فادي شامية
منذ أن أطلق هجومه الواسع فجر 19/5/2013؛ ما يزال "حزب الله" يحصد الخيبات، ويحصي قوافل القتلى، وينشغل بمئات الجرحى. وفيما لم يصدر إعلامه لائحة رسمية بحصيلة القتلى؛ أمكن رصد 74 اسماً نعاهم "حزب الله" أو شيعهم بعدما قضوا في "الواجب الجهادي" في سوريا (مرفق اللائحة).
ولا يبدو أن الحزب في وارد التراجع عن احتلال القصير، مهما كلفه ذلك من قتلى وجرحى وخسائر مادية ومعنوية، فيما تبرز أكثر عزيمة ثوار القصير على الدفاع عن المدينة حتى الرمق الأخير، رغم أن القذائف تنهمر على المدينة التي باتت مدمرة؛ من الطائرات التابعة للنظام، ومن مدفعية "حزب الله"، فضلاً عن المواجهات التي تجري على أطرافها. وتوضح الخريطة المرفقة توزع القوى والمحاور في القصير.
العمليات الميدانية
أولاً: تمكن "حزب الله" وخلال أشهر من المواجهات من احتلال ريف القصير غربي نهر العاصي بالكامل، إضافة إلى عدد من القرى الجنوبية والشرقية للقصير (الديابية- كوكران- دحيرج- الديبة)، وتالياً أصبح مطبقاً على القصير من ثلاث جهات؛ الغرب والشرق والجنوب، ومشاركاً مع الجيش النظامي في محاولة تطويق القصير وعزلها من الشمال.
ثانياً: رغم شدة وحجم الحشود التي يستخدمها الحزب للتقدم نحو القصير، فقد تمكن الثوار غير مرة من الالتفاف، وضرب خطوطه الخلفية. تمكنوا مطلع الشهر الجاري من الإغارة والسيطرة على النهرية-الموح- الصفصافة، ثم انسحبوا، وتمكنوا قبل ساعات من شن هجوم مباغت على بلدة جوسيه في أقصى جنوب المناطق التي يحتلها "حزب الله" داخل سوريا، فكبدوا الحزب قتلى وجرحى قبل أن ينسحبوا.
ثالثاً: يعتبر المحور الشرقي راهناً أقرب المحاور إلى مدينة القصير، التي يوجد على أطرافها مركزين للأمن السياسي والأمن العسكري، قضى اتفاق سابق بحياد العناصر الموجودة فيهما، مقابل عدم مهاجمتهما. وفيما لا يزال الثوار يقاومون على المحور الغربي في بساتين ريف القصير (عرجون- كفرموسى..) وفي المحور الشمالي (خسروا مؤخراً مناطق حساسة أمام جيش النظام في بلدة الدمينة الشرقية المسيحية والدمينة الغربية وكمام) يركز الحزب على الشرق للتسلل إلى المدينة، دون أن ينجح حتى الآن.
فضائح أخلاقية
إزاء هذا الواقع؛ يمكن القول إن ما يجري بعمومه فضيحة أخلاقية لحزبٍ يدعي وصلاً بالله، ليس لأنه يقتل ثواراً ومدنيين يطلبون الحرية فحسب، بل لأن قادته استنفذوا أمام جمهورهم والعالم حججاً ساقوها لتبرير أعمالهم، فمدينة القصير وكثير من قرى ريفها ليست لبنانية، ولا يوجد فيها لبنانيون "قصّرت الدولة في حمايتهم" فتولى الحزب المهمة نيابةً عنها، كما قال السيد حسن نصر الله سابقاً، وليس فيها مقام للسيدة زينب أو لغيرها من آل البيت الكرام كما عاد وأورد نصر الله كذريعة جديدة لتبرير وجود مقاتليه في دمشق، وإنما من هو داخل القصير؛ إما من أهلها السوريين، وإما ممن لجأ إليها من ظلم بشار الأسد وأعوانه.
وأكثر من ذلك، فقد سجل "حزب الله" أربع فضائح أخلاقية جديدة أثناء خوضه القتال في القصير في الأيام القليلة الماضية:
أولاً: ارتكاب مقاتليه مجزرة على أطراف الخالدية (بين ربلة والخالدية) راح ضحيتها أكثر من عشرين مدنياً بينهم أطفال، وهي ثالث مجزرة من نوعها منذ ثلاثة أسابيع يرتكبها الحزب بحق مدنيين يتهمهم بإيواء أو مساعدة ثوار في ريف القصير.
ثانياً: إحضار مقاتليه إلى ريف القصير سيارة إسرائيلية الصنع، تركها الجيش الإسرائيلي عند انسحابه من جنوب لبنان عام 2000، لبناء قصة خيالية مفادها أن "إسرائيل" تدعم ثوار القصير (علماً أن دعاية الحزب تقول إنهم يقاتلون التكفيريين أتباع القاعدة، لكأن "إسرائيل" تدعم القاعدة!). تورطت في هذه الفضيحة قناة الميادين الممولة من إيران، لكن القصة لم تكن محبكة، فقد ظهر في التصوير عبارة بالعبرية تفيد تابعيتها إلى إدارة المعتقلات (السجون)، فضلاً عن أن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أعلن أن "العربة التي عُثر عليها في القصير خرجت من الخدمة العسكرية منذ عشرة أعوام".
ثالثاً: بث الإعلام التابع للحزب أو الذي يدور في فلكه صوراً ومعلومات غير صحيحة حول سقوط القصير ساعات بعد الهجوم عليها؛ وبمراجعة بسيطة لنشرات أخبار هذه القنوات مساء الأحد 19/5/2013 يظهر بالدليل القاطع حجم الكذب الإعلامي الذي مارسه إعلامٌ؛ قال عنه السيد حسن نصر الله قبل أيام فقط إنه: "إعلام مقاومة ملتزم بالصدق والأمانة؛ الصدق في القول، الصدق في الفكر، الصدق في النية، الصدق في العمل، والصدق في الممارسة. وهذا جزء من قيمنا الدينية والثقافية والجهادية والأخلاقية والإنسانية"!
رابعاً: "فبركة" الإعلام نفسه معلومات عن مجموعة مقاتلة باسم "رفيق الحريري أبيدت في القصير" – لأسباب تبريرية ومعنوية-، ومحاكاة هذا الإعلام ما يعانيه في واقعه المأزوم من نشر لوائح باسماء القتلى، حيث "فبرك" لوائح بأسماء وهمية لقتلى لبنانيين ادعى الحزب قتلهم في القصير، ليتبين أن لا أصل لهذا الموضوع أبداً.
هل أبقى هذا الانهيار المادي والمعنوي لـ حزب الله"؛ من رغبة لدى اللبنانيين ليحيوا ذكرى مجيدة، كان الحزب رافعة تحقيقها، في ذلك اليوم العظيم في 25 أيار قبل ثلاثة عشرة عاماً، عندما اندحر العدو الإسرائيلي عن التراب اللبناني؟!. تُرى عندما يحتفل اللبنانيون اليوم بالذكرى ماذا سيقولون، وقد تبدلت الأدوار؛ فصار "حزب الله" جيشاً غازياً ومحتلاً لأرض عربية وإسلامية، وصار ثوار سوريا مقاومين أبطال؟
سنّة التاريخ التي أنتجت 25 أيار اللبناني يوماً للتحرير هي نفسها ستصنع يوماً مجيداً لتحرير السوريين من نظامهم المجرم ومن داعميه الأكثر إجراماً... ستتعانق المناسبتان يوماً، لترسمان معاً بسمة شعبين شقيقين يريدان الحرية. هكذا تقول سنن الحياة التي لا تبديل لها.
لائحة بـ 74 قتيلاً من "حزب الله" قضى معظمهم في معارك القصير اعتباراً من فجر 19/5/2013