كذلك نجد في كل شركة أو مؤسسة خاصةٌ كانت أم عامة صمام أمان وفق ما يقوله أو يحاول قوله المدراء وكأنها شوكة تقف عند الحنجرة تمنع "الآه" من أن تخرج كما وتمنع كل محاولة في التغيير. فنجد هذا الموظف النمطي الروتيني الذي قد يكون مجداً في عمله أو كما يقول البعض "يعمل مثل الساعة لا يقدم ولا يؤخر" وهنا تكمن المشكلة أن هذا الموظف لا يتجدد ولا يتعلم ولا يتأقلم فهو كالصخرة لا يتغير أو بمعنى آخر قد يكون الزمن قد توقف لحظة تخرجه من الجامعة فمعتقده أنه يعلم كل شيئ أن قد تعلم كل شيئ والباقي مجرد ترهات لا تنفع.
جميع الدراسات والمدربين الإداريين يؤكدون أن وجود صمام الأمان واجب في كل مؤسسة لكنهم لا يعلمون أرض الواقع فالتنظير أمر سهل على أي كان وسن القوانين والأنظمة أمرٌ أسهل، لكن المشكلة تكمن في التطبيق فهل المتطلبات التي سُنَّت لمعايير صمام الأمان متوفرة في الموظفين الذين سيعملون وفقها، أو معايير العمل تتوجب وجود صمام أمان، لأن الكثر من الأعمال تكون عاجزة عن الإبداع والإرتقاء بوجود أعضاء نمطيين في عديدها وهناك تجارب عديدة في المجتمعات الأجنبية وأمثلة للنجاحات المبهرة في طرح أفكار لولاها لمازال العالم اليوم تجره عربات الخيل.
إذا كان إنجاز العمل بشكلٍ صحيح يتوجب وجود أفراداً يعملون "كالساعة" فعلى الإدارة الناجحة وضعهم ضمن دائرة مغلقة وذلك لمنع انتشار العدوى بين الموظفين، فما أحب على قلب الموظن من الوصول إلى عمله وأداء ما هو مطلوب منه والخروج بعد انتهاء الدوام دون تفكير أو إشغال باله فيما قد يطور به عمله أو يجدد به طريقته فنرى العامل يعمل في حياته كلها يوماً واحداً مكرراً إلى إنقضاء الأجل. والويل لمن أتى بجديد فإنه العدو اللدود فيحارب بشتى المجالات والطرق المشروعة والغير مشروعة. فترى الحمل الوديع ذئباً جسوراً يأكل من لحم أخيه ويقذفه في أمانته وأخلاقه وما طال منه، فتقف متعجب أمام إنسانٍ تعهده وتشهد له بالإستقامة والتدين وما كانا إلا قناعً يخفى ما تكره.
للأسف... أغلب مؤسساتنا تحوى العديد من الصمامات الفاسدة التى آن لها أن تستبدل ولكن... فكم من المشكلات التي قد يواجهها بعضنا بسياراتهم وتُحل المشكلة بتغيير صمام "بقرشين" بعدما تكون قد دفعت الألوف لمحاولة الصيانة بطرق أخرى... وكذلك في المؤسسات لاستبدال أحد الصمامات المُعَطَلة أو المُعَطِلة سيكون أسهل وأقل تكلفة من تأهيل قسماً كاملاً ليوافق أهواء أحد الموظفين "الصمامات" أو لتدريبهم على كيفية التعامل معهم وتقبلهم، فبالتالي تكون قد حددت وحجمت وأطفأت خامات جديدة مشحونة بالطاقة وجاهزة للعمل والإبداع.
إن التطور والإرتقار والتغيير لن يأتي من محبي الروتين أو النمطيين ولن يأتي إلا متأخراً بوجودهم... قد تقف محتاراً أمام من يصف "التطور والتكنولوجيا والإنترنت إلخ..." بأنها غير فائدة وأنها لن تجدي نفعاً والعكس صحيح فهم كذلك. الآن وبعد ثورة المعلوماتية نجد أن دول قد تغير في إستراجياتها لمجرد صدور نظام إلكتروني جديد أو برنامج متطور وفي الكفة الثانية من الميزان نجد صماماتنا العظماء يقاتلون ويناضلون من أجل تعديل بسيط في أي نظام وقد يكون من أجل تحسين أدائهم أو راحتهم لكنك لن تجد إلى إقناعهم سبيلا.
إن التطور والإرتقار والتغيير يحتاج إلى أناس يتبنون الأفكار بسرعة وثقة ويحلمون بأقصى حدود يمكنهم الوصول إليه. أما الموظفين عامة قد وصلوا إلى مرحلة التخمة الحرجة من النظريات والمحاضرات والمناقشات والدراسات التي آلت جميعها إلى أوراق في الدرج أو ما شابه، فدعونا من الكلام وانظروا إلى تجربة شركة "غوغل" التي أنارت الدرب أمام العديد من الشركات العالمية في كيفية التعامل بين الإدارة والموظفين وبين الموظفين أنفسهم، فالجرائد ومواقع الإنترنت مليئة بمقالات عن نجاحاتهم وأعمالهم وأساليبهم، فموظفيهم من كافة الجنسيات والأديان والمذاهب يعملون وهدفهم واحد (نجاح العمل) أما في وطننا العربي فنجد الإخوة في الدم أو الدين يكيلون الويل لإخوانهم لمجرد المنافسة في العمل أو المقاربة في المنصب، ونجد دائماً هذا الصمام هو العقبة، فكيف وهو العامل منذ عشرين سمة أو أكثر يجد هذا الشاب أو هذه الفتاة حديثي التخرج يعملون مثلما يعمل ويعلمون أكثر مما يعلم.
لم أكتب هذه الكلمات لأملء الوقت فإنني بحاجة لكل ثانية، لكنني قد عايشت هذه الحالات في عدة مؤسسات كما ووقد ضجت أذني بحكاوى العديد من الموظفين في مؤسسات في مدينتنا الحبيبة وبلدنا لبنان بل وفي بلاد الإغتراب والمؤسف أنها البلاد العربية، فقلما تجد أحداً يشتكي من هذه المشكلة بالذات ممن يعملون في البلاد الأجنبية، فتجد الأجنبي يعامل الموظف بما يقدمه من جهد وأداء بعكس ما لدينا من "واسطة وأعضاء" وهذه ومشكة أخرى قد أتكلم عنها لاحقاً إن كان في العمر بقية.
عبد الودود النقوزي