"إسرائيل" طوّرت موقفها وإيران تتلمس المرحلة التي تليه وروسيا تناور:
الكل نفض يده من الأسد!
فادي شامية
الاربعاء 4 تموز 2012
بعد اتفاق جنيف –قبل أيام- بات واضحاً أن الكل نفض يده من بشار الأسد. الراغبون بذلك أكدوا رغبتهم، والرافضون رضخوا لواقع فرضه الشعب السوري بتضحياته الهائلة على العالم بأسره. لا مجال للشك بعد اليوم أن الأسد انتهى. لن يكون جزءاً من أي حل، ولن يبقى على كرسيه طويلاً، وقد لا ينجو ببدنه أيضاً!.
روسيا: مناورات الخاسر!
منذ محادثاتهم التي أجروها مع الأوروبيين، منتصف شهر حزيران الماضي، كان واضحاً أن الروس وضعوا رأس بشار الأسد على الطاولة، إذ من دون هذا المقابل لا قيمة لمحادثاتهم مع الجانب الأوروبي. الصحافة الفرنسية كانت نشرت تفاصيل تتعلق بهذه المحادثات، بدا واضحاً خلالها أن الروس يسألون عن وضعهم في مرحلة ما بعد بشار، عارضين المساومة عليه إذا ما ضمنوا مصالحهم، وقد توافقت هذه المعلومات المنشورة مع تصريحات أكثر من وزير خارجية أوروبي، ما اضطر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتأكيد بأن "روسيا لا تناقش أي موضوع يتعلق بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة" (14/6/2012)، فيما يشبه مناورة الخاسر الذي ما زال يتمسك بورقة؛ تراجعت قيمتها، ولكنه يأمل بيعها بسعر أعلى!.
ثم جاء اتفاق جنيف في الأول من تموز الجاري، حيث اتفقت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بما في ذلك روسيا والصين، إلى جانب تركيا، والكويت، وقطر، والأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام لجامعة الدول العربية، (اتفقوا) على "ضرورة تشكيل حكومة انتقالية في سوريا"، وكما في المرة السابقة أكد لافروف أن "الاتفاق لم يحاول فرض عملية انتقال على سوريا"، وأنه "لم يشر ضمنياً إلى أنه يجب على الأسد أن يتنحى... وأن مصيره متروك للسوريين"، لكن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون كانت واضحة في قولها "إن الاتفاق سيرسل رسالة واضحة إلى الأسد بأن عليه أن يتنحى، وأن أيامه في الحكم باتت معدودة، وأن ما فعلناه هنا هو أننا قضينا على تصور أنه هو -ومن تلطخت أياديهم بدماء السوريين-لا يمكنهم البقاء في السلطة". أما وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فأكد أن نص بيان اجتماع جنيف "ينطوي على ضرورة رحيل الأسد". في حين اعتبر وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ أن "النتيجة هي خطوة إلى الأمام" (باعتبار أن المأمول من الاجتماع كان أكبر من ذلك).
وما بين نفي لافروف وتأكيد بقية أطراف اجتماع جنيف، يظهر جلياً المناورة الروسية التي تتمسك بالموقف المعلن على الملأ، في حين تخوض مفاوضات صعبة مع الأطراف الأخرى، بهدف التوصل لترتيبات ما بعد الأسد؛ بما يحفظ المصالح الروسية، سيما أن الثورة السورية جعلت من روسيا بلداً مكروهاً في العالمين العربي والإسلامي، فضلاً عن إفقاده موقعاً ممتازاً له على البحر المتوسط هو سوريا.
"البراغماتية" الإيرانية
على الخطى نفسها، ولكن بـ "براغماتية" أعلى تسير إيران، فقد سبق أن حاولت استمالة جماعة "الأخوان المسلمين"، كبرى جماعات المعارضة السورية، عبر إيفاد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، ثلاثة مبعوثين إلى اسطنبول، في تشرين الأول من العام الماضي، بهدف التوصل إلى اتفاق، يخرج "الأخوان" بموجبه من المطالبة بإسقاط الأسد، على أن تتشكل حكومة وفاقية يحظى فيها "الأخوان" –المحظورين في سوريا- بأربع وزارات أساسية. جرى ذلك بعلم بشار الأسد، وقبل أن تتيقن طهران من عدم قدرته البقاء في السلطة.
بعد ثمانية أشهر على هذه المحاولة، أرسلت طهران وفداً رفيعاً، لمفاوضة "الأخوان المسلمين" على المرحلة التالية لما بعد بشار. ووفق المعلومات المؤكدة فقد اتصل الإيرانيون عبر وسيط تركي بـ "الأخوان" (بسبب رفض الأخوان الاجتماع بالإيرانيين قبل أن يتوقفوا عن دعمهم الميداني للنظام ويعلنوا موقفاً متضامناً مع الشعب السوري الثائر)، منتصف شهر حزيران الماضي، بهدف البحث في مرحلة ما بعد بشار الأسد، وبما يضمن المصالح الإيرانية في سوريا. وبالتأكيد هذه المرة لم يكن بشار الأسد يعلم بما يحمله الإيرانيون معهم من الأفكار، لأنهم كانوا يفاوضون عليه، أو على الأقل على المرحلة التي تليه، بما يفيد أنه ساقط لا محالة.
ووفق نائب المراقب العام للجماعة، وعضو المجلس الوطني السوري فاروق طيفور، فإنها المرة الأولى التي يطرح فيها الإيرانيون عرضاً على الجماعة لا مكان فيه لبشار الأسد. ما يعني –تحليلاً- أن إيران بدأت تدرك أن بشار انتهى، وأنها تسعى الآن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأوضاع التي كانت ممتازة بالنسبة لها في عهد الرئيس الأسد.
على أي حال، فإن قيادات فلسطينية، تتلقى دعماً مادياً من طهران، سبق لها أن اجتمعت بالمسؤولين الإيرانيين وسمعت كلاماً قاسياً منهم بحق بشار الأسد، "الذي فشل في إدارة المعركة، فورّط نفسه وورطنا في معركة كان يمكن تجنبها لو تعامل وفق النصائح الإيرانية مع الشعب السوري".
... و"إسرائيل" تطوّر موقفها
بالانتقال إلى طرف دولي آخر داعم لبقاء الأسد، هو "إسرائيل"، يظهر أيضاً، أن المراهنة على استمرار الأسد، أو تمنيات بقائه (وفق ما صرح المسؤولون الصهاينة وكتبت صحفهم بداية الثورة) أصبح بلا جدوى.
ومع ذلك؛ فلم تتخلَ "إسرائيل" عن دعم الأسد سراً وعلانية، لاعتبارها بقاءه في الحكم ضماناً لأمن حدودها الشمالية- ولو أنه حليف لإيران-، وعلى هذا الأساس جاءت مطالبة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في آذار الماضي- وبشكل علني-، الرئيس باراك أوباما بـ "تخفيف الضغوط على النظام السوري"!، لكن في كل الأحوال فقد وجدت الإدارة الإسرائيلية أن إطالة الأزمة ومنع التدخل الدولي في سوريا من شأنه أن يريحها، وأن يُبقي ورثة نظام الأسد سنيناً تحت وطأة الإغاثة وإعادة الإعمار ولملمة الجراح، قبل أن يلتفتوا إلى الجولان المحتل. وفق هذه الرؤية ضغطت "اللوبيات" الإسرائيلية في العالم، لمنع أي تدخل دولي، سواء عبر ضرب النظام عسكرياً أو حتى تسليح الثوار. (اعتبر الرئيس السابق لمجلس "الأمن القومي الإسرائيلي" غيورا آيلناد في كلمة له، وبشكل سافر، في 12/6/2012، أن "السيناريو الأفضل لإسرائيل هو بقاء الوضع على ما هو عليه الآن لأطول فترة ممكنة").
غير أن الموقف الإسرائيلي "تطور" لاحقاً، على وقع تقدم الثورة السورية، إذ ليس من مصلحة "إسرائيل" أن تحصل الإطاحة بالنظام دون تدخل دولي؛ يمكنها أن تستفيد منه، بما يضمن لها أمنها، ولو لفترة من الزمن، فضلاً عن خشيتها راهناً من تسرب أسلحة غير تقليدية إلى "حزب الله"، على ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي نفسه لجهة أن "إسرائيل تراقب عن كثب تطورات الأحداث خشية نقل أسلحة متطورة أو غير تقليدية من الأراضي السورية أو إليها" (12/6/2012)، وعلى ما بدا واضحاً فيما أعلنه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بني غانتز أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست أنه: "مهما كانت نتيجة النزاع في سوريا فهي ستكون سيئة بالنسبة إلى إسرائيل، وفي حال سقط الأسد -واعتقد بأن هذا سيحصل-، ستزداد مظاهر اللاستقرار، كما يمكن تهريب الأسلحة من سوريا إلى حزب الله قبل سقوطه" (6/6/2012). يضاف إلى ذلك تحذير حديث لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أن "الأوضاع الأمنية المتردية في سوريا تؤدي إلى تسرب وسائل قتالية متقدمة بما فيها كيميائية إلى عناصر من حزب الله والجهاد العالمي وتنظيم القاعدة" (2/7/2012). ولعل ما سبق كله يشرح الموقف اللافت لنائب رئيس الحكومة الإسرائيلية شاؤول موفاز الداعي للمرة الأولى لتدخل دولي يتولى الإطاحة ببشار الأسد (10/6/2012).
هذا التطور في الموقف الإسرائيلي ناشئ –بالضرورة- من القناعة بأن سقوط الأسد بات قريباً، الأمر الذي لم يخفه الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي يواف مردخاي: "نظام الأسد سيسقط قريباً، وهذه حتمية وحلفاء الرئيس الأسد مثل روسيا والصين وإيران وحزب الله، على علم ودراية بأن سقوط الأسد بات حتمياً وأن القضية هي مسألة وقت، ليس إلا".
روسيا وإيران و"إسرائيل"، كل دولة وفق حساباتها - ودول العالم من قبلهم- باتوا يستشعرون رحيل الأسد، ويتلمسون معالم المرحلة القادمة. حفنة قليلة من المنقطعين عن الواقع، أو الحالمين بواقع آخر، أو المخادعين للناس يتحدثون عن "إصلاحات بشار". لا غرابة، فهؤلاء ربطوا مصيرهم بمصير نظام الأسد فغرقوا معه... والغريق يتعلق بقشة!.