ الخلافة الإسلامية عام 1924م، حيث تحولت دار الخلافة من رمزٍ لاتحاد المسلمين وقوتِهم، إلى دولة علمانية أُلغيت فيها الشريعة الإسلامية، لتَحِلَّ مكانها القوانينُ الوضعيةُ، وأصبح المسلمون كالشاة في الليلة المطيرة.. قُلبت المفاهيم.. واستَشرى الانحلال.. وفشا الإلحاد.. وشُوِّهت أمجادُ الإسلام العظيم.. وعُزلت الشريعةُ عن حياة المجتمع.. واستحالت دولة الخلافة إلى دويلات متنافرة.. ولم يبقَ لهذه الأمة من ملجأٍ ولا نصير إلا رحمةُ الله تعالى،ثم نجدةُ العقيدة وقوة الإيمان.
كتب الفريق عزيز المصري، وكان قائد الجيش المصري في عهد الملك، يقول: :"عرفت الشهيد حسن البنا أول مرة بعد عودتي من لندن 1937 حينما كنت في معيَّة سمو ولي العهد؛ وذلك حينما وجدت في انتظاري ثلاثةً قالوا لي إنهم من الإخوان المسلمين، ونظرًا لأن ملابسهم كانت من المتعارف على أنها إسلامية إلا أنها في نظري بعيدة عن الإسلام، قلت لهم: إنني لا أريد مقابلتهم؛ لأنني أريد أن أرى الإخوان المسلمين يمثلون فكرة التجديد والبعث حتى في أزيائهم، فتكون مبسَّطة ولو جاكتة مقفّلة وبنطلون، وبدلاً من “المسابح” يضع كلٌّ منهم في يده كتابًا يناقشني فيه.
ولشدَّة ما كانت دهشتي حينما جاءني في الغد أحد هؤلاء الثلاثة وقال لي إنه حسن البنا، وإنه مؤمن بكل ما قلت، ولكنَّ الرجعية التي تردَّى فيها المسلمون تجعلنا نطرق هذا الباب حتى نعيدَكم إلى الفكرة الإسلامية الصحيحة التي تجعل من المسلم شعلةً للعلم والتقدم والهداية للإنسانية، فأكبرت الرجل وعرفت فيه الداعيةَ الواعي، وقد كنت أتوقع ألا أراه بعد المقابلة الشديدة التي قابلتهم بها... ومنذ ذلك اليوم توثَّقت الصلة بيني وبينه، وكنا نتقابل بين حين وآخر، وأرى في وجهه علائم الإيمان باديةً وآيات الصدق والإخلاص مرتسمةً؛ مما زادني فيه ثقةً وإيمانًا.
وحينما كنت بسجن الأجانب إبان استشهاده جاءني أحد الضباط وعلى وجهه علامات الأسى، مخالفًا الأوامر ومبلِّغًا إياي ذلك النبأ المفجع؛ فأحسست بخنجرٍ أصابني في صدري لفقد ذلك الرجل العظيم.
وقال صلاح سالم عضو مجلس قيادة ثورة 1952: "إن هذه الأخلاق العالية والصفات الحميدة قد اجتمعت وتمثلت في شخص أستاذ كبير، ورجل احترمَه وأجلَّه واعترف بفضله العالم الإسلامي كله، وقد أحبه الجميع من أجل المثل العليا التي عمل لها، والتي سنسير عليها إلى أن يتحقق لنا ما نريده من مجد وكرامة في أخوة حقيقية وإيمان أكيد، رعاكم الله ووحَّد بين قلوبكم وجمع بينكم على الخير".
كتب علي ماهر رئيس مجلس وزراء مصر لمرات متعددة يقول: ما أنفع الذكرى، وما أضيق برزخ الحياة!، حين طلبت صحيفة "الدعوة" الغرَّاء أن أشترك فى إحياء ذكرى المغفور له الشيخ حسن البنا، عادت بى الذاكرة إلى عام 1935م، حين زارنى الفقيد الكريم مع بعض أصدقائه بمناسبة انتقاله بجماعته من الإسماعيلية إلى القاهرة، متحدثًا فى بعض الشئون العامة، وكان حديثه يشرح صدرى وأسلوبه يشهد بموفور الثقافة الإسلامية والبصر بشئون الأمم العربية، وبراعة المنطق وقوة الحجة، وكان إلى ذلك شديد الإيمان بأنه يؤدى رسالة إنسانية سامية، دعائمها الإخاء والمحبة والسلام بين سكان البلاد جميعًا.
ونختم بما قاله العلامة القرضاوى فى الإمام احسن البنا: بأبيات من الشعر قال فيها :
يا مرشـــدا قاد بالإســـــــــلام إخوانـا = وهز بالدعوة الغــراء أوطانـا
يا مرشدا قد سرت في الشرق صحبته = فقام بعد مـنــام طال يقظانــا
فكان للعرب والإســــــــلام فجر هدى = وكان للغـــرب زلزالا وبركانا
ربيـت جيـلا من الفــولاذ معدنـه = يزيده الضغط إســـلاما وإيمانا
أردت تجديد صـرح الدين إذ عبـثت = به الســنون فهدت منه جدرانا
فقمت تحمل أنقاضا مكدسة وعشـت = تعلــي لديــن الله أركانــا
ترسي الأساس على التوحيد في ثقة = وترفع الصـرح بالأخلاق مزدانا
حتى بلغــت الأعالي مصـلحا بطلا = تطل من فوقها كالبدر جذلانـــا
وثلة الهدم في الســـفلى مواقعهم = صــبو عليك الأذى بغيا وعدوانا
ترميك بالإفك أقلام والســــــنة = خانت أمانتها يا بئــس من خانا
وتنشـــر الزور أحزاب مضــللة = تغلي صــدورهمو حقدا وكفرانا
كـذاك لا بـد للبنـــاء من حجـر = يصيبــه أو يصيب الطين أردانا
ولم نلمهم فهذا كله حسـد والغل يوقد = فـي الأحشــــاء نيرانــا
وانظر ليوســــف إذ عاداه اخوته = فجرعوه من الإيذاء ألوانـــا
رأوه شمســـا وهم في جنبه سرج = رأوا أباهم بهذا النـور ولهانا
فدبروهـــا بظلمــاء مؤامــرة = ليبعدوا عنه وجها كان فتانــا
ألقوه في الجب لم يرعوا طفولتــه = باعوه كالشاة لم يرعوا له شانا
وعاش يوســـف دهرا يخدم امرأة = عبدا،وكان له في السجن ما كانا
فإن يك نسـل يعقـوب كذا فعلــوا = فلا تلم نســل فرعون وهامانا
ودع أذاهم وقـل موتـوا بغيظـكـم = فالغرب مولاكمو والله مولانـا
آذوك ظلمــا فلم تجـز الأذى بأذى = وكان منك جزاء السوء إحسانا
وكنت كالنخــل يرمى بالحجارة من = قوم فيرميهمو بالتمــر ألوانا
قد أوســـــــعوك أكاذيبا ملفقة = وأنت أوسعتهم صفحا وغفرانا
وقلــت:رب اهدهم للحق واهد بهـم = واجعلهمو للهدى جندا وأعوانا
ومن تكن برسول الله أســـــوته = كانت خلائقه روحـا وريحانـا
ايضاً كتب: الشيخ حسان السيّد
أحيَيْتَ قومك وارتقيت شهيداً تهنى بقرب رسولنا مسعوداً
أحييت إسلاماً بُعيد دماره أرضَيْت رحمن الدنى المعبودا
يا عينُ في فقد الإمام لترسلي دمعي دماً متحدّراً موروداً
ولتنسبك آهات قلبي أحرفاً للمرشد البنا تفيض قصيداً
ضحّى الإمام بروحه كي يبتني للدين حصناً بالرجال مشيداً
كم حاربوه لينثني ولينتهي فوعى المكيدة واستمرّ وحيداً
حقاً أتى للدين جدّد أمره ومضى يجاهد راشداً محسوداً
لم يرتعب من فاجرٍ أو فاسدٍ بل سار يبغي مطلباً منشوداً
رفع الإمام الصرح بعد دروسه فغدا الإخاء كصخرنا جلمودا
ربّى أسوداً في عرين عقيدةٍ ما كان في بذل الجهود زهيداً
فتخرّجت أجيالنا بجهاده بصلابة الفولاذ فلّ حديداً
إخواننا بجهادهم شغلوا الدنا والنصر كان لواءهم معقوداً
صدقوا الإله ورابطوا بسبيله ومضَوْا يريدون الجنان خلوداً
وشعارهم قرآن ربّي مصحفٌ سيفٌ يقيه خيانةً وجحوداً
وسبيلهم حقٌ فزادوا قوةً حريةً حصدوا.. ودكوا قيوداً
والمرشد البنا بقلب جموعهم شمس تبدّت لؤلؤاً منضوداً
وخصومه حقداً تفجّر غيّهم زادوا أذاه فزاده تأييداً
وتجاوز البنا الخصومة وانبرى ليحرر القدس السليب عميداً
فتجهّزوا ورجالهم ليواجهوا جنداً ترَبَّوا ركّعاً وسجوداً
كانوا وكنا كالذي بحجارة يُرمى فيرمي بالثمار تليداً
ظنوا اغتيالك ذاهبٌ بجهودكم لمُ يُدركوا معنى القضاء شهيداً
في يوم يلقى المسلمون شهادة تغدو المآتم والمفاجع عيداً
إنا سنبقى ما حيينا للذي أرسى الجماعة شاكرين جهوداً
في يوم فَقْدك نستنير طريقنا لجنان فردَوْس نسير جنوداً
نسأل الله أن ينزله منازل الشهداء، وأن يحشر مع سيد الأنبياء، وأن ينصر دعوته وأتباعه على الأشقياء.