رؤية الأنبياء والمرسلين في المنام
سمعت أبا بكر أحمد بن الحسيين بن مهران المقري قال: اشتريت جارية أحسبها تركية ولم تكن تعرف لساني ولا أعرف لسانها وكان لأصحابي جواري يترجمن عنها قال: فكانت يوماً من الأيام نائمة، فانتبهت وهي تبكي وتصيح وتقول: يا مولاي علمني فاتحة الكتاب فقلت في نفسي انظر إلى خبثها تعرف لساني ولا تكلمني به فاجتمع جواري أصحابي وقلن لها: لم تكوني تعرفين لسانه والساعة كيف تكلمينه، فقالت الجارية: إني رأيت في منامي رجلاً غضبان وخلفه قوم كثير وهو يمشي فقلت: من هذا، فقالوا: موسى عليه السلام، ثم رأيت رجلاً أحسن منه ومعه قوم وهو يمشي فقلت: من هذا، فقالوا: محمد صلى الله عليه وسلم، فقلت: أنا أذهب مع هذا فجاء إلى باب كبير وهو باب الجنة فدق ففتح له ولمن معه ودخلوا وبقيت أنا وامرأتان فدققنا الباب ففتح، وقيل من يحسن أن يقرأ فاتحة الكتاب يؤذن له فقرأتهما فأذن لهما وبقيت أنا،
فعلمني فاتحة الكتاب قال: فعلمتها مع مشقة كبيرة، فلما حفظتها سقطت ميتة.
قال الأستاذ أبو سعيد رحمه الله: رؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم أحد شيئين إما بشارة، وإما إنذار،
ثم هي ضربان: أحدهما أن يرى نبياً على حالته وهيئته فذلك دليل على صلاح صاحب الرؤيا وعزه وكمال جاهه وظفره بمن عاداه والثاني يراه متغير الحال عابس الوجه فذلك يدل على سوء حاله وشدة مصيبته ثم يفرج الله عنه أخيراً.
وإن رأى كأنه قتل نبياً دل على أنه يخون في الأمانة وينقض العهد لقوله تعالى \" فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق \".
هذا على الجملة وأما على التفصيل:
فإن رأى آدم عليه السلام على هيئته نال ولاية عظيمة إن كان أهلاً لها، لقوله تعالى \" إني جاعل في الأرض خليفة \".
وإن رأى أنه كلمه نال علماً لقوله تعالى \" وعلم آدم الأسماء كلها \". وقيل إن من رأى آدم اغتر بقول بعض أعدائه ثم فرج عنه بعد مدة، فإن رؤي متغير اللون والحال دل ذلك على انتقال من مكان إلى مكان ثم على العودة إلى المكان الأول أخيراً.
ومن رأى شيثاً عليه السلام نال أموالاً وأولاداً وعيشة راضية.
ومن رأى إدريس أكرم بالورع وختم له بخير.
ومن رأى نوحاً عليه السلام طال عمره وكثر بلاؤه من أعدائه ثم رزق الظفر بهم، وأكثر شكره الله تعالى لقوله تعالى \" إنه كان عبداً شكوراً \". وتزوج إمرأة دنية فولدت له أولاداً.
ومن رأى هوداً عليه السلام تسفه عليه أعداؤه وتسلطوا على ظلمه ثم رزق الظفر بهم، وكذلك من رأى صالحاً عليه السلام.
ومن رأى إبراهيم عليه السلام رزق الحج إن شاء الله، وقيل إنه يصيبه أذى شديد من سلطان ظالم ثم ينصره الله عليه وعلى أعدائه ويكثر الله له النعمة ويرزقه زوجة صالحة، وقيل إن رؤيا إبراهيم عليه السلام عقوق الأب.
وحكي أن سماك بن حرب كف فرأى في منامه كأن إبراهيم عليه السلام مسح على عينيه وقال: إئت الفرات فاغتمس فيه يرد الله عليك بصرك، فلما انتبه فعل ذلك فأبصر.
ومن رأى إسحاق عليه السلام أصابه شدة في بعض الكبراء أو الأقرباء ثم يفرج الله عنه ويرزق عزاً وشرفاً وبشراً وبشارة ويكثر الملوك والرؤساء والصالحون من نسله هذا إذا رآه على جماله وكمال حاله.
وإن رآه متغير الحال ذهب بصره نعوذ بالله.
ومن رأى إسماعيل عليه السلام رزق السياسة والفصاحة، وقيل إنه يتخذ مسجداً أو يعين عليه لقوله تعالى \" وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل \". وقيل إن من رآه أصابه جهد من جهة أبيه ثم يسهل الله ذلك عليه.
ومن رأى يعقوب عليه السلام أصابه حزن عظيم من جهة بعض أولاده ثم يكشف الله تعالى ذلك عنه ويؤتيه محبوبه.
ومن رأى يوسف عليه السلام، فإنه يصيبه ظلم وحبس وجفاء من أقربائه ويرمى بالبهتان ثم يؤتى ملكاً وتخضع له الأعداء، فقد قيل في التعبير أن الأخ عدو وهذه دليل على كثرة صدقة وقد حكي أن بعض الناس رأى كأن يوسف عليه السلام ناوله إحدى خفيه، فانتبه وقد صار معبراً.
وحكي أن إبراهيم بن عبد الله الكرماني رأى كأن يوسف عليه السلام كلمه، فقال له: علمني مما علمك الله فكساه قميص نفسه فاستيقظ وهو أحد المعبرين.
وعن ابن سيرين قال: رأيت في المنام كأني دخلت الجامع فإذا أنا بمشايخ ثلاثة وشاب حسن الوجه إلى جانبهم فقلت للشاب: من أنت رحمك الله قال: أنا يوسف قلت: فهؤلاء المشيخة قال: آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقلت علمني مما علمك الله قال: ففتح فاه وقال: انظر ماذا ترى فقلت أرى لسانك ثم فتح فاه، فقال: انظر ماذا ترى فقلت لهاتك ثم فتح فاه، فقال: انظر ماذا ترى قلت أرى قلبك، فقال: عبر ولا تخف فأصبحت وما قصت علي رؤيا إلا وكأني أنظر إليها في كفي.
ومن رأى يونس عليه السلام، فإنه يستعجل في أمر يورثه ذلك حبسآ وضيقآ ثم ينجيه الله تعالى، وهذه الرؤيا تدل على أن صاحبها يسرع الغضب والرضا ويكون بينه وبين قوم خائنين معاملة.
ومن رأى شعيباً عليه السلام مقشعراً، فإنه يذهب بصره.
وإن رآه على غير تلك الحالة، فإنه يبخسه قوم حقه عليهم ويظلمونه ثم يقهرهم، وربما دلت هذه الرؤيا على أن صاحبها له بنات.
ومن رأى موسى وهارون عليهما السلام أو أحدهما، فإنه يهلك على يديه جبار ظالم، وإن رآهما وهو قاصد حرباً رزق الظفر.
وحكي أن جارية لسعيد بن المسيب رأت كأن موسى عليه السلام ظهر بالشام وبيده عصا وهو يمشي على الماء، فأخبرت سعيداً برؤياها قال: إن صدقت رؤياك فقد مات عبد الملك بن مروان، فقيل له بم علمت ذلك قال: لأن الله تعالى بعث موسى ليقصم الجبارين وما أجد هناك إلا عبد الملك بن مروان فكان كما قال.
ومن رأى أيوب عليه السلام ابتلى في نفسه وماله وأهله وولده ثم يعوضه الله من كل ذلك ويضاعف له لقوله تعالى \" ووهبنا له أهله ومثلهم \".
ومن رأى داود عليه السلام على حالته أصاب سلطاناً وقوة وملكاً.
ومن رأى سليمان عليه السلام رزق الملك والعلم والفقه.
وإن رآه ميتاً على منبر أو سرير، فإنه يموت خليفة أو أمير أو رئيس لا يعلم بموته إلا بعد مدة، وقيل من رأى سليمان إنقاد له الولي والعدو كثرت أسفاره.
ومن رأى زكريا عليه السلام رزق على كبر ولداً تقياً.
ومن رأى يحيى عليه السلام وفق للعفة والتقوى والعصمة حتى يصير في ذلك واحد عصره.
ومن رأى عيسى عليه السلام دلت رؤياه على أنه رجل نافع مبارك كثير الخير كثير السفر.
أخبرنا الشريف أبو القاسم جعفر بن محمد بمصر قال حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال أخبرنا أبو القاسم عيسى بن سليمان البغدادي قال حدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا موسى بن جعفر الرضا عن أبيه عن جده قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: رأيت عيسى بن مريم عليه السلام في النوم فقلت يا روح الله إني أريد أن أنقش على خاتمي فما أنقش قال: انقش عليه لا إله إلا الله الحق المبين، فإنه يذهب الهم والغم، وقيل إن رأت إمرأة عيسى بن مريم عليه السلام وهي حامل ولدت ابناً حكيماً.
ومن رأى مريم بنت عمران، فإنه ينال جاهاً ورتبة من الناس ويظفر بجميع حوائجه، وإن رأت إمرأة هذه الرؤيا وهي حامل ولدت أيضاً ابناً حكيماً، وإن افترى عليها برئت من ذلك وأظهر الله براءتها.
ومن رأى أنه يسجد لمريم، فإنه يكلم الملك ويجلس معه.
ومن رأى دانيال الحكيم رزق حظاً وافراً وعلم الرؤيا وظفر بجبار بعد أن تصيبه منه شدة، وقيل إنه يصير أميراً أو وزير أمير.
وحكي أن أبا عبد الله الباهلي رأى كأنه حمل دانيال على عاتقه فوضعه على جدار وأحياه فكلمه وقال له: أبشر فإنك دخلت في جملة ورثة الأنبياء وصرت إماماً من جملة المعبرين.
ومن رأى الخضر عليه السلام دل على ظهور الخصب والسعة بعد الجدوبة والأمن بعد الخوف، وقيل من رأى كأن بعض الأنبياء ضربه نال مناه في الدنيا ديناً ودنيا.
ومن رأى كأنه بنفسه تحول نبياً معروفاً نالته الشدائد بقدر مرتبة ذلك النبي في البلاء ويكون آخر أمره الظفر ويصير داعياً إلى الله سبحانه وتعالى.
والله تعالى أعلم