وكانت السلطات المصرية قد صادرت سيارته، واعتقلت السائق وسحبت السلاح المرخص معه، وقبضت على شقيقيه اللذين كانا يرافقانه في تحركاته، ممهدة بذلك لاغتياله الذي وقع يوم 12 شباط 1949 حيث أطلقت النار على حسن البنا أمام جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، فنقل إلى مستشفى القصر العيني، لكنه ترك ينزف دون علاج حتى فارق الحياة، ولفظ الشهيد أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل. ولم يعلم أهله بذلك إلا في الثانية صباحاً.
إصابة الامام الشهيد كانت تحت الإبط، ولم تكن خطيرة، شهد بذلك الأطباء الذين شاهدوه وهو يدخل المستشفى. ولكن الامام البنا ترك ينزف داخل المستشفى بأوامر من القصر.
ولم تسمح الدولة بخروج أحد من الرجال في جنازته، فحملها أهل بيته، وخالف مكرم عبيد باشا (القبطي) أوامر الحكومة وانضم إلى عائلة البنا في تشييع جنازته.
وظن الظالمون أنهم بفعلتهم تمكنوا من طي صفحة الإخوان إلى الأبد باغتيال مؤسسها ومرشدها الامام الشهيد حسن البنا، لكن دعوته لم تمت ولن تموت بإذن الله حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
مضى الإمام البَنّا شهيداَ بعد أن أدركت الدوائر الاستخبارية البريطانية وربيبها الملك خطورة ما كان يقوم به من تحركات ويبذله من جهود لتحرير مصر من نير الاستعمار، حيث قام الإخوان بعقد المؤتمرات وتسيير المظاهرات للمطالبة بحقوق البلاد، كما قاموا بسلسلة من العمليات ضد قوات الاحتلال، وخاصة في منطقة قناة السويس.
إضافة الى دوره الفاعل في دعم القضية الفلسطينية، التي اعتبرها «قضية العالم الإسلامي بأسره»، حيث كان يدعو للجهاد مؤكداً أن «الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة واحدة، هي لغة الثورة والقوة».
كان الامام الشهيد حسن البنا من القلة ألأوائل الذين أدركوا خطورة التحالف الغربي الصهيوني ضد الأمة الإسلامية، فدعا إلى رفض قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الأمم المتحدة سنة 1947، ووجه نداءً إلى المسلمين كافة وإلى الإخوان خاصة لأداء فريضة الجهاد على أرض فلسطين حتى يمكن الاحتفاظ بها عربية مسلمة، وقال: «إن الإخوان المسلمين سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميّاً عربيّاً حتى يرث الله الأرض ومن عليها».
وفي 6 أيار سنة 1948 اتخذت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين قراراً ينص على إعلان الجهاد المقدس ضد اليهود المعتدين، وأرسل الامام البَنّا كتائب المجاهدين من الإخوان إلى فلسطين إبان حرب سنة 1948.
وكان ذلك من أبرز أسباب إقدام الحكومة المصرية آنذاك على حل الجماعة الحكومة, الأمر الذي أدى إلى وقوع الصدام بين الإخوان وحكومة النقراشي. ومن ثم قرار السفارة البريطانية وسلطات القصر باغتياله.
يُعَدّ «حسن البَنَّا» نموذجاً فريداً للزعيم الروحي والمفكر الإسلامي، والمصلح الاجتماعي، والقائد الجماهيري الذي يمكن أن تلتف حوله مختلف الطوائف والمستويات التي يجمعها اتجاه فكري واحد، فقد استطاع «حسن البَنَّا» في سنوات قليلة أن يؤسس أكبر جماعة في القرن العشرين، بلغ أتباعها الملايين. ولا تزال حاضرة بقوة في الوجدان الشعبي والسياسي والجهادي للأمتين العربية والإسلامية
نعم لقد استشهد «حسن البَنَّا»في 12 شباط من عام 1949، ولكن أفكاره ما زالت حيّة، تنبض بها القلوب وتتوهج بها الأرواح والنفوس. صحيح أن ستين عاماً مضت على استشهاده، لكنه يبقى الحاضر الأكبر في الأمة.
بقلم: الشيخ جمال الدين شبيب